اتفاق العار: القوة مقابل الذُّل…القوة مقابل الخنوع

اتفاق العار: القوة مقابل الذُّل…القوة مقابل الخنوع

وأخيرًا حقق بنيامين نتنياهو هدفه؛ أخضع دولتين عربيتين دون حرب أو قتال، ووقّع معهما “معاهدة سلام” دون أن تسقط قطرة دم ودون خسائر. لم ينجح بإخضاع الفلسطينيين، لكن عينه على أمرين كما تبيّن من تصريحاته في البيت الأبيض وقبلها في إسرائيل؛ نريد أموالهم، أموال الإماراتيين، ونريد أن ننهي الصراع مرة واحدة وللأبد، هكذا قال.

حسم الصراع وليس طيّه، أي طمس ودفن القضية الفلسطينية ومحاصرة الفلسطينيين وعزلهم عن عمقهم القومي هدفه الأول؛ لكن صافرات الإنذار التي دوت في عسقلان وأسدود بالتزامن مع خطاب وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، أعادت المشهد إلى الواقع. تجاهل نتنياهو وقبله دونالد ترامب في كلمتيهما الفلسطينيين وحقوقهم، فذّكر أهالي غزة المستوطنين في عسقلان وأسدود بأن الصراع ليس في حديقة البيت الأبيض بل في الحديقة الخلفية لإسرائيل، في قطاع غزة المحاصر وفي الضفة والقدس وغيرها.

كان مشهدًا طافحًا بالذل والخنوع، إذ بدا وزيرا خارجية الإمارات والبحرين وكأنهما شخصيّتان كرتونيتان، يحركهما دون أن يتحدث إليهما صاحب الشعر والسحنة الذهبييّن.

تحدث ترامب عن “فجر شرق أوسط جديد” وعن “إنهاء الصراع”، لكن أي فجر هذا الذي يتجاهل الواقع وأهل المنطقة العربية والشعب الفلسطيني، وأي إنهاء للصراع سيكون طالما أن منطق ترامب مشتق من عقيدة نتنياهو وهي عبادة القوة أو حتى السجود للقوة، فيما لا يجرؤ على مواجهة غزة. اقتبس نتنياهو من التوراة جملة تتعلق بالنبي داود، جاء فيها أن الرب منح الشعب العزيمة والشجاعة، والرب يبارك شعبه بالسلام. وهي، بلغة نتنياهو، تعني “السلام من خلال القوة”. لم يستطع نتنياهو حسم الصراع بالقوة، ولن يستطيع.

تجنّب ترامب ونتنياهو ذكر الفلسطينيين، فيما تجنب وزيرا خارجية الإمارات والبحرين ذكر إيران، وهذا يدلل على أولويات كل طرف، أميركا وإسرائيل همهما حسم الصراع مع الفلسطينيين، فيما أولوية الإمارات مواجهة إيران من خلال إسرائيل. ما لم يُقل هو المهم. أولوية أميركا ترامب وإسرائيل نتنياهو القضاء على الفلسطينيين وتركيعهم. أما إمارات محمد بن زايد فأولويتها حفظ النظام الحاكم واعتبار إيران خطرًا وجوديًا على طموحاته الجنونية.

لن ينتهي الصراع، ولن تنجح معادلة نتنياهو مستقبلا مثلما لم تنجح سابقًا، لن ينجح بإخضاع الفلسطينيين لا بالقوة ولا بالسلام الزائف، حتى لو تحالفت معه كل قبائل المشرق والمغرب، لسبب بسيط لكنه مهم: لن يخضع الشعب الفلسطيني، ولن يقايض حقوقه بالمال مهما جاع وحوصر.

المؤتَمِرون تحدّثوا كثيرًا، لكنّهم لم يقولوا شيئًا. ووقّعوا كثيرًا حتى حارَ ترامب ما هو فاعلٌ بقلمه، لكن حتى الآن لم ينشر ما وقّعوا عليه. وإن عُرف ما وقّعوا عليه فذاكرة البيت الأبيض يبدو أنها ضعيفة إلى درجة أنها لم تأتِ على ذكر “صفقة القرن” التي أشغل الدبلوماسيون الأميركيّون المنطقة العربية ذهابا وإيابًا لثلاثة أعوام وهم يروّجون لها ويفاوضون عليها ويسامون الفلسطينيّين على حقوقهم.

لن تنجح معادلة القوة مقابل الذُّل حتى لو التحقت دول عربية أخرى بهذه المعادلة وقبلت على نفسها الذُّل، لأن أنظمتها فاقدة للشرعية. انتهت المراسم والاحتفالات، لكن الصراع ما زال مستمرًا ومفتوحًا على مصراعيه، والغلبة للحق وحقوق الشعب.

وكالات

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023