طوفان الأقصى…المقا ومة خيار الشرفاء…بقلم حازم عواضي

طوفان الأقصى…المقا ومة خيار الشرفاء…بقلم حازم عواضي

على ملاحم التاريخ نتوقف و لو للحظات و تحت صمود غزة نستظل بالعزة ، وعلى ذكرياتٍ أليمة جمعت بين الظلم و القهر نتحدث، و من صور مجزرة صبرا و شتيلا نستعيدُ تاريخ الصراع بين الدم و السيف ، و من عويل نساءها و صراخ أطفالها نجدد موعد الثأر ، و لكلّ شهداء بيت المقدس نقف إجلالا و إحتراما، و على درب هؤولاء الشرفاء نسير، و لدماءهم الطاهرة والزكيّة نشحن طاقة الوفاء ، و في القضيّة الفلسطينيّة نثبّت إنسانيتنا و للمقاومة نجدد الولاء.
ربما تتمكن السنون أن تمحوا حادثة من الذاكرة ، و يستطيع المستكبرون تزيف التاريخ و الجغرافيا ، و ربما يصنع الإستعمار المتواطئون و يزرعهم في أوطانهم ، و في بعض المواقف يتسابق هؤولاء العبيد لإرضاء أسيادهم و يبدعون في التذلل و الطاعة ، و قد يُدق إسفين التفرقة و يُعملُ على إحياء النعرات الطائفيّة و إثارة العرقيات و القوميّات في الشعوب التي عاشت آلاف السنين متجانسة و متلاحمة، و ربما ينتصرون في جولات و يقتلون الأبرياء و يسفكون الدماء، و تُسلب الإنسانيّة منهم و يستوطنون ، و يُصبح أصحاب الحق و الأرض لاجئون ، لكن يستحيل على هؤولاء أن يقتلوا كل الشعب و أن يزيّفوا كل التاريخ أويدلّسوا كلّ الكتب، ولا تستطيع آليّاتهم العسكريّة قتل ضمير كلّ الأمة أو تخدير وعي كل أفرادها ، و مهما تكاثرت مصائدهم و تعقدت مؤامراتهم و تنوّع غزوهم، فلن يقدروا على فصل الشعوب عن تاريخها و ثقافتها و معتقداتها ، فلكل مرحلة تارخيّة رجالها و لكل معركة مصيرية أبطالها.

طوفان الأقصى 7 أكتوبرمن سنة 2023 يوم من أيام الله فيه ثبّت رجال الله أن يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم ، طفل الإنتفاضة الذي حمل حجرا يواجه به دبابات الإستعمار يعبرالٱن متفوقا بعدما إشتد عوده ليعلن صموده و أنه لا ينسى، و أن أسطورة الجيش الذي لا يقهر طويت فقد أخرجه من الخدمة لمدة سمحت له بتسجيل إنتصارا عسكريا نوعيا أربك به كل المحتل بجيشه و مستوطنيه ، هي حرب عقول غيرت فيها المقاومة الفلسطينية كل قواعد الإشتباك فمرت من إستراتجية الردع إلى المبادرة و المباغة و نجحت في نقل المعارك إلى الداخل الفلسطيني المحتل بعد تعميت قدرات العدو الإستخباراتية و المخابراتية .
هذا الإنجاز العظيم أدخل الكيان الصهيوني في هستيريا الفزع حوّل جيشه إلى مجموعة من القتلة يستهدفون المستشفيات و المدنيين، لتنتقل الصورة الى الجماهير العربية التي خرجت لشّوارع توقظ عزتها النائمة و تستعيد نصرتها للقضية الفلسطينية و منها لسائر شعوب العالم المتضامنة مع أحقية مقاومة المستعمر.
أمام الهمجية الصهيونية و القتل الممنهج الذي تقوم بة آلة الإستعمار الإسرائلية بدعم و تواطئ الحكومات الغربية، بتزوير الحقائق و الكيل بمكيالين، لم تعد القضية الفلسطينية مرتبطة بالإسترداد شعب لأرضه فقط، بل أصبحت تمثل اليوم محك الإنسانية و آلة كشف كذب و النفاق الدولي وهي تدفعنا إلى إعادة النظر في هذه المنظومة الحاكمة منذ الحرب العالمية الثانية بقيادة أمريكا التي أثبت زيفها و إجرامها و تسلطها و عدم إحترامها لأبسط ما تدعيه من حقوق الإنسان و حرية الرأي حيث جنّدت إمبراطوريتها الإعلامية لتّلاعب بعقول الناس و قلب الحقائق و فبركة الأكاذيب لتبرير مساندتها للقتلة و محتلين وتنتهي بتحريك أساطيلها الحربية وعيدا و تهديدا .

عندما نتصفح كتب التاريخ و نقرأ عن ماضي الأمم و الشعوب ، تستوقفنا الصراعات التي في غالبيتها غيّرت مجرى التاريخ و أثبتت أنّ إرادة الشعوب لا تقهر و أن القدر يستجيب لها ، فهناك أقوام تسلّطت على غيرها فالإستعبدتها و أذلّتها، و هناك دول عظيمة إحتلت دول أخرى ، فالإستعمرتها و إستغلّت ثرواتها و إستفادت من خيراتها بشكل أو بآخر، لكن إنطلاقا من نفس هذا التاريخ تُخبرنا تجاربُه عن حقيقة واضحة و جليّة ، تفيد بأنّ كلّ أشكال الإستعمار و الإستعباد كانت على الدوام جزئية ، حيث يندر أن يجد المرء في التاريخ حالة استطاعت فيها الدولة القاهرة من أكل الدولة المقهورة لحماً وجلداً وعظماً،فهناك دائما حدود لِما يستطيع المُستعمِر القاهر فعله بشعب مقهور، مهما أطلق يده في القتل و النهب و السرقة . و هذه الحدود ترسمها التضحية و المقاومة في سبيل التحرر الكامل، فهي السدّ المنيع أمام توغل المستعمر،وهي السلاح الوحيد للبقاء، وهي الثقافة الفاعلة في توريث حب الوطن للأجيال القادمة ، و بها تُضمن الإستمراريّة و و التواصل، و هي النهج الذي تُسترد به الكرامة ،و هي السلاح الذي يبعد شبح الذِلّ و المهانة و هي الثقافة التي تعيد إحياء الثقة بالذات ، و هي التي أيضا تُرسّخ في العقول مفهوم الإنتماء، و هي التي تحوّل الإختلاف تنوعا، و تصقُل الشتات فتجعله لُحمة، و هي العروة الوثقى و هي عنوان العهود و محتوى البنود ، و هي الإختيار الذي لو وَضعوا الشمس على اليمين و القمر على الشمال ما تُرِكَتْ، و هي الصوت الذي يصمُّ آذان الطغاة، و يهزّ عروش المستكبرين، و يمحوا أمال الخائنين ، و هي الشعور الذي يجعلك عزيزا و شريفا أينما حللت، و هي الكلمة التي تُخلّدُك في الحياة و لو فارقت ،و هي الطريق الذي يخلوا من الجبناء و المنافقين ، و هي السبيل الذي نهايته الإنتصار ، فطوبى لمن رفع شعار “هيهات منّا الذلة” و الخزي و العار لمن ركن بين “السِلة و الذِلة “.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023