أزمة تونس..الوباء..والغباء..وقلّة الحياء!!…بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

أزمة تونس..الوباء..والغباء..وقلّة الحياء!!…بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

الأزمة السياسية في تونس هي التي عمقت التدهور الاقتصادي والاجتماعي و الصحي، هذه الأزمة تعمقت بمسائل متكررة لم تتعظ منها الطبقة السياسية، التناحر على الصلاحيات و المعارك الجانبية ، هما من بين أسباب تدهور دواليب الدولة بحيث أن الفشل غير مرتبط بالأزمة الصحية الحالية فحسب بل له أسباب عميقة وهيكلية، فهل المشكل في تونس بعد الثورة في المنظــــومة السياسية و الإجتماعية أم هو مشكل نظام سياسي أظهـــر عجزه عن إدارة شؤون البلاد والدّولة؟

إن قواعد اللعبة السياسية التي حكمت المشهد السياسي في تونس ، والتي صاغها فواعل العملية السياسية منذ 2014 ، تهدد كل من يحاول العبث بها أو تغييرها، الوضع اليوم هو نتيجة تخريب منظم تم منذ سنة 2011 وكان مظهره الأكثر كثافة وشدة هو دستور 2014 الذي سمح بتفكيك الدولة وتحويل السلطة إلى نظام سياسي هجين لا ينتج شرعية مكتملة ولا نجاعة فيه وذلك بأن تولى تقسيم وتوزيع الصلاحيات بين رئاستي الجمهورية والحكومة وصلاحيات البرلمان مما أدى إلى حالة دائمة من التنازع على الصلاحيات ، الوضع في تونس ما زال صعباً وفي غاية التعقيد، وليست هنالك آفاق حقيقية لتغييره وإصلاحه، مما يتطلب إعادة صياغة جذرية للمعادلة السياسية القائمة حالياً، وأول الخطوات الضرورية للحل الجذري، هي محاولة تغيير النظام السياسي ، فحين نتأمل عمق الأزمة يتبين لنا أن النظام السياسي القائم ما بعد الثورة ، هو النظام البرلماني المعدل، وهو الذي أسس له الدستور الجديد، وهذا النظام السياسي الذي اختارته الطبقة السياسية، هو نظام قابل للنقد ولمعاودة النظر ، و قد إتضح أن النظام السياسي الحالي ، الذي كرّسه دستور 2014، هو المتسبب الرئيسي في الأزمة، التي تشهدها تونس حاليا، حيث تتوزع وفقه السلطة التنفيذية بين طرفين، رئيسيْ الجمهورية والحكومة، مع صلاحيات أوسع للثاني، ، فهو ليس نظامًا برلمانيًا ولا نظاماً رئاسياً قائماً على الفصل بين السلطات، كما في الأنظمة البرلمانية و الأنظمة الرئاسية التي تقوم على الفصل بين السلطتين، التنفيذية والتشريعية، هذا الوضع المتردّي اقتصاديا واجتماعيا و صحيا عمّق من هشاشة النظام السياسي و عدم قــدرته على إيجاد حلـول اجتماعية واقتصادية ممّا عمّق الجدل والصّراع السياسي في مؤسسات الدولة .. فكان من نتائج ذلك هذا المشهــــــد السياسي المأزوم..

الأزمة التي تعيشها تونس هذه الأيام، أزمة حكم بإمتياز ،، اقتسام السلطة السياسية على قاعدة المحاصصة بين أحزاب متحالفة قد أدى إلى تشكيل حكومات ضعيفة و مسلوبة الإرادة نتيجة ما فرضته الحسابات السياسوية الضيقة ، تلك الحكومات سرعان ما تسقط دون أن تقدر على إنفاذ مشاريعها، لأن رئيس الحكومة لا يمكن أن يكون سوى كبير للموظفين خاضع لنفوذ الأحزاب المتحالفة… التوافق المغشوش بمنطق الغنيمة و تقاسم النفوذ و المحاصصة على قاعدة الولاء والنفاق السياسي والانتهازية اللّا أخلاقية ليست سوى حيلة سياسية.. وقد اتضح بعد مُراكمة التجارب أن هذا النظام السياسي الحالي هو سبب الأزمة، وهو يحتاج إلى إصلاحات عميقة..

في الوقت الذي تكون فيها البلاد و شعبها، أكثر من أي وقت مضى إلى الدعم و الإستقرار و في الوقت الذي تسجل فيه تونس أرقاما قياسية جديدة من حيث عدد الإصابات بفيروس كورونا ، يبدو أن النخبة التونسية “خاصة النخب الحاكمة” غير معنية بهذا الوضع الوبائي، أو على الأقل لا تعتبره أولوية قصوى ضمن صراعاتها و رهاناتها الحالية، رغم المأساة التي يعيشها التونسيين ، حركة النهضة تبتز الحكومة و تطالب بصرف التعويضات لأنصارها في الوقت الذي يصارع فيه التونسيين الوباء، و في وقت تتساقط فيه أرواح التونسيين بالآلاف.. ويستغيث الناس مطالبين بأجهزة الأكسيجين و اللقاحات التي عجزت الحكومة التي تتحكم فيها النهضة عن توفيرها، ما تطالب به النهضة في هذا الوقت بالذات هي عملية سطو ممنهجة على أموال الدولة لترضية قواعدها وتحقيق منافع حزبية ضيّقة على حساب مصلحة البلاد و العباد و هذا الظرف الحرج الذي تمر به البلاد لا يسمح بذلك، كان من الأجدر على النهضة الإنكباب على البحث عن حلول تهم البلاد بدل الهروب إلى الأمام و التعامل مع الدولة و الحكم بمنطق الغنيمة.. إنهم يطالبون بصندوق الكرامة و الشعب الزوّالي في صناديق الموت..المطالبة بالتعويضات في هذا الظرف الإستثنائي و في الوقت الذي تتسوّل فيه الدولة و في الوقت الذي يموت فيه الشعب تعتبر سقطة أخلاقية و سياسية لا مثيل لها، و رغم الانهيار الحاصل، هذه المنظومة السياسية الساقطة أخلاقياً و سياسياً لا تريد وضع حلول للأزمات، و لا يهمها سوى الاستحواذ على غنائمها والبقاء فيها وتوظيفها لخدمة المصالح الخاصة والفئوية..و الشعب يصارع بمفدره الوباء و الغباء و قلّة الحياء..

تونس اليوم مريضة و الطبقة السياسية التي تحكم و تُدير البلاد والمشهد السياسي الحالي هي أسوء طبقة في تاريخ تونس، طبقة فاشلة لا برامج لها لبناء تونس و إنقاذها من المجهول ولا رؤية لها لمستقبل البلاد ولا حلول عملية لها للخروج من الأزمات ، فهي فقط تجر البلاد لمعارك سياسوية بلا برامج وبدون أفق.. فقد أثبتت إجراءات الحكومة في إدارة الأزمات أننا أمام سياسات فاشلة لم تزد الوضعين الصحي والاقتصادي إلاّ تأزماً.. و هناك حالة من الفشل في إدارة الشأن السياسي والعام في تونس و الشعب كره هذا الأداء السياسي الفاشل و العاجز الذي لا يكترث لمعاناة الناس، و على الحكومة و حزامها البرلماني تحمّل مسؤوليتهم السياسية والجزائية والأخلاقية أمام الشعب التونسي، لأنهم فشلوا في إدارة الشأن العام وفي مواجهة الأزمة الصحية والأزمة الاقتصادية والإجتماعية.. و الدولة عجزت عن تقدير التكلفة الحقيقية للأزمة، وهو ما جعلها تتخبط في مستنقعها، ما أصبح يهدد كيانها بالنظر إلى الفوضى السياسية السائدة حالياً التي لم تنتهي ولا أفق لنهايتها بل نرى أزمة سياسية حادة و عميقة منذرة بإنهيار خطير ووشيك..

المنظومة السياسية غارقة في وباء الأنانية والمحاصصة، و الحوار مع نفس المنظومة الفاشلة والمفلسة التي لم تنتج طيلة حكمها لعشر سنوات إلا الخراب والفقر ومزيد من التهميش و المعاناة، بمثابة إعادة إنتاج و تدوير منظومة الحكم الفاشلة في البلاد ولا يمكن أن يخدم مصلحة تونس وهو فقط يمنح جرعة جديدة من الأكسجين لهذه المنظومة السياسية التي أثبتت إفلاسها وخورها وعجزها..فالمنظومة السياسية التي تقوم على أساس تحالف مقدس بين المحاصصة الحزبية و التوافق المغشوش ، فهي لا تنتج إلاّ الفاسدين ولا تأتي إلى سدة الحكم إلاّ بالفاشلين.،هذه المنظـــومة التي بقيت متحكّمة بعد الثورة واصلت إنتهاج أساليب الممارسة السياسية القائمة على إعادة تفكيك بنية المجتمع وحماية الفساد وسيطرة الولاء للحزب على المصلحة الـــوطنية والولاء للدّولة، واعتماد أسلوب الابتزاز في التعامل مع الشعب، وبالتالي تمّ تشويه وجه الدّيمقراطية الناشئة..

تسببت السياسات الشعبوية و العبثية وتقديم المصلحة الحزبية والشخصية على مصلحة البلاد خلال مكافحة فيروس كورونا بإخفاق ذريع في التعامل مع الأزمة وانتشار واسع للفيروس.. الأزمة الصحية والسياسية عمّقت من شدّة الأزمة الإقتصادية والإجتماعية واستفحل الفقر والبطالة في صفوف التونسيين والخوف بات اليوم من تطبيق سياسية العصيان المدني، خاصّة أنّ الجوع يولّد العصيان ويتمرّد بذلك الشعب على السياسات الخاطئة والقرارات الغير مدروسة التي أضرّت بهم، وأمام استهتار المواطن بالإجراءات الوقائية الصحية وتواصل حالة الإحتقان بين الرئاسات الثلاثة، فإنّ تونس ستغرق في بحر وفيات كورونا وسيسودها العصيان المدني و سيغرق المركب بالجميع..
و السياسيون يتخاصمون في وقت تشهد فيه البلاد انهيارا اقتصاديا متسارعا، وإذا لم يتم تدارك الأوضاع في وقت قريب، قد يجد الجميع أنفسهم بلا سلطة ولا وطن ولا شعب ، وعندها لن ينفعهم الندم، و الشعب بات يعاني الأمَرَّين بسبب تفاقم أزمة تفشي كورونا إلى درجة غير مسبوقة وما نتج عنها من انهيار المنظومة الصحية ، فلا تُراهنوا على سكوت الشعب ، لأنّه جمر تحت الرماد..!!

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023