عندما يستنفر الغرب من أجل شخص ولا يأبه لشعب

بقلم: محمد الرصافي المقداد

من مفارقات هذا الزمن البائس، وأهله الهيامى على وجوههم تحت تأثير الاعلام الصهيوني، قد تقاذفتهم منه أهواء العابثين، أن تقوم الدنيا – وهي الدنيا التي يحركها الغرب عادة –  فيقام وزن لشخص ويعطى له اعتبار، لتدلي كل وسيلة اعلامية عالمية او محلّية بدلوها من أجل معرفة مصير اختفائه، بعد دخوله قنصلية بلاده في استنبول التركية، وهي حال جمال أحمد حمزة خاشقجي (13/10/1959//2/10/2018)، الصحفي والإعلامي السعودي، المدافع عن انتهاكات بلاده في سوريا والعراق واليمن والبحرين، والذي يرى في ايران ومحور مقاومتها للاستكبار العالمي، وقاعدته المتقدمة في منطقتنا اسرائيل، أعداء ألدّاء تجب محاربهم بلا هوادة، وبكل الطرق المتاحة.

وفي المقابل، تلوذ الدول والشخصيات السياسية ذاتها بالصمت، إزاء ما يحصل من انتهاكات جماعية بحق دول وشعوب بعينها، فلا يقام وزن لمظلومية الشعب اليمني ومعاناته اليومية، من جرّاء العدوان الذي يتعرض له منذ ثلاث سنوات ونصف، من قوى التحالف الاعرابي الامريكي الصهيوني، والذي يخلّف في كل غارة ضحايا كثر، يستوي فيها مصير الاطفال والنساء والشيوخ، مع ذوي الإحتياجات والمرضى والجرحى بالمستشفيات، المستهدفة هي مع بقية المرافق المدنية في المدن والقرى اليمنية، هذا واعداد الضحايا موثقة لدى المنظمات الحقوقية الغير حكومية، وبالاطلاع عليها تتعالى صرخات من بقي فيه ضمير في هذا العالم، بأن الشعب اليمني قد دخل منذ مدة، في دائرة المجاعة والوباء، وأصبحت مخاطرهما القاتلة، تشمل ما يربو على 17 مليون يمني، انقطع عنهم الغذاء والدواء، وحتى الماء الصالح للشراب، بمفعول الحصار الجائر الخانق، الذي تفرضه قوى العدوان السعودي والاماراتي وحلفائهما، برا وبحرا وجوا، من أجل اخضاع وتركيع أهلنا في اليمن، ووضعهم تحت مشيئة القوى الغربية والصهيونية، التي تسعى بواسطة عملائها في المنطقة، الى السيطرة على باب المندب الاستراتيجي خدمة لمصالحها.

عار على أدعياء حماية حقوق الانسان أن ينكبّوا كالذباب على قضية شخص – لا اقول بلا أهمية مع وجود ما هو أهمّ منه – ولا يؤبه الى المعاناة اليومية للشعب اليمني المظلوم، وخسائره المدنية الفادحة، التي يسفر عليها العدوان الممنهج عليه، والتي تعدّ ضمن جرائم الحرب التي تنصّ عليها المعاهدات الدولية التي اقرتها الجمعية سنة 1946 بعد ضمها اتفاقيات لاهاي لسنة 1899 ، وسنة 1907،وميثاق محكمة نورمبرگNuremberg العسكرية الدولية  لسنة1945 ومعاهدة فرساي لعام 1919، واتفاق لندن لعام1945م، واتفاقيات جينيف لعام 1949.

ويزداد قبح وجه الغرب كل يوم، بانكشاف مدى تناقض دعواته، التي يطلقها رنانة بدعاوى حقوق الانسان، ثم سرعان ما يناقضها بدوسه عليها، وفي أخف الحالات وطأة، سكوته عما يرتكب من جرائم بحق الانسانية في مناطق مختلفة من العالم، وأغلبها تنفّذ بإيعاز منه وبوسائله التي مكنها لعملائه..

خاشقجي لم تشفع له مواقفه الداعمة لعدوانية نظامه السعودي، ولا اخذت بعين الاعتبار لدى ولي العهد الذي قرر التخلّص منه بأنكى من الاسلوب الاجرامي الوهابي الداعشي، ويبدو أن سرّا ما كان وراء اتخاذ قرار تصفيته، ببشاعة نظام شهد له العالم بالسوء والتاريخ الأسود الذي يره في غيره.

عجب أن يستنفر العالم الغربي ومن ورائه اتباعه من أجل اختفاء ومقتل شخص داخل قنصلية بلاده تقطيعا بالمناشير اربا إربا، ولا يقام وزن لشعب يمني بأكمله، استهدفته قوى العمالة في المنطقة، تنفيذا لمخطط غربي صهيوني، يريد أن يحول بين التحوّل الثوري لشعب، قرر أن يخرج من دائرة التبعية والخضوع، الى دائرة الاستقلال والحرية والعزة والكرامة، رافعا شعار  التحدّي لأعداء الاسلام، معلنا بكل وضوح موقفه المعادي لهم.

وباعتبار حالة النفاق السياسي، التي عرفت بها انظمة واحزاب كثيرة، في عالمنا العربي والاسلامي، فإن صمتها اليوم – بعد تنديدها سابقا على الردّ الذي قامت به قوات الجيش اليمني بقصف العاصمة الرياض ومجاراة الرواية السعودية الكاذبة باستهداف مكة استدرارا لعواطف المسلمين- يعتبر في باب بيع الذمة وإماتة الضمير، بالسكوت عن انتهاكات قوى العدوان المجتمعة على العبث باليمن، أرضا وشعبا ومقدرات ومستقبلا.

ويبدو أن جذوة جريمة قتل خاشقجي قد بدأت بالخمود، والتسويات التي قام بها النظام السعودي كفيلة بانهاء توقدها في عالم السياسة الاعلام نهائيا، وأكباش الفداء حاضرة لطيّها، مع ما أتاحه هذا النظام لشراء سكوت الدول المستنكرة للجريمة، وما استنكارها الا لأجل نيل نصيب غير مفروض من الحادثة، التي عادة ما يحسن استغلالها عالم النفاق السياسي الغربي، في ظل نظام متخلّف أحمق وأرعن، في تصرفاته المتخلّفة عن ركب الحضارة.

لقد وجد لخاشقجي من يتبنى قضية اختفائها ومقتله على الأرجح وبالطريقة البشعة التي رجحها الأمن والمخابرات التركيين، ولم يوجد من أنظمة العرب من يتبنى قضية الشعب اليمني، بل وجد منهم من تطوّع شرّا، بانخراطه في سلك قوى العدوان، مقابل أموال وعروض اقتصادية سعودية وإمراتية لتلك الدول، بما يعطي دليلا واضحا، على أن القيم الدينية والانسانية لم يعد لها اعتبار، في عالم المادة الطاغية اليوم، الذي وصل بدوله الأمر الى اسقاط المبادئ، وبيع الذمم والضمائر، واماتة الكرامة والوطنية، بالخضوع لهوى دول سافرة في بغيها وعدوانها، لا يشك في تخلّفها، الا من امتدّت أياديه الآثمة لنيل ما أفاضته عليها.

قضية خاشقجي سوف تطوى بما يفي بحسابات دول الغرب المادّية، وهو بحد ذاته لا وزن له عندهم في واقع الأمر، وانما استغلت من الباب الذي يدخل منه الغرب عادة للحصول على منافع له، لتبقى قضية الشعب اليمني عالقة في عالم فقد الانسانية، وانخرط في عالم التوحّش من أجل مصلحة أسياده، على أنّه بعزيمة أحرار اليمن وإيمانهم الخالص بالله وثقتهم في أنه معهم ولسوف ينصرهم ولو بعد حين، يبقى هذا الامل بمقداره الكبير قائما، الى ان تنتكس اعلام العدوان، وترتفع شارة النًّصر في أرجاء اليمن السعيد، الذي يرفض دوما أن يكون تعيسا برجاله واحراره.                

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023