أردوغان ربحَ وخسرَ … وفتحَ قبره بيديه… بقلم: المهندس ميشيل كلاغاصي

أردوغان ربحَ وخسرَ … وفتحَ قبره بيديه… بقلم: المهندس ميشيل كلاغاصي

مقدمة … انتخبوه لسنوات وانفضوا عنه اليوم، اعتبرها انتخابات مصيرية فشحذ همم الاّخرين وخسر … لطالما نجح بالتزوير واليوم يتهم الفائزين بالتزوير … هدد المعارضة واتهمها بالإرهاب …

وظف الدين واستغل المساجد والماّذن للدعاية … جعل نفسه ديكتاتورا ً فتراجع النمو والإقتصاد وبلاد تنتظر الأزمة الكبرى … قضى على الحريات والديمقراطية … استعمل الأخونة لإحياء العثمنة … أراد منافسة أتاتورك وإعتلاء الصدارة فإعتمد الإرهاب والعدوان … ربح وخسر وفتح قبره بكلتا بيديه.

على تركةِ وأنقاضِ العديد من الأحزاب الإسلامية كالفضيلة والرفاه والسعادة، شكل رجب طيب أردوغان مع مجموعة من المنشقين كعبد الله غول وبولند أجاويد وداود أوغلوا, حزب العدالة والتنمية عام 2001, وانخرطوا بقوة في الحياة السياسية, واقتحموا الإنتخابات البرلمانية في العام 2002 وحققوا مفاجئة ً مدوية, منحت الحزب الجديد – القديم فرصة تشكيل الحكومة بمفرده, بعدما تمكن من كسر ظاهرة الحكومات الإئتلافية التي تعاقبت على تشكيلها مجموعة الأحزاب الفائزة بالإنتخابات السابقة لسنوات طويلة … وتابع الحزب مسيرته واندفاعته القوية واكتسح لأكثر من خمسة عشر عاما ً كافة الإنتخابات المحلية والبرلمانية والرئاسية.

أردوغان وحزبه وعقدٌ من النجاحات …

وقد تمكن حزب العدالة والتنمية خلال العقد الأول لحكمه من تحقيق نجاحات وإنجازاتٍ إقتصادية هامة، نقلت تركيا إلى مصافي الدول الصاعدة، ثم التحقت بمجموعة دول ال 20 لأكبر الإقتصادات في العالم، وارتقى إقتصادها على سلم الترتيب العالمي إلى مراكز متقدمة.

ونتيجة ً لذلك نال ثقة الناخبين، وفاز بأصوات تعدت حزب العدالة والتنمية، وصوّت له بعض العلمانيون والقوميون والأكراد اللذين خصهم بسياسةٍ إنفتاحية، وسمح لهم بتدريس اللغة الكردية وببعض الصحف والمحطات الفضائية، واهتم بالبنى التحتية في مناطقهم وفي عموم الجنوب الشرقي لتركيا، الأمر الذي زاد من شعبيته ومن تدفق عديد أصواتهم لصناديق حزب العدالة والتنمية في كافة الإنتخابات.

أردوغان وحزبه والعدّ التنازلي ….

مع إنخراط أردوغان وحزبه في عواصف “الربيع العربي”، والمنافسة الكبيرة على زعامة العالم العربي والإسلامي في المنطقة، والإنخراط الكلي في خدمة المشروع الأمريكي، انتقلت تركيا من سياسة “صفر مشاكل” إلى مواجهة مشاكل كبرى في الداخل التركي، ومع كافة دول الجوار والإقليم والعالم،

فتوقفت الإنجازات الإقتصادية, وبدأت البلاد تدخل رويدا ً رويدا ً النفق المظلم, بالتوازي مع ظهور نتائج سوء إدارة الرئيس أردوغان, وبتدخله الكبير في الأمور الإقتصادية وبسعر الفائدة والصرف, ويتعيين صهره وزيرا ً للمالية, وبالصدامات العنيفة مع حاكم مصرف تركيا المركزي, أمورٌ دفعت نحو تصاعد الأزمة الإقتصادية والتي انعكست مباشرة ًعلى سعر صرف الليرة التركية, صاحبها ارتفاع نسب التضخم والبطالة وهروب رؤوس الأموال, وارتفعت معها أسعار السلع الأساسية التي تتعلق بالحياة اليومية للمواطن التركي, مما تسبب بزيادة الضغوط على الإقتصاد التركي, وانعكس غضب الشارع وتُرجم في صناديق الإقتراع, وانتهت الإنتخابات برسالةٍ تؤكد ضرورة رحيل حزب العدالة والتنمية, وعودة الحديث عن الوجوه السياسية الجديدة.

بالإضافة إلى ذلك … ساعد إنتشار الفساد المتفشي في صفوف كوادر حزب التنمية والعدالة في البلديات والوزارات، وامتد لينخر كافة مفاصل السلطات التنفيذية والقضائية، مع تضاعف القمع وكم الأفواه وغياب الديمقراطية، وازدياد عدد السجناء من الضباط والمثقفين والصحفيين بشكل فظيع، خصوصا ً بعد فشل الإنقلاب في العام 2016 … أمورٌ ضاعفت رغبة الشارع في التغيير، وانفض عنه عدد كبير ممن دعموا أردوغان وحزبه، وتحول الصوت الكردي إلى صناديق حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، ولحزب الشعب الجمهوري العمود الفقري للمعارضة.

نتائج الإنتخابات وماذا تعني ….

فاز حزب العدالة وخسر باّنٍ واحد … كيف؟، فقد نال التحالف الذي دخل به حزب العدالة والتنمية الإنتخابات ما يعادل 51%، لكنه سجل تراجعا ً كبيرا ًعلى مستوى الحزب بحوالي 7% بالمقارنة مع الإنتخابات الماضية، ونال عددا ً أقل من الأصوات وبالتالي حصل على عدد أقل من مقاعد البلديات.

فمن المعروف أن في تركيا /81/ بلدية ولكن يبقى أهمها بلديات المحافظات والمدن الكبرى، كإسطنبول وأنقرة وأنطالية وبورصة وديار بكر وهاتاي … ومن المهم معرفة أن سيطرة أردوغان على بلدية إسطنبول التي استمرت من عام 1994 – 2019 قد انتهت اليوم، وهذا ينطبق على ما حصل في أنقرة وانطالية وهاتاي وديار بكر، فيما بقيت إزمير بحوزة حزب الشعب الجمهوري … ويمكن إعتبار أن ما حصل بحد ذاته يشكل هزيمة ً وضربةً صاعقة لأردوغان وحزبه، خاصة ً أنها مدن وبلديات أساسية وتشكل الثقل والعمق الديموغرافي والإقتصادي والتجاري في تركيا، وعليه فقد خسر العصب الأساسي وشريان الحياة السياسية والإقتصادية معا ً.

لماذا وقفوا معه، وانفضوا عنه! ...

بإمكاننا اليوم وبعد ثلاثة سنوات على الإنقلاب، أن نؤكد أن الشارع التركي وقف إلى جانب أردوغان لأنه رفض طريقة خروجه من الحكم، على الرغم من سوء أدائه ومجمل أدواره السلبية في الداخل والخارج، وجنوحه نحو الإستئثار بالسلطة وجنون العظمة الذي أصابه ودفعه لإستغلال إمكانات الدولة التركية لخدمة مشروعه الشخصي ورغبته في الإستمرار بالسلطة حتى العام 2023، وأرادوا تأكيد تمسكهم بالديمقراطية كطريقة وحيدة لتداول السلطة، عبر صناديق الإقتراع.

يبدو أن أدروغان استشعر الخطر، وقرأ المشهد الشعبي بوضوحٍ تام، وقرأ الإنشقاقات في صفوف حزبه وإتجاه بعضهم نحو المعارضة، لذلك اعتبر الانتخابات المحلية “مصيرية ووجودية”، ودفع بكبار كوادر حزب العدالة والتنمية من وزراء سابقين ودفع برئيس البرلمان ورئيس مجلس الوزراء ليخوض المعركة أمام شاب من حزب الشعب الجمهوري ومع ذلك خسر بلدية إسطنبول وغيرها، ولم يكتف بذلك فقد هدد مرشحي المعارضة واتهمهم بالإرهاب وتوعدهم والناخبين بدفع الثمن! .

واستعمل الدين ووظفه لصالحه في الإنتخابات، واستغل المساجد والماّذن للدعاية الإنتخابية، ووعد بتحويل اّيا صوفيا من متحف إلى مسجدٍ يفتح أبوابه للمصلين، واستعملت كوادره دخول “الجنة” كوعدٍ إنتخابي … ومع ذلك خسر أدوغان وحزبه، في أهم المدن ولم تفلح محاولاته بالإحتفاظ بمن صوتوا له في السابق … الأمر الذي يؤكد أفول حزب العدالة والتنمية وزعيمه، وأنه اّن الأوان للتغير …. ويؤكد ما أشيع عن محاولة بعض الشخصيات الكبرى كداود أوغلو تشكيل حزب جديد كبديل عن حزب العدالة والتنمية.

من الواضح أن النجاح (الفاشل) الذي حققه أردوغان وحزبه في هذه الانتخابات, لا يعدو أكثر من دلالة ومؤشر هام لما هو اّت, ولن تسعف السنوات الأربع القادمة بوقف إنهيار تجربة الحالم أردوغان بتحويل تركيا إلى النموذج العثماني الجديد, وبأن يصبح “الخليفة”, فالشارع التركي دعمه طيلة هذه السنوات لأنه حاول أن يقدم تركيا كنموذج إسلامي معتدل ديمقراطي يقبل الاّخر وتقبله دول العالم والدول الأوروبية خصوصا ً, لكنه أخطأ بتوجهاته العثمانية وبتسلطه واستبداده, وعليه دفعُ الثمن, وقد يدفعه هذا للدخول في انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة وقبل العام 2023.

خلاصة … فحلمه في أن يشارك كمال أتاتورك خلوده في ذاكرة الأتراك بات أمرا ً صعبا ً أو مستحيلا ً, وتجربته تسير نحو الإنهيار, بعد تصدع أساسها الإقتصادي داخليا ً, وبالعقوبات الأمريكية القادمة بفضل محاولاته الحصول على منظومة ال S400 الروسية, وتصدع أساسها السياسي بعد قضائه على الديمقراطية عبر القمع والإستبداد والتفرد, وتصدع أساسها الأمني نتيجة إعتماده على الإرهاب, وعلى تنظيمي داعش والنصرة الإرهابيان , وعلى ما يسمى بالجيش الحر المصنف هو الاّخر تنظيما ً إرهابيا ً, وتدخله السافر في شؤون الدول المجاورة كسورية والعراق … مع ارتفاع إحتمالية زج بلاده في معارك كبرى وأكثر خطورة لخدمة المشروع الأمريكي بغية إعادة تعويم نفسه وحزبه ثانية ً, خلال السنوات الأربع المتبقية من حكمه.

 

 

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023