سوتشي بين الجدية ونهاية اللعب على الحبال

د. أنور العقرباوي-فلسطيني واشنطن |

انهمكت مقالات وتعليقات بعض الصحف، والكثير من منابر التواصل الإجتماعي، حتى ما قبل سوتشي المنفرط عقده بالتحاليل والتكهنات بشأن المواقف و التصريحات، ناهيك عن تفسير سيل التهديدات الغربية و العثمانية، يجمعها عنوان يكاد أن يكون فيما ندر القاسم الوحيد المشترك فيما بينها، بغض النظر عن التباين في مواقفها، عما سيكون عليه الحال “ما بعد إدلب”! 

وفي لحظة يسود الصمت، وتتجه الأنظار والأسماع إلى “سوتشي” حيث انتهى إجتماع الرئيسين الروسي والتركي، دون أن يرشح عن تلك المحادثات الكثير من التفاصيل الدقيقة، سوى العناوين العريضة، التي على أي حال لخصت مشهد ما هو قادم من الأيام، من الإتفاق على إنشاء منطقة عازلة، وأجندة زمنية لضمان تنفيذ الإتفاق، وآليات للمراقبة تشمل “تسليم” السلاح الثقيل والمتوسط “لكل المجموعات” في إدلب.  وإذا كان اللذي كان له أكثر وقعا في شد الإنتباه والتفحص من وجهة نظرنا، هو ما جاء على لسان الرئيس بوتين من التأكيد على “الجدية” في تنفيذ الإتفاق، وهو ما يضع الرئيس التركي أمام مسؤوليات يصعب عليه التنصل منها ولو نظريا، إلا أنه يجب علينا أن لا نقلل من جهة أخرى من مغزى الكلام اللذي أبلغ فيه أردوغان الرئيس بوتين من أن “الأراضي التي تقع تحت سيطرة الإرهابيين لا تنحصر في إدلب”، في إشارة منه إلى المقاتلين الأكراد، حتى يكون بذلك قد مهد مبكرا لنفسه خط الرجعة في خلق المبررات والمراوغة في تنفيذ الوعود، مالم يضمن لنفسه وحلفائه دورا في أي حل سياسي قادم!

وعلى أي حال، إذا صدقت النوايا والممارسات، فإن ما تم التوصل إليه من إتفاق، حسبما صرح بها الرئيسان وتناقلته على ذمتها وكالات الأنباء، على الرغم من قلة التفاصيل وعلى أمل عدم التفاوت في تفسيرها كما عودنا عليه الإنتهازي أردوغان، فإن نظرة موضوعية لما تم الإتفاق عليه فيما تناهى إلى مسامعنا، فإنها لا تختلف كثيرا عن الإتفاقات السابقة، التي تم بموجبها تحرير حلب والغوطة ودرعا وغيرها من عبث الإرهاب، ولعل ما جاء على لسان الناطق بإسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي في مؤتمر صحافي في طهران “نحن مصممون تماماً على حلّ مسألة إدلب بشكل ألا يعاني السكان وألا يسقط ضحايا”، يصب بنحو ما نحن بصدده، حين لا نغفل عن الثمن الغالي اللذي دفعه محور المقاومة دفاعا عن سورية، من أجل ذلك اليوم المنتظر في تحرير فلسطين.           

وإذا كان اللذي ينتظره كل غيور وحريص على كل قطرة تسيل من دماء شعب وجيش سورية العربي، أن يكون القادم من الأيام فيما بعد إدلب، إنما هو وضع نهاية إلى تلك المؤامرة الكونية، بكل أبعادها التقسيمية والتدميرية والمأساوية، فإن اللذي لا يخفى على أحد أن الأطراف التي أشعلتها، لن يهدأ لها ساكن طالما أن الهزائم ظلت تلاحقها من مكان إلى مكان، وهي تلهث دون أن يتحقق لها أي من أطماعها الإستعمارية!

فهلا لنا أن نتوقع أن يلتزم الخليفة أردوغان الجدية في الكف عن العبث في أمن الجيران، وأن يتحلل من اللعب على الحبال دون رغبة الزعران من آل زايد وإبن سلمان؟! 

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023