اللقاء الذي مر مر الكرام في وسائل الاعلام العربية والغربية على حد سواء !!!!

الدكتور بهيج سكاكيني |

اللقاء الذي تم بين وزير خارجية البحرين ووزير خارجية سورية وليد المعلم على جانب الاجتماع السنوي للجمعية العامة الاخير مر مر الكرام كخبر جانبي في العديد من الصحف العربية والغربية على حد سواء بالرغم من دلالته وأهميته السياسية وخاصة وأنه ياتي كمبادرة من “دولة” كانت تتميز بعدائها العلني لسوريا منذ بدء الحرب الكونية عليها ومواقفها المتشددة في الجامعة العربية أسوة براعيها وحاميها في الرياض. والغريب ان التصريحات التي جاءت على لسان وزير الخارجية البحريني في مقابلة بعد اللقاء تدل على ليونة كبيرة في المواقف “البحرانية” مثل تصريحه ” ان الحكومة السورية هي الحكومة السورية ونحن نتعامل مع الدول حتى ولو اننا نختلف معهم, وليس مع هؤلاء اللذين يهدفون الى الاطاحة بهم”. وأضاف ” ان الدولة السورية يجب ان تستعيد سيطرتها على كل جزء من سورية”. كما وأكد وزير الخارجية البحريني ان لقائه هو جزء من جهد عربي موسع لاستعادة  دور عربي في إيجاد حل للازمة السورية وعدم ترك المسألة الى اللاعبين غير العرب مثل تركيا وإيران أو روسيا.

ماذا يعني هذا اللقاء وهذه التصريحات؟

اولا: من الضروري ان نعي ان مثل هذا الحدث لا يمكن ان يكون قد اتى من البحرين بشكل منفرد وخاصة في مثل هذه القضية الحساسة والمثيرة للجدل دون ان يكون هنالك تنسيقا وثيقا مع شركائها في دول مجلس التعاون الخليجي وخاصة مع السعودية والامارات. وهذه ليست المرة الاولى التي تستخدم فيه البحرين بالنيابة عن الدول الخليجية على وجه التحديد. فلقد سبق وان استخدمت لجس النبض في عمليات التطبيع مع الكيان الصهيوني وبشكل علني وليس من تحت الطاولة كما هو الحال مع دول خليجية أخرى التي تحاول أن تختبىء خلف اصبعها بهذا الشان. والبعض قد يذكر تصريحات الامير ولي العهد البحريني بشان حق اسرائيل في الوجود والزيارة التي قام بها وفد بحريني الى إسرائيل وزيارته الى القدس الشرقية والتجول في شوارعها وطردهم من الاقصى من قبل المقدسيين عندما حاولوا الدخول للصلاة هناك. الى جانب ما رايناه على شاشات التلفزيونات من زيارة رسمية لوفد يهودي اسرائيلي والرقص مع مجموعة من البحرانيين.

ثانيا: ان النظام المصري بالرغم من انه مكبل سياسيا نتيجة الضائقة الاقتصادية الخانقة التي يعانيها وإعتماده كليا على المعونات والمنح والاستثمارات الخليجية وبالتالي بقائه رهينة سياسية للمشيئة السعودية والاماراتية اللتين يتحكمان بالنظام الرسمي العربي منذ فترة..نقول بالرغم من كل هذا فإنه ولفترة وما زال ينادي في بناء جسور مع النظام السوري. الى جانب ذلك نرى ان الاردن بعث مؤخرا بوفد تجاري الى سورية لمناقشة التحضيرات والالتزامات لفتح معبر نصيب الحدودي لتمرير البضائع في الاتجاهين الى جانب حركة المدنيين لاحقا. فهذا المعبر يعتبر معبرا استراتيجيا من الناحية الاقتصادية لكل من الاردن وسوريا ولبنان.

ثالثا: هذا اللقاء والتصريحات التي تلته تعني وبدون الخوض في سجال يدلل أن النظام العربي الرسمي وخاصة الخليجي منه الذي تنطح لمحاربة الدولة السورية منذ بداية الازمة ومحاولاته المستميتة لاسقاط النظام السوري بما فيه إبعاد الدكتور بشار الاسد عن سدة الحكم, وإعادة تشكيل الجيش العربي السوري بالمقاييس الامريكية بعد القضاء عليه وشراء الضباط الكبار فيه ودفع مئات الملايين للجنود والضباط الصغار للهروب من الجيش لكي ينهي كونه جيشا عقائديا عروبيا, والمجيء بحكومة تتقبل السير في عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني وتصفية القضية الفلسطينية تبعا للرؤية الصهيو-أمريكية وإخضاع المنطقة بالكامل للمخططات والاستراتيجيات التي رسمت في البنتاغون والدوائر الصهيونية في اسرائيل, نقول ان المتحكمين في النظام العربي الرسمي قد وصلوا الى قناعة متأخرة جدا ان النظام السوري والدولة السورية باقية وهي الطرف المنتصر التي يجب التعامل معها لتخفيف تداعيات هزيمتهم النكراء في سوريا والتقليل من خسائرهم على مستوى المنطقة.

رابعا: بعض ما يستنتج من تصريحات وزير الخارجية البحريني, أن استعادة “الدور العربي” في إيجاد الحلول الى الازمة السورية يعني ان المشاركة العربية إنما تهدف الى إخراج الحلفاء الذين قاتلوا مع الدولة السورية والجيش العربي السوري وقدموا المساعدات المادية والانسانية والاغاثية والاقتصادية والمالية والسياسية والدبلوماسية في الوقت الذي كان العربان يقدمون الدعم للمجموعات الارهابية العاملة على الارض السورية ويقومون بتجنيد وتسليح ونشر مقاتلين أجانب ومرتزقة من جميع بقاع العالم. “الدور العربي” الرسمي لم ينقطع يوما عما دار ويدور للان في سوريا لكنه وللاسف كان دورا تخريبيا بإمتياز وهذا الامر لم يقتصر على الوطن السوري بل الى كل دولة من الدول الوطنية التي كانت تقف شوكة في حلق الاستعمار الغربي الحديث الذي تقوده الولايات المتحدة. “الدور العربي” الذي يبحث عنه النظام العربي الرسمي هو دورا المراد له دق اسفين بين سوريا ما بعد الحرب وحلفائها الاوفياء الذين اختلطت دمائهم بدماء الشعب السوري والجيش العربي السوري وهذا لن يتحقق على الاطلاق وخاصة بعد كل هذا الدمار والتضحيات التي فاقت كل الحسابات والتصورات.

خامسا: البعض تساءل وهو محق بعد هذا اللقاء والتصريحات هل من الممكن ان تكون هذه المبادرة هي بداية إعادة التطبيع مع الدولة السورية والنظام في سوريا أو ما يسمونه بنظام الاسد من قبل النظام العربي الرسمي وتتويج هذا التطبيع بعودة سوريا الى الجامعة العربية؟ لسوريا قيادة وشعبا وجيشا الاجابة على مثل هذا السؤال ولكن لا بد من القول والتذكير ان سوريا لم تكن الطرف الذي خرج من جامعة الدول العربية. بل ان الجامعة هي التي إتخذت قرار بتجميد عضوية سورية في الجامعة العربية منذ البداية وجامعة الدول العربية هي من ارسلت وفدها المكون من أمينها العام نبيل العربي ومحمد بن جاسم الوزير القطري السابق الذي ترأست بلاده الجامعة بعد ان دفع للفلسطيني للتنحي من هذا المنصب, والذهاب الى مجلس الامن الدولي لاستجداء الدول الخمسة الدائمة العضوية وبقية اعضاء المجلس للتدخل في سوريا تبعا للبند السابع الذي يتيح لحلف الناتو اليد الضاربة للولايات المتحدة بالعدوان العسكري على سوريا وتدميرها كما حدث عندما غزت القوات الامريكية والبريطانية العراق عام 2003 وتدميره كلية وارجاعه الى العصر الحجري. هذه هي الاجراءات والقرارات التي إتخذتها هذه الجامعة تجاه سورية والازمة السورية ومن العيب والخيانة الوطنية والاخلاقية لدم الشهداء ان تعود سورية الى مثل هذه الجامعة إن بقيت على ما هي وهي للان باقية على ما هي فهي التي اسهمت في تدمير ليبيا واليمن والعراق وسورية.

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023