اتفاقيات السلام المزعومة.. وأوهام التطبيع!!

اتفاقيات السلام المزعومة.. وأوهام التطبيع!!

يخلط كثير من أنصار التطبيع مع العدو الصهيوني بين الاتفاقيات التي وقعها بعض المسؤولين السياسيين في لحظة تاريخية ما, وبين التطبيع في العلاقات مع العدو, وهناك من يتطرف في تصوره ويعتبر معارضي عملية التطبيع “خارجين عن الثوابت الوطنية”, بل طالب الأكثر تطرفاً منهم السلطة السياسية بضرورة محاكمة معارضي التطبيع, باعتبارهم “مرتكبي جرائم وخارجين على القانون”, في تصور خاطئ منهم بأن الاتفاقيات المبرمة مع العدو قد أصبحت “ملزمة للشعب بحكم التصديق عليها من قبل المجلس النيابي”, والذين يخلطون الأوراق لا يستطيعون التفرقة بين الاتفاقيات السياسية التي يعقدها المسؤولون السياسيون وبين عملية تطبيع العلاقات التي هى بالأساس ذات طابع شعبي بعيدة كل البعد عن الاتفاقيات السياسية، وهذه العلاقات الانسانية التطبيعية لا يمكن لمخلوق أن يلزم الشعوب في علاقاتها وممارساتها اليومية بتطبيقها.

ملابسات توقيع الاتفاقيات السياسية تؤكد دائماً أنها وجهات نظر المسؤولين السياسيين الذين يوقعونها والتي يصرون عليها بغض النظر عن موقف شعوبهم منها, ورغم أن الدساتير قد تنص على ضرورة الاستفتاء على مثل هذه الاتفاقيات أو موافقة المجلس النيابي عليها باعتباره ممثلاً ووكيلاً عن الشعب فإن إرادة من في السلطة غالباً ما تفرض في هذه الحالة, لكن تظل الاتفاقية ملزمة فقط لمؤسسات الدولة السياسية, أما عملية التطبيع والتي تشكل أحد بنود “اتفاقيات السلام” المزعومة مع العدو فترتبط بقرار الشعب نفسه, لذلك فهي ليست ملزمة للشعوب, فالعقل الجمعي الشعبي العربي قد استقر على أن العدو الصهيوني هو العدو الأول لأمتنا العربية ولا يمكن أن نقبل التطبيع معه رغم عقد اتفاقيات رسمية من قبل سلطة سياسية ما.

وتعد اتفاقية “كامب ديفيد” التي وقعها أنور السادات عام 1979 مع العدو الصهيوني خير شاهد وخير دليل, ففي أعقاب نصر تشرين على العدو الصهيوني 1973 وربما قبله بدأ السادات في التفكير والتشاور والتفاوض مع الأمريكيين والصهاينة للترتيب لإنهاء حالة العداء مع العدو الصهيوني على المستوى الرسمي, وجاءت أولى الخطوات العملية بالإعلان المشؤوم للسادات أمام البرلمان المصري في عام 1977 عزمه الذهاب إلى الكيان الإسرائيلي والتحدث أمام “الكنيست”, وبعد خطابه بأيام قليلة تلقى الدعوة من حكومة العدو الصهيوني مرحبة بحرارة بالزيارة التي تمت في 9 تشرين الثاني 1977 وفي أعقابها بدأت “محادثات السلام” المزعومة التي انتهت بتوقيع “اتفاقية كامب ديفيد” بين السادات ومناحيم بيغن في 17 أيلول 1978 بعد مفاوضات سرية استمرت 12 يوماً برعاية الرئيس الأمريكي جيمي كارتر, وفي 26 آذار 1979 تم التوقيع على الاتفاقية في واشنطن.

وأثارت اتفاقية السلام المزعومة ردود فعل معارضة في مصر ومعظم الدول العربية سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي, ففي مصر استقال وزير الخارجية محمد إبراهيم كامل لمعارضته الاتفاقية مطلقاً عليها «مذبحة التنازلات» وكتب في كتابه «السلام الضائع في اتفاقيات كامب ديفيد» الذي نشر في مطلع الثمانينيات أن «ما قبل به السادات بعيد جداً عن السلام العادل».

وعلى الصعيد العربي عقد مؤتمر قمة رفضت فيها الاتفاقية واتخذت جامعة الدول العربية قراراً بنقل مقرها من القاهرة إلى تونس احتجاجاً عليها, وعلى المستوى الشعبي خرجت التظاهرات الرافضة في العواصم العربية بما فيها العاصمة المصرية, ورغم حالة الرفض الرسمي والشعبي استمر السادات في طريق استكمال إجراءات الاتفاقية.

وعلى الرغم من تمرير الرئيس السادات للاتفاقية على المستوى الرسمي إلا أنه لم يتمكن من تمرير بند التطبيع لأنه يتعلق بالعقل والضمير الشعبي, لذلك لم تحاول السلطة السياسية في مصر على مدار ما يزيد عن أربعة عقود فرض بند التطبيع على الشعب المصري, لإدراكها أن التطبيع ليس قراراً سياسياً كالاتفاقية المزعومة فالاتفاق السياسي لا يمكن أن يغير كراهية الشعب للعدو الصهيوني الملوثة أياديه بدماء شهداء الوطن, والمغتصب للأرض العربية والتي تقر الاتفاقيات المزعومة باستمراره في احتلالها, فالشعب يؤمن بأن معركته مع العدو معركة وجود وليس حدود كما يفهمها بعض القادة السياسيين الذين يوقعون الاتفاقيات, وما عرضناه بالنسبة “لكامب ديفيد” هو نفسه ما يمكن عرضه وقوله بالنسبة لاتفاقيتي أوسلو ووادي عربة.

وعندما حاول العدو الصهيوني قبل أيام اختبار التطبيع مجدداً مع الشعب المصري عبر ممثل شهير يمتلك قاعدة جماهيرية عريضة بين الشباب المصري معتقداأن هؤلاء الشباب الذين ولدوا بعد “كامب ديفيد” قد يسهل اصطيادهم لفخ التطبيع, وجد العدو الصهيوني نفسه في مآزق شديد ولمس بنفسه حجم الكراهية والرفض الشعبي عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي اخترعوها كوسيلة للتجسس وقياس الرأي العام داخل مجتمعاتنا, ولعل العبارة التي أطلقها الممثل يلوم فيها جمهوره على خذلانه خير رسالة للعدو الصهيوني أن محاولاتهم لن تؤتي بثمارها.

وهنا نعود لأنصار التطبيع محدودي العدد والقدرات العقلية ونقول لهم كفى تزييفاً للوعي وخلطاً للأوراق فالاتفاقيات المزعومة ملزمة لمؤسسات الدولة السياسية, أما التطبيع فهو قرار شعبي بامتياز.. اللهم بلغت اللهم فاشهد.

كاتب من مصر

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023