أية استراتيجية مستقبلية لدول الخليج في “عصر نضوب النفط”!!؟

أية استراتيجية مستقبلية لدول الخليج في “عصر نضوب النفط”!!؟

بقلم هشام البوعبيدي |

من الأسئلة الحارقة التي بدأت تطرح منذ مدّة في الدوائر الاقتصادية العالمية والمنابر وفي الدراسات المهتمّة بالطاقة في أكثر من مجال، ذلك أن اكتشاف النفط في بداية القرن الماضي واستخدامه في أكثر من ميدان أدّى الى تغيير كبير في اقتصاد العالم وكذلك في البنى الاجتماعية والسياسية وغيّر بشكل كبير الاساليب الحياتية للإنسان. غير أننا نعلم جيدا أن النفط من الثروات الغير القابلة للتجدّد والاستعادة بعد النفاد، والمصادر العالمية من “الذهب الأسود” محدودة وهبوط المخزون العالمي غير القابل للتعويض أصبحت جليّة وقريبة، وفي دراسة لوكالة الطاقة العالمية بيّنت أن الانتاج النفطي العالمي مرّ بأزهى فتراته وأوفرها والتي امتدّت بين  سنة 2010 الى حدود سنة 2020 ثمّ بعدها يبدأ العدّ العكسي والهبوط والتقلّص في الانتاج غير القابل للتجدّد، وتقدّر أغلب الدراسات أن عمر النفط المتبقي لا يتجاوز الخمسين سنة.

فجميع المؤشرات توحي بأننا بدأنا نقترب بطريقة تسارعية من “زمن ما بعد النفط”، فالاستهلاك العالمي منه يفوق الـ27 مليار برميل سنويا في حين أن المكتشفات الجديدة لا تتجاوز الـ6 مليار برميل، وقد حذّرت وزارة الطاقة الأمريكية من تحوّل جوهري في رسم الاستراتيجية المستقبلية للولايات المتحدة ودعت الادارة الامريكية الى إعادة تشكيل خارطة علاقاتها وأولوياتها ومصالحها الجيوسياسية مع اقترابنا من “نهاية عصر النفط” ودخولنا زمن “عدم الكفاية”، وقد توقّفت الوزارة المذكورة عن ذكر النفط في رؤيتها لمستقبل الطاقة، وعوّضته بمصطلح “السوائل” والذي توقّعت أن يرتفع الطلب العالمي عليه سنة 2030 الى حدود 117.6 ملايين برميل يوميا.

ولئن بدأت أغلب دول العالم في البحث عن بدائل للطاقة النفطية المهدّدة “بالإنقراض”، مثل الطاقة النووية والطاقة الهيدروليكية وطاقة الرياح والطاقة الشمسية وطاقة الحرارة الجوفية والتي تتميّز بكونها صديقة للبيئة ومتجدّدة، فإن مشيخات النفط الخليجية مازالوا في غيّهم يعمهون، وكأن نفاد النفط من حقولهم لا يعنيهم. ونحن نعلم أن اقتصاد أغلب دول الخليج تابع بشكل كامل لإنتاجها النفطي (السعودية مثلا 85% من اقتصادها قائم على النفط)، فدول الخليج غنية بإيراداتها النفطية ولكنّها فقيرة في مجالات اقتصادية عدّة، فهي لا تملك قاعدة اقتصادية متنوّعة ولا تتمتّع بكفاءات بشرية متميّزة، وبقيت تستعين بيد عاملة أجنبية وافدة لدرجة أصبحت عاجزة عن التحرر من خدماتها ودورها في النسيج الاقتصادي، ولعلّ الاستغناء عن توظيف عشرات آلاف العمال الوافدين مع بدايات اكتشاف النفط والانطلاق في بناء الاقتصاد الجديد كان صعبا، ولكن كان من الواجب أن يترافق ذلك مع تطوير وتنمية الكفاءات الوطنية.

فمن المعلوم أنّ مساهمة المواطنين في العملية الإنتاجية دون المأمول، ونسبتها من إجمالي قوة العمل الإجمالية في بلدان الخليج تتراوح بين 10 و40 في المئة في أحسن الأحوال. يضاف اليها بعض القيم المجتمعية التي تعارض تشغيل المرأة ورفض جانب هام من المواطنين بعض المهن والاشغال. وفي ظل الاعتماد على العمالة الاجنبية الذين يقارب نسبة النمو عندهم 10% سنوياً وهو رقم مهول يهدّد التركيبة السكانية المحلّية التي تتنامى بدورها بنسبة تفوق الـ 3% سنوياً، وهو معدل مرتفع ويحمّل اقتصاديات هذه الدول عبئا كبيرا لمواجهة متطلبات الخدمات التعليمية والصحية والإسكانية ومتطلبات البنية التحتية. ومع الزيادة الحالية في عدد السكان التي تستنفذ كثيرا من الدعم الحكومي من خلال الدخل النفطي المتدني مع الزمن، فإن دول الخليج ستكون بعد سنوات قليلة، صحيح، ما تزال غنية نفطيا ولكن أكثر فقرا مما كانت عليه سابقا، فالتزايد السكاني يؤدي إلى إضعاف فاعلية الثروة النفطية الممكنة للدول.

وعلى خلاف القاعدة التي تقول بأن زيادة الرخاء الاقتصادي يؤدي إلى تقليص نسبة الولادة وانخفاض معدّل الزيادة السكانية، فقد أثبت دراسات أخرى أن التطور الاقتصادي يمكن أن يؤدي إلى تحفيزها، ويعني تحسين الرعاية الصحية توفير معدل أعلى للبقاء وهبوط معدل الوفيات، وقد ارتفع معدل الزيادة السكانية في دول الخليج عن المتوسط العالمي الذي يعادل1.6 %. فمثلا إن معدل الزيادة السنوية وكذلك الزمن اللازم لتضاعف عدد السكان في السعودية 4.1 % (تضاعف عدد السكان يحدث كل 17 سنة)، الكويت 6 % (تضاعف كل 11.6 سنة)، قطر 6.5 % (تضاعف كل 10.7 سنة)، الإمارات العربية المتحدة 7.3 % (تضاعف كل 9.6 سنة). ونتيجة لهذا الارتفاع في معدل الزيادة فان حوالي نصف السكان في العالم العربي أعمارهم أقل من 15 سنة، ففي سنة 1950 كان عدد سكّان الجزيرة العربية 8 ملايين نسمة، ووصل سنة 2007 الى 58 مليون نسمة، ومن المتوقّع أن يبلغ 124 مليون نسمة سنة 2050 وقد اعتبرها بعض الخبراء كـ”قنبلة ديمغرافية”.

ماذا سيفعل العرب إذا رأوا بضاعتهم التي أسكرتهم وفرتها ورواجها بصدد النضوب والنفاد، والاقتصاد الوطني المتّكل كليا على النفط يتهاوى، والعمّال الأجانب يغادرون بعد إغلاق كبرى الشركات العالمية أبوابها، والجيوش الغربية والأمريكية خصوصا المرابطة هناك والمنتشرة في عشرات القواعد تعود أدراجها بعد أن زالت مقوّمات بقائها، فما فائدة الشرق الاوسط والخليج دون  نفط؟

لا أحد ينكر حاجة الغرب للنفط وخصوصا الولايات المتّحدة التي تعدّ أكبر مستهلك عالمي له، وقد اتّخذت جميع الوسائل لضمان تدفق النفط لها بما فيها “التأمين العسكري”، وسجّل التاريخ الاتفاق الاستراتيجي سنة 1945 بين الرئيس فرانكلين روزفلت والملك عبد العزيز آل سعود الذي تتعهّد فيه الولايات المتحدة بحماية المملكة عسكريا في مقابل معاملة أفضلية للشركات النفطية الامريكية في التنقيب والاستثمار، وقال الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر صراحة عبارته الشهيرة “أمريكا ستستخدم أي وسائل متاحة وبينها العسكرية لحماية تدفق نفط الخليج”. ففي الخمسينات موّلت شركات النفط العالمية موجة انقلابات وصراعات في أمريكا اللاتينية وافريقيا وايران ضد الداعين لتأميم النفط، كما عاقبت العراق في الستينات ومطلع 1991 لتمرّده وتهديده بتدمير منابع النفط، أما مع السعودية فتصرّفت معها القوى الغربية بأسلوب مرن وسلس على اعتبار أنها “دولة مطيعة وحكيمة” وتعتمد “الطريق العقلاني” (النفط حسب الطلب/ رفع الانتاج في كل موسم انتخابي أمريكي).

وتكمن المشكلة الكبرى أن دول الخليج لم توجد قاعدة انتاجية ولم تحقق امنا غذائيا ولا تنمية اقتصادية وبشرية حقيقية، فعوض بناء اقتصاد حقيقي يتّسم بالاستمرارية والقدرة الانتاجية والتنافسية، كانت جلّ استثماراتها في المباني والعقارات، فالسياسات الاقتصادية المنتهجة أدّت الى فقدان الاقتصادات حيويّتها وقدرتها على الاستفادة من خيرات النفط، فعوائد النفط لا يمكن اعتبارها دخلا بالمعنى الاقتصادي الصحيح، فهو بمثابة تحويل شكل من أشكال الثروة (الأصول) الى شكل آخر (السيولة).

فرغم أن بعض آبار النفط تحفر بصعوبة في كثير من بقاع العالم وتكون مردوديتها محدودة، وبعض الحقول الأخرى تحتاج لسقف سعر يتجاوز الـ 70 دولارا حتى يكون مثمرا، فإن النفط العربي يمتاز بوفرة الانتاج وسهولة الاستخراج، بما يعني أنه يبقى تنافسيا مهما اشتدّت الأزمات الاقتصادية وتدهورت الأسعار وتعدّدت مصادر الطاقة في العالم، ولكن الذي لا نفهمه هو سياسة إغراق السوق اللامبرّرة اقتصاديا والتي تقف خلف استراتيجيات الانتاج الخليجية، وإلا فما الداعي لدولة مثل الامارات العربية أو الكويت التي تعداد سكّانهما لا يتجاوز بضع مئات الآلاف لإنتاج أكثر من ثلاثة ملايين برميل يوميا، وما حاجة دويلة مثل قطر لطرح أكثر من نصف مليار متر مكعّب من الغاز يوميا.

هنا تكمن المشكلة، فهناك تبذير للثروة الوطنية من دون أن تواكبه برامج انمائية ومشاريع اقتصادية منتجة وتطوير للإنسان ودعم الكفاءات الوطنية، فهناك دول عديدة نجحت في التحول من الفقر إلى الغنى على الرغم من أنها لا تملك موارد اقتصادية طبيعية ذات بال، مثل كوريا وتايوان وماليزيا وسنغافورا، في حين بقيت الدول العربية تنتج ما لا تستهلك وتستهلك ما لا تنتج !!!!

ويبقى الجواب الذي قاله أحد السعوديين متهكّما هو الأجدى: “لقد ركب أبي الجمل، وانا أركب السيّارة، وابني سيركب الطائرة، أما حفيدي فسوف يركب الجمل من جديد”.

 

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023