أمبراطورية “حزب الله”… بقلم: نبيه البرجي

أمبراطورية “حزب الله”… بقلم: نبيه البرجي

كان يعني … أمبراطورية “حزب الله” !!
استراتيجياً , لم تعد الأمبراطورية الروسية , بالصواريخ العابرة للقارات , ولا الأمبراطورية الصينية , بأسنان التنين, هاجس الادارة الأميركية . اليوم , أمبراطورية ثالثة , بالخلايا التي تدق على الباب . أمبراطورية “حزب الله” .
ماذا يعني مايك بومبيو غير ذلك حين يقول ان للحزب خلاياه الناشطة في فنزويلا , وفي سائر بلدان أميركا الجنوبية ؟ استطراداً , مثلما وقف “حزب الله” الى جانب بشار الأسد لدرء البرابرة , ومن وراءهم , يقف مقاتلو الحزب الى جانب نيكولاس مادورو في التصدي لحصان طروادة الأميركي .
لطالما وصفنا بومبيو بـ”الآنية الفارغة” . لا يغيّر في الأمر شيئاً حصوله على الدكتوراه في القانون من جامعة هارفارد , أو عضويته في مجلس النواب عن ولاية كانساس, بالرغم من أنه ولد في فرجينيا . بدا كما لو انه لم يتجاوز اختصاصه العسكري كمهندس ميكانيكي لا يحتاج لا الى الدهاء السياسي , ولا الى الدهاء الديبلوماسي .
في الوزارة , يجدون فيه الشخصية الببغائية التي يعوزها الابداع ان في مقاربة المسائل المعقدة , او في استنباط الأفكار , والبدائل , الخلاقة .
يقولون انه يختلف كثيراً عن سلفه ريكس تيلرسون الذي كانت له مواقفه , ورؤيته . هو الآتي من عالم النفط المعقد , وحيث الصراعات , والصفقات , والاستراتيجيات , الكبرى. لم يستطع أن يكون ظلاً ميكانيكاً للبيت الأبيض . هكذا أزيح بتلك الطريقة الفظة .
خصوم “حزب الله” في لبنان ثابروا على وصفه بـ”دولة داخل الدولة” . أغفلوا كلياً دوره التاريخي , بل دوره الأسطوري , في اجتثاث الاحتلال . بوسعهم الآن أن يأخذوا بكلام بومبيو ووصفه بـ”أمبراطورية داخل الجمهورية” .
ماذا يعني الكلام عن الخلايا في أميركا الجنوبية , وهي الفناء الخلفي للولايات المتحدة , سوى القول انها تريد زعزعة الأمن الاستراتيجي للأمبراطورية الأميركية ؟
مضحك (وفارغ) مايك بومبيو . لغة عشوائية , بل وغوغائية , لدى رجل كاد يتهم السيد حسن نصرالله بزرع فيديل كاسترو في الخاصرة الأميركية , وبزرع سلفادور اللندي في الخاصرة الأخرى .
منذ “مبدأ مونرو” عام 1823 , والولايات المتحدة تطارد المحطمين في الجنوب . تدخلت عسكرياً في الدومينيكان عام 1905 , وفي نيكاراغوا عام1912 , وفي هايتي عام 1915 . سيمون بوليفار , الفنزويلي الثائر الذي أقام دولة “كولومبيا العظمى” , قال قبل موته “لكأنني كنت أحرث في … الماء” .
لم تعد “أمبراطورية حزب الله” تهدد من دعاها الحاخام مئير كاهانا “أمبراطورية يهوه” فحسب . الآن على رمية حجر من واشنطن . ربما يندرج كلام بومبيو في اطار السياسة التي تنتهجها الادارة (ومعها الكونغرس) بالضغط على “حزب الله” من خلال حصار كل من يمت اليه ولو بالصلة الجغرافية , أو الطائفية , أو العائلية .
اذا ما وضعنا عهد جورج دبليو بوش جانباً , ما من مرة كانت الادارة الأميركية على هذا المستوى من الابتذال , والسوقية , والتخلي عن الحد الأدنى من القيم (والأخلاقيات) التي قال بها الآباء المؤسسون , في الأداء السياسي والاستراتيجي .
سياسات قطّاع الطرق . كثيراً ما لجأنا الى النظرية الشائعة “استراتيجية نهش الكلاب” . ربما كانت النظرية الأكثر دقة “استراتيجية نهش الذئاب” .
لهذا كان كلامنا الى بعض الأنظمة العربية بعدم الذوبان في الحالة الأميركية . في قطر يعلمون أن دونالد ترامب من أعطى الضؤ الأخضر الى الأمير محمد بن سلمان للدخول بدباباته الى الدوحة , قبل أن يتصل ريكس تيلرسون بجيمس ماتيس ويتوقف التنفيذ .
لا ريب أن ولي العهد السعودي يبغي الانتقال ببلاده من حال الانغلاق , والتقوقع الايديولوجي والسوسيولوجي , الى لعبة القرن , وان بعيداً عن أي خطوة في اتجاه أي شكل من أشكال التحديث السياسي .
رؤية 2030 , وكذلك مشروعات “النيوم” العابرة للحدود, تعني المضي نحو بنية اقتصادية , وتكنولوجية , متطورة . تالياً , تكريس الدولة المركزية في المنطقة بمفاهيم , وآليات, مختلفة , وان كانت صحيفة “الايكونوميست” قد لاحظت ان الرجل انما يراقص المستحيل لتورطه الكارثي في الوحول اليمنية وغيرها .
السؤال البديهي : لماذا يفترض بدولة تمتلك كل تلك الامكانات , وملكها يحمل لقب “خادم الحرمين الشريفين” , أن تكون قاعدة استراتيجية للولايات المتحدة ؟ لاحظنا اين هي المملكة في الكونغرس , ولاحظنا كيف أن الاتحاد الأوروبي , وبايعاز من وزارة الخزينة الأميركية , يعتزم ضمها الى قائمة الدول التي تمتهن غسل الأموال .
في هذا السياق , ألم يكن عادل الجبير من ارتأى على رجال الادارة تفكيك “حزب الله” , على أن ذلك المدخل لتحقيق صفقة القرن ؟ من هنا كان سيناريو ثامر السبهان , مع أطراف لبنانية , باحتجاز رئيس الحكومة وارغامه على الاستقالة , على ان يؤتى بالبديل الذي يفجر الساحة . بالتالي أن يغرق الحزب في المستنقعات الداخلية .
الأمير محمد بن سلمان الذي أقصاه رجب طيب اردوغان عن المسرح السوري , يدرك الى اين ذهب هذا الأخير في محاولة توظيف عملية القنصلية في اسطنبول للّعب برأسه . اين هي المملكة من محاولة الرئيس التركي تقطيع الأوصال السورية في المناطق الحدودية , وماذا تنتظر ؟
ألم يحن الوقت لكي يحد الأمير الشاب من الوصاية الأميركية على بلاده , باحداث تغيير “تاريخي” في سياساته الاقليمية والدولية , وبعدما بات جلياً أن فلسفة دونالد ترامب تتمحور حول الاستنزاف الكارثي لثروات , ولأرصدة , المنطقة , ثم العودة بها الى ما قبل التاريخ , ربما الى ما قبل الجغرافيا ؟
لا مجال لأي تغيير . مؤتمر وارسو في انتظارنا . الى أين يمضي بنا دومينو الخراب ؟ المهم أننا بتنا أمام واقع جديد . هكذا تقول أميركا : “أمبراطورية حزب الله” !!

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023