أبعد من ضربة الحرس الثوري الإيراني لموقع استخباراتي للموساد في كردستان العراق…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

أبعد من ضربة الحرس الثوري الإيراني لموقع استخباراتي للموساد في كردستان العراق…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

بدقة عالية ومتناهية وبجرأة وتوقيت فيه نوع من التحدي قام الحرس الثوري الايران بضرب مركز استراتيجي تجسسي للموساد الإسرائيلي في اربيل في كردستان العراق وفشلت محاولات زج الأمريكي في المواجهة في هذا الحدث فالبيت الأبيض صرح بانه لم يقتل أي جندي او مدني امريكي ولم تتعرض اية منشأة أمريكية في هذا القصف. وصمت الكيان الصهيوني سواء قياداته السياسية او العسكرية او الاستخباراتية صمت القبور. ولا نعتقد ان يصدر أي تصريح رسمي بهذا الخصوص فقد عودتنا القيادة في الكيان الصمت على خسائرها في احداث مشابهة. وهذه ليست المرة الأولى الذي يقوم بها الحرس الثوري الإيراني بضرب مواقع للاستخبارات الصهيونية في كردستان العراق فلقد سبق وان قتل أحد عناصر الموساد الاسرائيلي اللذين خططوا لاغتيال الجنرال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس عام 2020 من قبل القوات الامريكية المتواجدة في الأراضي العراقية وذلك بتحريض واضح من الكيان الصهيوني.

هذه الضربة أتت لترسل اكثر من رسالة ولعدة اطراف وبالتحديد الى الكيان الصهيوني والولايات المتحدة والى ليس المطبعين كما يسميهم البعض بل المتهالكين واللذين أصبحت عاصمة الكيان الصهيوني كعبتهم المستبدلة بالبيت الأبيض واللذين فتحوا أجواء بلادهم واراضيها ومؤسساتها واقتصادها وسيادتها للعدو الصهيوني على أمل ان يقوم بحمايتهم بدلا من الأمريكي الذي يريد زج الكيان الصهيوني في النسيج الاقتصادي والسياسي والثقافي والاجتماعي في المنطقة وتقبله من قبل الجماهير الواسعة على امتداد الوطن العربي كأمر واقع ومهيمن ومتحكم في المنطقة لان الأمريكي يريد التركيز على التحدي الأكبر من القوى الصاعدة على الساحة العالمية وعلى وجه التحديد الصين وروسيا.

ما يفعله الكيان الصهيوني في المنطقة ونظرته الاستراتيجية لا يختلف البتة عما تفعله الولايات المتحدة على الساحة الدولية ككل. ولا نريد هنا الكتابة بشكل مطول، ولكن لا بد من الإشارة الى بعض النقاط للتوضيح.

أولا: الولايات المتحدة سعت وتسعى ومنذ انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك جمهوريات المنظومة الاشتراكية الى تطويق روسيا الاتحادية واحتوائها وذلك بضم جمهورياته المحيطة جغرافيا بروسيا الاتحادية بحلف الناتو. وبنفس النمط والسير على نفس الخطى يسعى الكيان الصهيوني الى الزحف وتمدد نفوذه في المنطقة وخاصة في الدول المحيطة والمحاذية لإيران في محاولة لتطويقها سواء بإقامة قواعد عسكرية في هذه الدول تحت ستار معاهدات واتفاقيات أمنية وأحلاف استراتيجية أو إقامة مراكز تجسس على أراضيها.

ثانيا: الولايات المتحدة تضع مبررات تدخلها العسكري المباشر او غير مباشر بإقامة التحالفات العسكرية والقواعد والمعاهدات الأمنية والاستخباراتية في أي بقعة في العالم على انها ضرورية للحفاظ على الامن القومي الأمريكي. وبنفس المنطق يبرر الكيان الصهيوني عدوانه المستمر وتمدده في المنطقة امنيا واقتصادي وعسكريا على انه ضروري لأمنه القومي. ولا ننسى ان كل ما فعله ويفعله من الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967 وممارسة عمليات التطهير العرقي والتهجير والاستيلاء بالقوة على بيوت العائلات الفلسطينية وبناء جدار الفصل العنصري …الخ من الممارسات القمعية ذات طابع التمييز العنصري وفرض نظام الاباراتهايد على الشعب الفلسطيني كله يندرج تحت غطاء “الامن القومي” لهذا الكيان.

ثالثا: الولايات المتحدة ومنذ انهيار الاتحاد السوفياتي في بداية تسعينات القرن الماضي رسمت نفسها على انها القوة الوحيدة في العالم القادرة على فعل أي شيء ولا تقبل ولن تقبل لاي دولة او تجمع ليس فقط فيما تسميهم بمحور الأعداء، بل وأيضا في محور الحلفاء والأصدقاء ان ينمو الى الحد الذي يستطيع من خلاله ان ينافس الولايات المتحدة في أي مجال من المجالات التي يمكنها ان تهدد المكانة التي رسمتها الولايات المتحدة لنفسها في العالم. العالم يجب ان يكون عبدا للمصالح والاملاءات الامريكية والعصا لمن عصا.

وعلى هذا المنحى يسير الكيان الصهيوني في المنطقة بدعم كامل وشبه مطلق من قبل كل الإدارات الامريكية على حد سواء وبغض النظر من هو المتواجد في البيت الأبيض. الدور المنوط لهذا الكيان والذي يسعى له ان يكون هو المهيمن والمسيطر على المنطقة اقتصاديا من خلال نهب الثروات في مقابل تقديم خدمات امنية للملوك والامراء خاصة في الدول الخليجية وربط بعض الدول باتفاقيات استراتيجية فيما يخص الامن الغذائي والمائي والطاقة على وجه التحديد بشكل يجعلها دول تابعة فاقدة السيادة بحكم هذه الاتفاقيات. والى جانب ذلك يسعى الى تطويق الدول التي ترفض الانصياع لهذه السياسة بشتى السبل وعلى راسها إيران التي يرى فيها الكيان الصهيوني انها تشكل خطرا وجوديا هي وحلفائها في المنطقة عليه. ومن هنا نرى ان هذا الكيان لا يتوانى اية لحظة وينتهز كل فرصة لإلحاق الأذى بها سواء بعمليات اغتيال للعلماء وخاصة العاملين في مجال برنامجها النووي او الصواريخ البالستية الى جانب محاولات زعزعة استقرارها في الداخل او تأليب الراي العام العالمي وخاصة الغربي منه عليها او الوقوف ضد توقيع الاتفاق النووي معها وتحريض أمريكا على وجه التحديد بعدم الرجوع الى الاتفاق النووي والضغط على الدول الأوروبية وامريكا لوضع قيود اكثر صرامة في المفاوضات وإدخال برنامج الصواريخ الباليستية العالية الدقة على طاولة المفاوضات هذا الى جانب الغارات التي تشنها بشكل متكرر على سوريا على مواقع يتواجد بها ضباط ومستشارين عسكريين إيرانيين والقائمة تطول وكل هذا انما تقوم به في محاولات للاستفراد في المنطقة والهيمنة عليها كما تفعل أمريكا بالضبط على الساحة العالمية.

 ولكن هذا كما هو الحال بالنسبة لأمريكا لن يكون فقد مضى عهد الهزائم منذ فترة طويلة فهنالك قوى مقاومة في المنطقة أصبحت قادرة على تثبيت معادلات ردع عسكرية على الأرض وهذا ما يقض مضاجع الدوائر السياسية والعسكرية والاستخباراتية في داخل الكيان الغاصب.

كاتب وباحث أكاديمي فلسطيني

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023