استراتيجيا الإمام الباقر(ع) في الدعوة ببلاد المغرب: في البحث عن الداعية راشد الإفريقي…بقلم د. نعمان المغربي*

استراتيجيا الإمام الباقر(ع) في الدعوة ببلاد المغرب: في البحث عن الداعية راشد الإفريقي…بقلم د. نعمان المغربي*

مقدمة:

    ليس التشيع المغربي وليد الدولة العبيدية، ولا وليد عهد الإمام الصادق (ع)، كما ذكر القاضي النعمان المغربي في كتابه: افتتاح الدعوة . ولا نستطيع أن نجزم بأن التشيع المغربي بدأ باقريّا، فربما سنجد مستقبلا وثائق مكتوبة  أو منقوشة بالبلاد البربرية تقدم لنا بدايات أخرى.

  يمكننا أن نتحسس بداية تَحْمِيَة أهل البيت (ع) لبلاد المغرب، مع الإمام محمد الباقر عليه السلام، في نص ثمين للمؤرخ الطبري الإمامي*.

1_ نص ذو دلالات في الاستراتيجيا المغربية للأئمة:

       هذا محمد بن مسلم الثقفي سمع أبا جعفر عليه السلام، يقول لرجل من أهل إفريقية: ما فعل راشد؟

 قال: خلفته صالحا [أي بخير وعافية]، يقرئك السلام.

 قال الإمام(ع): رحمه الله.

قال الإفريقي: أو مات؟

قال: نعم… رحمه الله.

فقال الإفريقي: متى؟

 قال الإمام (ع) : قبل خروجك بيومين.

فقال الإفريقي: لا والله…ما مرض ولا كانت به علة!

 فقال الإمام (ع): إنما يموت من يموت من غير علة أكثر.

     وقد سأل الثقفي الإمام عليه السلام: أيُّما كان الرجل (أي راشد)؟

 فقال: كان لنا وليّا، ومحبا من أهل إفريقية. وأضاف: يا محمد [الثقفي] والله لئن كنتم ترون أنّا ليس معكم بأعين ناظرة وآذان سامعة، لبئس ما ترون والله ما خفي ما غاب. فأحضروا لي جميلا، وعوّدوا ألسنتكم الخير، وكونوا من أهله تُعرفوا به. ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾(التوبة، 105).

 2_ أين الفضاء الذي عاش فيه راشد الإفريقي؟

       نجد محلّتين، بالأقل، إسمهما «سِيدي راشد» بالفضاء الإفريقي.

      واحدة بجهة قَمُّودَة، أي ما يسمى الآن: «ولاية سيدي بوزيد»، وأخرى بولاية تيبازة الجزائرية، بمسافة 9كم عن الولاية.

      ونحن نرجح أن تكون بولاية تيبازة، أي بالفضاء الكُتامي ( بالبلاد الجزائرية حديثا)، لأن كتامة، هي القبيلة الأولى والأوسع تشيّعا، فلا يعقل أن يكون التأسيس العُبَيْدي قائما على تشيع مستحدث وهشّ، بل يجب أن يكون عميقا جدا ببلاد كُتَامة التي زحفت على القيروان، مسقطة الدولة الأغلبية. ولعل اللحظة الراشدية هي من اللحظات التي راكمت الاستقرار التشيعي بالبلاد المغربية.

     كما أن مدشرة «سِيدي راشد» القَمُّودِية أقل حجما وديمغرافيا من «سِيدي راشد» بولاية تيبازة. هذا، و«سِيدي راشد» القَمُّودِية وكل الفضاء بمنطقتها تَغَيّر تسمياتٍ، وتكوينا ديمغرافيّا، إذ بعد إفراغ الهلاليين لها في غزوهم بالقرن الحادي عشر الميلادي من قومها الأصليّين، البربر، تدخلت حركة أبي مدين الغوث بأواسط القرن الثاني عشر، لتصالح بين الشعبين، الغازي والمغزوّ، وتدمجهما بالتصاهر وبنمط ولاية (نمط تدبير قَبَلِي جديد).

خاتمة:

     إن التشيع في المغرب أصيل، لا يقل أصالة عن وجود المذهب الحنفي أو المذهب المالكي. ولعل وجود التشيع المغربي يسبق الوجود الحنفي والمالكي، لأن الإمام الباقر (ع) سبق الإماميْن أبو حنيفة ومالك بن أنس ولادة ووفاة.

* (باحث في العلوم الإسلامية)

____________________________

 * انظر: الطبري الإمامي، دلائل الإمامة، دار الأعلمي، بيروت، 1988، ص100.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023