عندما تتجرّد أمريكا من إنسانيتها…بقلم محمد الرصافي المقداد

عندما تتجرّد أمريكا من إنسانيتها…بقلم محمد الرصافي المقداد

بلا أدنى شك فإن أمريكا في شكلها الحالي، لم تتأسس على قيم حقيقية، فأقصى ما يمكن نسبته إليها أنّها قامت على مغامرين، جاؤوا من أدنى أوروبا، طلبا لمكاسب شخصية، وقد حصلوا عليها بالقوّة من سكان الأرض الأصليين، الذين قُتلوا وانتُهكت حرماتهم بلا شفقة، وأيّ كيان قام على ذلك الأساس من الإجرام، لا يمكن أن يغيّر من سلوكه العدواني، فما بالطبع لا يتطبّع.

 

ولا شكّ أنّ التاريخ المعاصر قد كشف لنا أصول أمريكا الاجرامية، فليس هناك دولة تظاهيها تجاوزا بحق الإنسانية، وهي التي تدّعي حماية حقوقها، وتنادي من على منابر سياسييها، وتروّج لدعوات بحريّة الإنسان وحماية حقوقه المدنية، وتقدّم نفسها كنظام متقدّم في صناعاته وعلومه وتطوّره البنيويّ، كنموذج فريد في عالمنا فاق بقية الدول في هذا المجال.

 

لكنّه واقعا، هناك بين أمريكا وبين ما تدّعيه من قِيَمٍ إنسانية، بوْنٌ شاسع يستحيل التوفيق بينه، حيث نرى تناقضا كبيرا وتنافرا بين الادّعاء والداعي، بدأت أعراضه المرَضيّة من الحرب الأهليّة التي دارت رحاها بين الشمال والجنوب، استمرّت أربع سنوات وذهب ضحيتها أعداد كبيرة من المستعمرين وانتهت إلى اخضاع الرافضين للفيدرالية (1) والى الآن مازالت بعض الولايات تطالب بالإنفصال الطوعي.

 

أمريكا التي تفتأ بتلك العقلية الاستعمارية من حشر نفسها في اعمال عدوانية بدأ من الحرب الكورية والحرب الفييتنامية وحرب أفغانستان والتدخل في العراق وسوريا والصومال، بحيث لم تترك فرصة تتاح لها الا وانتهزتها لتترك وراء كل عدوان آثارا سيئة، ليس هذا فقط فقد اكشفوا وجود مختبرات بيولوجية أمريكية خطيرة في عدد من البلدان الطامعة في مقابل وجودها على أراضيها، تنتج أوبئة جرثومية لصنع قنابل خاصة اشد فتكا من المتفجرات، هذه أمريكا بتطوّرها الصناعي وتقدّمها العالمي، قد سخّرت إمكاناتها في ضرب القيم الإنسانية.

 

وها هي اليوم تكشف عن وجه قبيح بشع، زالت عنه كل البهارج والزينة التي كانت تخفي ملامحها الحقيقية لشعوب العالم، وإلّا فإن أغلب حكومات العالم، مدركة جيّدا من هي أمريكا، وما تختزله من سوء، سياسات مخالفة للحريات كانت نادت بها في المحافل الدولية، وقدّمت نفسها على أساس أنها حامية لها، لكنّها أثبتت بمرور الأيام أنّها مجرّد دعاوى فارغة، متناقضة مع سياساتها الخارجية في احترام حقوق الشعوب، وما يزال لسان حالها سليط على كل من خالف سياساتها، لتتّهمه بانتهاكات وهمية لحقوق الانسان في بلدانه.

 

المدنيّة الأمريكية ظهرت اليوم من خلال قمع المحتجين من الطلبة الأمريكيين في أكثر من خمسين جامعة، أعلنوا معارضتهم لسياسات أمريكا الخاطئة، القاضية بدعم الكيان الصهيوني الغاصب بالأسلحة والذّخائر، في عدوانه على المدنيين الفلسطينيين في غزّة، وهي تعلم حقائق ما يجري على الأرض من انتهاكات صارخة، ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى، بحيث عمّ العدوان القطاع فلم يسلم منه شيء، لا أطباء، ولا طواقم طبية، ولا صحفيين، ولا أطر تدريس، ولا مستشفيات، ولا مدارس، ولا مساجد، ولا بنى تحتية، فكلّ شيء مستهدف بالأسلحة والذخائر الأمريكية.

 

انتفاضة الطلبة في الجامعات الأمريكية، كانت صادمة ومُرْبِكة للبيت الأبيض، ومستفزّة للوبي الصهيوني الحاكم هناك، فاصدروا أوامر بقمعها بقوّة، ودون أي اعتبار لقانون الحريات الذي تدّعيه أمريكا، وتتباهى به أمام العالم في التعبير السلمي المدني، واعتقلت قوات التدخّل خلالها مئات الطلبة، الذين شاركوا في الوقفات الإحتجاجية التي التأمت أمام الجامعات وفي باحاتها، تنديدا لموقف حكومتهم المتواطئ مع الكيان الصهيوني في عدوانه المفرط على المدنيين، لا تزال الاحتجاجات مستمرّ في عدّة جامعات، وتتوسّع إلى أخرى، في وقت يقول طلاب محتجون في جامعات عدّة أنهم يتعرّضون للتهديد باستدعاء الشرطة، إذا لم يفضّوا احتجاجاتهم للمطالبة بوقف الدعم الأمريكي لإسرائيل في حربها في غزّة (2)

 

افتضاح أمريكا لم يعد مهمّا لحكوماتها المتعاقبة، فجميعها كانت ذات طابع استكباري شيطاني عدواني، لا يرى لشعوب العالم حقّا، غير الذي يمُنّ به البيت الأبيض عليهم، وبالتالي ما يمنّ به اللوبي الصهيوني الحاكم الفعلي من ورائه، وهذا ما رفضته عدّة دول بشعوبها الحرّة العزيزة، التي لا تقبل الذلّ بأي شكل كان، فدول مثل الصين وكوبا وايران وفنزويلا وجنوب افريقيا ونيكاراغوا وكولمبيا، والقائمة تتوسّع، كما تتوسّع اليوم تظاهرات الطلبة في الجامعات الأمريكية، وعليه نقول أن افتضاح أمريكا بسياساتها التمييزية العنصرية لن يقف عند هذا الحد المحدود من المحتجين والمعادين، بل سيتواصل صعودا، وستكبر كرة المعارضة للسياسة الأمريكية الداخلية والخارجية على حدّ سواء، كما تكبر كرة الثلج التي تتدحرج من الأعلى إلى الأسفل.

 

بالنتيجة، من المتوقع أن تُرْغم الإدارة الأمريكية على النزول عند رغبة متظاهريها، في الإستجابة لمطالبهم الإنسانية المشروعة، وبالتالي مطالب شعوب العالم التي تضررت من سياساتها العدوانية، هذا متوقع وتعديل مسار سياسي عقلائي، إذا أرادت هذه الإدارة الحفاظ على وحدة فيدراليتها، مراجعة سياساتها التعسّفية، وقد أصبح أمرا لازما في ظل استمرار تعنّتها، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، مما بقي لأمريكا من تعقّل وتصرّف إنساني، أكله التوحّش الشيطاني، الكامن في داخل التركيبة السياسية الأمريكية، ولقد أحسن الإمام الخميني وأجاد بتسميته أمريكا الشيطان الأكبر، فما فعلته امريكا إلى اليوم كان عن سابق إصرار، قد يتبرّأ شيطان الجنّ منه، ويتنصّل من تبعاته، وما هو سوى شريك ثان للشيطان الأمريكي.

 

المراجع

 

1 – الحرب الأهلية الأمريكية

 

الحرب الاهلية الامريكيه – ويكيبيديا (wikipedia.org)

 

2 – حرب غزة: فضّ الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية – ماذا تقول قوانين البلاد؟ – BBC News عربي

 

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023