أميركا كابوس العراقيين: استبداد وإرهاب واحتلال…بقلم عادل الجبوري

أميركا كابوس العراقيين: استبداد وإرهاب واحتلال…بقلم عادل الجبوري

مرت الذكرى السنوية الثامنة عشرة على الإطاحة بنظام صدام واحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الأميركية، تحت مظلة ما أطلق عليه “التحالف الدولي”، في ظل أجواء ومناخات سياسية مضطربة وقلقة، جراء تراكمات أخطاء الأعوام الماضية من جانب، والحقائق والمعطيات الراهنة من جانب آخر، وما افرزه ذلك التداخل والتشابك الكبير بين تراكمات الأمس وحقائق اليوم، ليضفي المزيد من التعقيد على المشهد العام في البلاد، ويقلص فرص وافاق الحلول والمعالجات المطلوبة.

وطبيعي انه في كل عام، ومع مرور الذكرى السنوية لذلك الحدث التاريخي الكبير، تطرح قراءات وآراء ووجهات نظر متباينة، بشأن خلفيات وظروف وتداعيات ومخرجات ما حدث، من دون أن تتبلور رؤية اجمالية واحدة بمسار معين واضح، تكون فيه نقاط الالتقاء أكثر من نقاط الافتراق.

وفي خضم الفوضى والاضطراب السياسي والمجتمعي العام، وغياب الأفق الايجابي لوضع حد لحالة النكوص والتراجع، بصرف النظر عن الأسباب والعوامل والظروف التي أفضت الى ذلك، يكرر البعض من النخب الثقافية والاجتماعية والرأي العام، أن عهد النظام السياسي السابق كان أفضل مما هو قائم حاليًا. ولا شك أن مثل هذه النظرة تبدو قاصرة وضيقة الى حد كبير، لأنها لا تتبع جذور المشكلات والأزمات القائمة اليوم، وتكتفي بمقارنات سطحية لا تلامس تلك الجذور.

في ذات الوقت، يذهب بعض آخر، الى التسويق لرؤية مفادها أن أوضاع ما بعد سقوط نظام صدام هي في كل الأحوال أفضل مما قبلها، تجنبا من الوقوع في فخ اضعاف التجربة الجديدة وتبرير سلوكيات وممارسات وسياسات حقبة الطغيان والاستبداد، والتثقيف لها سواء عن قصد او عن دون قصد.

وبقدر حجم التعقيد، والكمّ الهائل من الاشكاليات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي حفل بها المشهد العراقي العام على امتداد الأعوام الثمانية عشرة المنصرمة، فإنه من الصعب بمكان القول بصحة إحدى الرؤيتين وبخطأ الأخرى، ومثلما قال رئيس الجمهورية برهم صالح في تغريدة له عبر موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) “لا يمكن الاستخفاف بالتحولات الكبرى المتحققة بعد التغيير، ويجب أن نقر بإخفاقات لا يمكن تبريرها فقط بإرث النظام السابق، وان الوضع الحالي بحاجة لعقد سياسي جديد يُصلح الحكم نحو دولة مقتدرة ذات سيادة”.

بيد أنه من المهم جدا التوقف عند العوامل التي ساهمت في صياغة ورسم معالم وملامح وحقائق كلتا المرحلتين، والأطراف والأدوات المحركة والمخططة والموجهة، وطبيعة أجنداتها وحقيقة أهدافها الخفية والمعلنة.

ولعل النقطة الجوهرية المهمة، التي يمكن من خلالها الربط بين الكثير من الحقائق والوقائع، تتمثل في أن الذي جاء بنظام حزب البعث للسلطة في عام 1968، ومن ثم مكّن صدام من الاستحواذ عليها بالكامل، وشجعه ودفعه الى شن الحروب العدوانية على جيرانه، ايران في عام 1980، والكويت في عام 1990، والحكم بالحديد والنار على أبناء شعبه، هي ذات الأطراف والقوى الدولية والاقليمية التي تبنت أو ساهمت بإسقاطه، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية، اذ انه بقدرة قادر أصبح ذلك النظام المسكوت عنه لفترة طويلة، نظامًا استبداديًا عدوانيًا منتهكًا للمواثيق الدولية ومهددًا للأمن والسلم الدوليين، ينبغي التخلص منه، ولكن ليس بعد غزوه لدولة الكويت، لأن حسابات المصالح كانت تقتضي ابقاءه وتقويته واسناده، وهذا ما حصل طيلة تسعينيات القرن الماضي، علما أن الذرائع والحجج التي ساقتها واشنطن لانهاء نظام صدام لم تكن مقنعة بالقدر الكافي، خصوصًا لمن يعرف ويفهم ويدرك حقيقة الأهداف والخطط الأميركية.

واذا كانت السياسات والمواقف الأميركية والغربية، وكذلك العربية، هي من أوجدت مجمل الكوارث والويلات التي حلت بالعراق بسبب نظام صدام، فهي ذاتها تقريبًا التي كرست مظاهر الفوضى والاضطراب وغياب الاستقرار في العراق بعد التاسع من نيسان-ابريل 2003، فالولايات المتحدة الأميركية التي احتلت العراق وفرضت حاكمًا أميركيًا عليه يتصرف كيفما يشاء، هي التي حلت معظم مؤسساته الحكومية، العسكرية والأمنية والسياسية والإعلامية، وهي التي أباحت عمليات النهب والسلب لأموال وممتلكات الدولة، وأوجدت ثقافة “الحواسم”، وهي التي وضعت معادلات سياسية قلقة تقوم على اعتبارات طائفية وقومية، لم تكن سوى قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أية لحظة، وهي التي هيأت ومهدت الأرضيات المناسبة للتنظيمات والجماعات الإرهابية المسلحة لتصول وتجول في طول البلاد وعرضها، وهي التي شرعنت ثقافة الفساد الاداري والمالي، لتتعطل الزراعة والصناعة وتتراجع الخدمات الأساسية ويتدهور التعليم، وتنعدم فرص النهوض وتتلاشى آفاق التقدم والازدهار.

ولم يكن ملايين العراقيين الذين فرحوا واستبشروا كثيرًا بزوال نظام صدام، بحاجة الى وقت طويل ليدركوا ويستوعبوا أن الولايات المتحدة التي جعلت نظام صدام يجثم على صدورهم لسنين طوال، لن تتركهم يواصلوان فرحتهم، لأنها فتحت صفحة مأساوية جديدة، بعناوين ومسميات وأشكال ومظاهر أخرى.

ولعله بعد أعوام قلائل من الغزو والإحتلال، بات هناك إدراك في الشارع العراقي ولدى مختلف النخب والشرائح، بأن الكثير من المشاكل والأزمات التي حصلت، كان من الممكن أن لا تحصل لولا السياسات الخاطئة لواشنطن، بدءًا من عهد الحاكم المدني بول بريمر، والذي شهدت الأربعة عشر شهرًا لعمله في العراق وقوع أخطاء وكوارث انسحبت تأثيراتها الى المراحل اللاحقة لها، وهذا الشيء أدركه الساسة الأميركيون انفسهم.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، أكدت العضوة السابقة في مجلس النواب الاميركي لين وولسي، في تصريحات صحفية لها قبل بضعة أعوام، أنه “لا يمكن للرأي العام العراقي أن ينظر الى مثل هذا العدد الضخم من القوات الاميركية، إلا على أنه قوة احتلال مستمر، وأنه ما دام ينظر الى الولايات المتحدة على أنها طرف محتل، لن يستطيع العراقيون تحقيق الوحدة المطلوبة والمصالحة وبذل مزيد من جهود التحول الديمقراطي اللازمة كي يحققوا استقرارًا طويل الأمد في البلاد”.

ورغم أن القوات الأميركية انسحبت من العراق بصورة كاملة في نهاية عام 2011، وفق الاتفاقية الأمنية المبرمة بين الطرفين في عام 2008، إلا أن المعطيات والحقائق على الأرض لم تتبدل كثيرًا، لا سيما بعد اجتياح تنظيم “داعش” الارهابي لعدد من المدن العراقية في صيف عام 2014، وبالتالي تواصلت واتسعت حالة الشد والجذب، لأن واشنطن أصرت على استمرار تواجدها العسكري في العراق، وبغداد أصرت على انهائه، لزوال مبررات وحجج ذلك التواجد، ولما تسبب به من مشاكل وازمات.

بالتأكيد، لن تنصلح أحوال العراق مباشرة بعد طي صفحة الغزو والاحتلال نهائيًا، ومن غير الممكن أن تتبدل الأوضاع بين ليلة وضحاها، لكن طي هذه الصفحة من شأنه أن يضع البلد على السكة الصحيحة، مع الأخذ بعين الاعتبار حقيقة أن النفوذ الأميركي في العراق لا يقتصر على الوجود العسكري فحسب، بل هناك مؤسسات ومفاصل سياسية وأمنية واقتصادية حساسة، ينبغي اخراجها من دائرة الهيمنة الأميركية، حتى تأتي النتائج بمستوى الآمال والطموحات والتطلعات بمغادرة العراق مراحل الفوضى والفساد والاضطراب والاحتلال، بعدما غادر الطغيان والتسلط والاستبداد قبل ثمانية عشر عامًا.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023