أهمّية إيران بالنسبة لأمريكا في نظر الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي…بقلم محمد الرصافي المقداد

أهمّية إيران بالنسبة لأمريكا في نظر الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي…بقلم محمد الرصافي المقداد

 

 

 

إثنان وأربعون عاما من المحاولات أمريكا المتكرّرة، من أجل إفشال تجربة الحكم الإسلامية في إيران، التي أسسها مفجّر الثورة الإسلامية المجدّد الإمام الخميني، لم تجني منها سوى الفشل تلو الآخر، والخيبة تلو الأخرى، سجّلت صمودا اسطوريا لقوم سلمان المحمّدي، فلم يتراجع عن أهدافه التي تبنّاها، ومع ذلك لم تتوقف عجلة استهداف النظام الإسلامي، من طرف معسكر الإستكبار الذي تقوده أمريكا، وذلك نظرا لحجم الضرر الذي لحقه، من إسقاط نظام عميل لها، كان مُعوَّلا عليه في أن يكون جبهة متقدّمة في قلب آسيا، حافظا لمصالح دول الغرب في الشرق الأدنى.

ذنْبُ النظام الإسلامي ليحارب بهذه الكثافة الإعلامية، أن ثورة شعبه أسقطت نظاما دكتاتوريا مهيمنا، لا يهمّه من الإسلام شيئا، بل لقد كان عقبة أمام كل نفَسٍ، يعتقد أنّ للدين الخاتم مكانا في حياة الإيرانيين، سوى ذلك الإعتقاد الخارج عن إطار الحياة الإجتماعية والسياسية والاقتصادية، والمنعزل عن ذلك كلّه، فهو إسلام لا يرى فيه الشاه، ولا حتى أمريكا واسرائيل بأسا أو ضررا، بل قد يشجعون على تبنّيه في الغالب لدى شعوب أخرى، واسلام بلا قيادة هو تماما جسد بلا رأس.

وحتى نفهم هذا الإصرار الأمريكي – بكل الخبث الذي تكتسيه سياستها الخارجية – على ملاحقة إيران، يجب أن نفهم مكانتها زمن الشاه، وما كانت تمثله من ثقل استراتيجي، كان حافظا لميزان القوى المتصارعة أثناء الحرب الباردة، ما دوّنه الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي(1) في كتابه (الخميني الحل الإسلامي والبديل)، عما تمثّله إيران الشّاه في الإستراتيجية الأمريكية:

فهي بنظره تعتبر ذات أهميّة خاصة، في السياسة العالمية على جميع الأطراف الدّولية، وتنبع هذه الأهميّة من أسباب، تجعل أي تطوّر داخلي مصحوبا دوما بانعكاسات عدّة.. وقد أجاد في ضبط أهمّية إيران، في الميزان الإستراتيجي العالمي والأمريكي بالخصوص، فإلى جانب أهمّية البترول الذي تمتلكه – وهي ثالث بلد منتج له من حيث الإحتياطي العالمي – كأهمّ مصْدر للطاقة النفطية ومشتقاتها في الصناعات التحويلية، فإن موقع إيران على حدود الإتحاد السوفييتي 1300 ميل، تكمن أهمّيتها في بقائها حاجزا، دون تمدد هذا العدوّ جنوبا، ليهدّد مصالح الغرب في منابع النفط الأساسية في العالم، ومثال على ذلك، فإن الجيش الإيراني قام بسحق ثورة ظفار اليسارية العُمانيّة سنتي 1973/1975 (2) كما أن لإيران حدود بحوالي الألف ميل مع دول الخليج الفارسي، تسمح لها بالتحكم في أهمّ شريان للطاقة في العالم، ثم إن موقع إيران وسط حزام شعوب إسلامية، يسمح لها بأن تؤثر في محيطها، تأثيرا ثوريّا فكريّا وعمليا، من شأنه أن يفسد مخططات أمريكا والغرب، ويجهض مشاريعهم الاستغلالية للمنطقة ككل.(3)

(بطبيعة الدور الإيراني وأهميته بالنسبة للولايات المتحدة، في تقرير نشر منذ حوالي عام من لجنة العلاقات الدولية التابعة للكونغرس الأمريكي، أشارت إلى أهمية المصالح الأمريكية الإيرانية، فإلى جانب كونِ إيران قاعدة إقليمية استراتيجية، وتُشكّل مع إسرائيل خط الدفاع الأول عن المصالح الغربية، من المعروف أن مقر وكالة الإستخبارات المركزية (سي آي إي) قد نقل إلى طهران، كما أنها حلقة رئيسية في المخططات العسكرية الأمريكية، وعضوا مشاركا للولايات المتحدة في الحلف المركزي، وتربط الولايات المتحدة بعقود ثنائية، تشمل جميع الميادين العسكرية والإقتصادية والتكنولوجية وشؤون الطاقة، هذا بالإضافة إلى أن إيران تشكل سوقا هاما للصادرات الأمريكية، فهي تحتل المركز الأول في الأسواق الإيرانية، وتُشكل نسبة 30 % من واردات إيران من دون السلاح، ويُنتظر أن يبلغ معدل المبيعات الأمريكية لإيران في الفترة ما بين 1975 و1980 نحو 522 مليار دولار، هذا وقد إزداد هذا التقارب في بداية السبعينات لأسباب عديدة:

1 – اقتناع أمريكا بعد هزيمتها في (فييتنام)جنوب شرق آسيا، بضرورة وجود قوة محلية تقوم بنفس الدور الأمريكي.

2 – دلالة حرب أكتوبر، فقد تقلّصت أهمية الشريك الثاني لإيران، في خط الدفاع الأول عن المصالح الغربية، خاصة وأنّ وجود إسرائيل في محيط عِدائي، يقلل من قدرته على الفعل، بل ربما كان سبيلا لانهيار أنظمة حليفة للغرب.

3 – تعاظم الدوري السوفياتي في المحيط الهندي، واقترابه من البحر الأحمر، في حين تسعى الولايات المتحدة للقيام بهذا الدور وحدها.

 4 – تعاظم عائدات النفط، مما يجعل إيران حليفا استراتيجيا قويا، يشارك في تحسين ميزان المدفوعات الأمريكي.) (4)

لذلك أقول أن ليس من السّهل على أمريكا، ومعها طابورها المشارك، وبقية المتذيّلين لها، أن يسكتوا على تحوّل جذريّ لبلد كان حليفا لمنظومتهم الإستكبارية، إلى قوة معادية لمشاريع هيمنتهم على شعوب المنطقة، فاضحة لحقيقة استكبارهم، وداعية للبراءة منه، ووقف التعامل معه بذلّة سياسة الهيمنة والإستغلال، ما أزعج منظومته، ودفعها إلى مواجهة النظام الإسلامي اقتصاديا وإعلاميا وثقافيا، أما اقتصاديا فعملت أمريكا على إضعاف وتوهين الإقتصاد الإيراني الفتيّ وأعاقة نموّه، وبالتّالي منعه من أداء دوره في تنمية البلاد، بفرض عقوبات اقتصادية ظالمة بحق قطاعاته وأشخاصه، واغلاق أبواب السوق العالمية في وجه منتجاته، وأما إعلاميا فبنشر معلومات وأخبار زائفة عن تجربة النظام الإسلامي في الحكم وفق أحكام الإسلام، وتصويره نظاما مخالفا للقوانين والمجتمع الدّولي، حتى حربه ضدّ الإرهاب قلبوا واقعها ليصبح متّهما بالإرهاب وخرق حقوق الإنسان.

أعتقد أنه لم يبق بيد أمريكا وحلفها المعادي لإيران ما تفعله سوى مزيد الضغط على النظام الاسلامي لعله يسفر عن أمل في تحويله ولو يسيرا من تفرّده في موقفه من تحريم التعامل مع الشيطان الأمريكي إلى السكوت على مشاريعه الاستغلالية في المنطقة، وهو حلم سيبقى ينتظر بأي كابوس سيظهر لسكان البيت الأبيض.

المصادر

1 – الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي (1951/1995) مناضل إسلامي فلسطيني مؤسس حركة الجهاد الاسلامي اغتاله الموساد بسليمة بجزيرة مالطة https://ar.wikipedia.org/wiki

2 – ثورة ظفار https://ar.wikipedia.org/wiki/

3 -الخميني .. الحل الإسلامي والبديل/ الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي (اقتباس)

4 -الخميني .. الحل الإسلامي والبديل الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي ص 108/109

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023