الأزمة الدستورية في الحالة التونسية بين الانسداد السياسي والاحتكام الى الشارع..بقلم د زهير الخويلدي

الأزمة الدستورية في الحالة التونسية  بين الانسداد السياسي والاحتكام الى الشارع..بقلم د زهير الخويلدي

“ليس كل شيء سياسة، لكن السياسة تدور حول كل شيء.” نيكولا ماكيافيلي

تعيش تونس أزمة سياسية خانقة مست جل القطاعات وجميع المجالات وانتقلت عبر منابر الاعلام الى عقول الناس واراداتهم وهي تهدد بنسف المسار الديمقراطي برمته والعودة الى الحلول الشمولية التي عانت منها في السابق والتهديد بمصادرة الحريات التي تحققت بفضل نجاح الثورة الشعبية في إزاحة النظام الأمني البائد.

من جهة مقابلة ينظر التونسيون الى النظام السياسي الحالي بكثير من الريبة والتخوف من جهة ويشعر غالبية المعطلين والمفقرين بالغبن الاجتماعي واليأس النفسي والإحباط المعنوي من برامج الأحزاب والجمعيات ولم تعد الشرائح الشابة تعلق آمالا كبيرة على النخبة الحاكمة والطبقة السياسية والحقوقية التي تتحكم في المشهد.

لماذا وصلنا الى ما وصلنا اليه؟ وكيف انحدرنا الى هذا المستوى؟ وماهي الأسباب والعلل التي عفنت الوضع؟ ومن يتحمل مسؤولية التردي والانسداد؟ وما السبيل للخروج من الورطة واحياء التفاؤل وبعث إرادة الحياة؟ والى أي مدى نبقى مكتوفي الأيدي وفي موقع المتفرج من مجرى الحداث وفي خارج اللعبة السياسية برمتها؟ هل يجدي التعويل على القوى الإقليمية والدولية أم يجب أن تكون الحلول من الداخل وبالاعتماد على الذات؟ أليس الاستقواء بالخارج هو إعادة انتاج التبعية واثبات فشل القوى السياسية في التفاهم على إدارة الأزمة؟ وماذا سيقدم الاحتكام الى لغة الشارع غير استعراض العضلات وتبرير منطق الغلبة وصناعة مناخ العنف؟

يمكن تقديم جملة من الإشارات الأولية:

–         الاعتزاز بالدستور التونسي الذي انبثق عن مسار ثوري وتمت كتابته بطريقة مرنة وتشاركية ولكن المشكل في حدوث صراعات لحظة تأويله مثل بقية النصوص القانونية والدينية والفكرية الأخرى.

–         الانسداد السياسي الذي تشهده الحالة التونسية هو معطى طبيعي وأمر منطقي وشيء معتاد في ظل التجاذبات ومقاومة العالم القديم والعسر الذي يلاقيه العالم الجديد زمن الولادة والتشكل والبروز.

–         الاحتكام الى الشارع من أجل الاحتجاج هو مرفوض من جهة الشرعية ولكنه مقبول من جهة المصلحة ويعتبر مواصلة للمطلبية التي عرفتها الحركات الاجتماعية في الصراع ضد السلطة.

 

تكمن المشكلة التي جدّت في الأشهر الأخيرة في عودة الفاشية الى الحياة البرلمانية وتفشي الآفة البيروقراطية في الجهاز الإداري وغلبة التشنج الأيديولوجي على الخطاب السياسي الحزبي وانحياز المؤسسات الوطنية الى طرف دون غيره وغياب الوسائط التحكيمية والعقول المعتدلة وفشل المبادرات المقدمة وتتمثل طبيعة الأزمة السياسية في تنازع سلطة اصدار القرار بين القصور الثلاث (قرطاج وباردو والقصبة) حول إدارة شؤون الدولة وتنظيم العلاقات بين السلط والمؤسسات وتسيير المرفق العام ورسم السياسات المالية المستقبلية.

لقد اندلع صراع تأويلات من أجل تطبيق بعض فصول وبنود التي ينص عليها الدستور التونسي في أوقات الانتقال من حكومة الى أخرى وعرضها على البرلمان من أجل منح التزكية وأداء بعض الوزراء للقسم عند تعويضهم بغيرهم ولقد اشتد هذا الصراع في ظل عدم تركيز محكمة دستورية وعدم وجود اجماع برلماني وفي ظل عدم اختصاص الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين للنظر في النزاع الدستوري القائم. كما تم اقحام ممثلي السفارات الاجنبية في الازمة السياسية والاستقواء ببعض القوى الخارجية للتدخل فينا.

ما يعقد الوضعية أن الرباعي الراعي للحوار الوطني والذي فاز بجائزة نوبل للسلام لم يعد محايدا كما كان في الماضي بما أنه أصبح بطريقة او بأخرى يساند جهة معينة في الخلاف الدستوري على حساب جهة أخرى وكل منظمة وطنية لها قراءتها للواقع الراهن وتعتقد أن رؤيتها للحل ينبع من تصور الفاعلين فيها وناشطيها.

لقد بادرت بعض القوى اليسارية المهيكلة وغير المنظمة بالخروج الى الشارع في فصل الاحتجاجات ديسمبر -جانفي -فيفري ولوحت كالعادة بالعصيان ونادت بإسقاط النظام وظهرت للعيان حركة جيل الغضب الرافضة للمسار والمناقضة للكل والثائرة على الثورة وتعرضت عناصرها للإيقاف والاعتقال والتضييق على نشاطها.

في المقابل تم الاحتكام الى الشارع من طرف المعارضة البرلمانية الديمقراطية والقريبة من اتحاد الشغل ومن طرف القوى اليمينية الدينية الحاكمة بغية الدفاع على شرعية المؤسسات ودعم جهود الحكومة في القيام بالإصلاحات الهيكلية وتعزيز الانتقال الديمقراطي، وكانت القوى الدستورية الحرة قد سجلت حضورها في الشارع قبلها وطالبت برحيل المنظومة الحاكمة برمتها وإنقاذ الابلاد من مخاطر الغاء المكتسبات المدنية.

من ناحية ثانية زادت الأزمة الصحية التي سببتها جائحة كورونا في تقلص موارد الدولة وأثقلت النفقات على المصاريف الموجهة نحو خدمة النخب الحاكمة ميزانية الوزارات والصناديق الاجتماعية وتدهورت العائدات والمداخيل للعائلات وتراجعت المقدرة الشرائية للمواطنين وتضخمت المديونية وحجم الاقتراض الخارجي وتردت إنتاجية القطاعات الثلاث: الفلاحة والصناعة والتجارة واغلق الكثير من المصانع وتم تسريح العمال.

لقد وقع في الآونة الخيرة تسجيل انخفاض الترقيم السيادي للدولة التونسية مما يعني أنها تسير نحو اعلان افلاسها وذلك بسبب التفاوت الكبير بين الصادرات والواردات وتوقف الآلة الإنتاج للقطاع السياحي ومناجم الفسفاط وانتشار الفساد في مؤسسات الدولة وهدر الثروات الوطنية وتضخم كتلة الأجور بالنسبة لعدد السكان وتورط الحكومة في إطار أسلوب الترضيات في توقيع اتفاقيات هدنة مع القوى المحتجة لا تقدر على تلبيتها.

ربما اهم الأسباب التي أدت الى هذا الانسداد والتأزم هي نظام التفاهة وجعل التافهين أبطال ومنحهم سلطة القرار وابعاد الكفاءات عن المفاصل الحساسة في الدولة وافشال الناجحين وعرقلة المناضلين والعقول الحرة وافراغ الحياة السياسية من المودة والصداقة والتعاون والأخلاق وجعلها دسائس ومؤامرات وحروب وغنائم.

فماهي الفرضيات الممكنة والخيارات المستحيلة؟

–         تقديم الاستقالة من طرف أحد المتصارعين أو كلهم

–         القيام بالإقالة عن طريق سحب الثقة من ٍرأس أحد السلط

–         ترميم المسار بواسطة استكمال بناء الطاقم الحكومي

–         تثوير المسار من خلال تعديل الدستور والنظام السياسي

–         التفويت السلمي في المسار عبر احياء النظام القديم

–         الانقلاب بالقوة على الحكم البرلماني وتركيز حكم رئاسي

–         الاحتكام الى الشارع واسقاط النظام بالاحتجاج

–         العصيان المدني والتعبير عن الإرادة الشعبية

–         الغاء نتائج الانتخابات واستفتاء الشعب وتنظيم انتخابات جديدة

–         سناريو آخر غير متوقع ويمثل مخرجا مشرفا للجميع

إذا كان السياسي يقيم بالنتائج التي يحققها سواء بالنسبة للدولة أو للشعب فإن السياسي الجيد هو الذي يعتمد على أساليب مهذبة ويكسب المصداقية ويبني توافقات صلبة تفضي الى تحصيل نتائج جيدة ذات فائدة للكل.

هناك خيارات مستبعدة ومرفوضة وتبدو مستحيلة وغريبة عن الحالة التونسية مثل الانقلاب السياسي واحياء النظام القديم كما كان والمضي في اغلاق الفضاء العام وتركيز الدولة الأمنية والإبقاء على الأوضاع متدهورة وتأبيد الأزمات المتناسلة من بعضها البعض وهناك خيارات ممكنة ومطلوبة ونافعة ومنتظرة لتنشيط الحياة السياسية وحلحلة الأوضاع واحياء مبادرات النقاش العام والحوار المتمدن والتفاوض بين الشركاء في الوطن.

الحكمة السياسية هي التسلح بالحصافة عند أداء الأمانة والإخلاص عند تحمل المسؤولية في تنظيم شؤون الناس والفطنة في القرار والاعتدال في تسيير الحياة العامة وتوجيه أعمال الفاعلين نحو المصلحة المشتركة.

المطلوب التحلي بثقافة المصلحة الوطنية وتقديم سلامة الوطن وضمان استمرارية الدولة وابعاد الإدارة عن التجاذبات وتقديم التنازلات عن المصالح الحزبية والمنافع الضيقة وتأجيل المعارك الأيديولوجية والسياسية والتفكير ضمن ارادة العيش المشترك والتسامح والبحث عن المحاور المتفق عليها وفض النزاعات بالعقل والحكمة والحوار وتجنب البدائل القصووية العنيفة والخيارات الاقصائية والمحافظة على التعددية والتنوع.

-إطلاق سراح كافة الموقوفين على أساس مشاركتهم في الاحتجاجات الأخيرة والكف عن تعقب الناشطين.

– المسارعة بتركيز محكمة دستورية واستكمال بقية المؤسسات الدستورية واجراء تنقيح للقانون الانتخابي.

– تفعيل منظومة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني التي حظيت بإجماع مختلف الأطراف في الساحة السياسية.

-ابرام عقد اجتماعي جديد ينظم العلاقة الإدارية بين السلط الثلاث مما يعطي العمل الاداري نجاعة واتقان.

-إيجاد تمويل محترم ومدروس للمشاريع التنموية المعطلة واحياء مشاريع اقتصادية ذات طاقة تشغيلية عالية.

-اجراء حوار وطني حول اصلاح المرفق العام وتعزيز قدرات الدولة في التعليم والصحة والنقل والتعمير.

-استكمال مسار الثورة من خلال رد الاعتبار للضحايا وعائلات الشهداء وتكريم المناضلين من كل العائلات.

-المضي نحو المصالحة الشاملة بين مختلف القوى الوطنية وعلاج اهانات الذاكرة وجراحات التاريخ بالصفح.

-التخلي عن البرغماتية الفجة والنفعية الساذجة وايثار المصلحة الشخصية واتباع سياسة واقعية وإيتيقا نقدية.

– الكف عن التخوين والتفرقة والتطبيع والتنازل وإيقاف حالة حرب الكل ضد الكل وبناء حالة مدنية مستقرة.

– ضرورة الانتقال من السياسي المناقش الذي يقدم وعود الى السياسي المسؤول المقنع الذي يقوم بإنجازات.

-الناس لن تمنح الرضا ولن تهتم بالسياسة الوطنية الا إذا اهتم السياسي بهم وأولى عنايته بالسيادة الوطنية.

– السياسة ليست علما صحيحا ولكنها علم المتطلبات والمهارة التي تحدد الأولويات والبرامج والمقررات.

-الابتعاد عن ممارسة السياسة كفن التمييز بين الأعداء والأصدقاء وتقليل الأعداء وتوسيع دائرة الأصدقاء.

-في السياسة الفرضيات المستحيلة ليست عوائق ممتنعة وبل وضعيات للانطلاق وفرص عمل للسياسي.

– السياسة ليس ميدان الكلام بصوت عالي والقاء الخطب الكاذبة بل أداة للتكييف الجماعي ومعادلة أبدية.

-لكن اذا كانت الذاكرة الجمعية مجروحة فماهي المصالحات المطلوبة في هذه المرحلة من الانتقال؟

” من يريد الحرية والأمن والتقدم لبلده، فليعمل على فك شفيرة الجينة السياسية للزعماء الوطنيين”

تعد جمهورية تونس من أكثر الدول العربية والإفريقية والإسلامية تجانسا على مستوى الخصوصية الديموغرافية والنسيج السكاني وذلك لتجاوز الدولة الوطنية المسالة القبلية وللوحدة المذهبية وعراقة الحكم المركزي وشعور التونسيين بالانتماء المشترك الى الفضاء الجغرافي السياسي الذي اصطلح على تسميته “إفريقية” في الموروث الشعبي والخضراء التي توجد فيها القيروان وقرطاج وقابس وتوزر سوسة وباجة وبنزرت. لكن هذا الترابط لا يمنع من وجد نزاعات بين ابناء الوطن الواحد على مر التاريخ وهذا الانصهار لم لا يخلو من الانقسام بسبب العوامل الخارجية والظروف الداخلية القاهرة ولد عدة جراحات للذاكرة الوطنية وفترات سوداء سجلها التاريخ المدون للمجتمع التونسي وعرف فيها كثير من الفوضى والقليل من النظام.

ربما بدأ الانقسام في الفترة الوسيطة منذ نشوب خلاف مذهبي بين أنصار الدولة الفاطمية ذات المذهب الاسماعيلي الشيعي وأنصار الدولة الحفصية ذات المذهب المالكي السني وقد سبق للثائر صاحب الحمار المسمى مخلد بن كداد اليفرني والملقب بأبي يزيد أن واجه الخلافة الفاطمية في المهدية انتصار للمذهب الخارجي وبرز بعد ذلك محرز بن خلف الذي حرص على تطهير البلد من أتباع الفاطميين وحماية اليهود.

غير أن التصدع القوي الذي حدث للذاكرة الوطنية هو الذي حصل زمن الدولة الحسينية بين حسين باي وابن أخيه علي واشتهرت بالفتنة الحسينية وهي أول حرب أهلية تونسية بعد فك التبعية عن الباب العالي العثماني وفرض ضريبة على السفن الأوروبية المبحرة في البحر المتوسط والراسية في الموانئ التونسية.

لقد عرفت الحركة الوطنية في نضالها ضد الاستعمار الكثير من الخلافات والتبانيات بين أعضاء حركة الشباب التونسي وبين قيادات الحركة الدستورية على غرار عبد العزيز الثعالبي والحبيب بورقيبة وبين زعماء الحركة العمالية والنقابية ونخص بالذكر دون الحصر بلقاسم القناوي ومحمد علي الحامي والطاهر الحداد والشهيد فرحات حشاد، و نشب توتر بين الحزب الشيوعي التونسي والحزب الاشتراكي الدستوري وبين الزيتونيين والدساترة وبين طلبة الزيتونيين وطلبة المدرسة الصادقية وبين دعاة النضال السلمي والحوار مع المستعمر ودعاة النضال العسكري وإخراج المستعمر بالقوة وبين البورقيبين واليوسفيين وبين منظوري الاتحاد العام التونسي للشغل وأرباب المال في اتحاد الصناعة والتجارة، ونشب صراع حاد صلب الحركة الطلابية بين اليسار والقوميين وأجهزة نظام الحزب الحاكم الدستوري وبين الحركة الاسلامية والدولة الأمنية وبين رابطة حقوق الانسان والحكم النوفمبري وبين المعارضة الديمقراطية وحكم العائلة الواحدة المفسدة.

كل هذه الخلافات ولدت سوء تفاهم تاريخي بين مكونات المجتمع التونسي وخلّفت صراعات وتصفية حسابات وإهانات وجراحات في الذاكرة الوطنية لم يتم ترميمها ونسيانها بسهولة وبقيت في اللاوعي الجماعي وولدت احساسا بالقهر والتمييز لدى سكان المناطق الداخلية والارياف المنسية كيديا والمهمشة عقابيا.

على الرغم من هذه الانقسامات والخلافات تبقى تونس واحة سلم وفضاء للتعايش ومنطقة حضرية بامتياز يتشكل فيها الإحساس بالانتماء وتتقوى على أرضها علاقات الصداقة والمحبة وتبقى قبلة للمشتاق ووجهة السياح ويتحلى أهلها بالمضيافية والكرم وقبول الوافدين وحسن الجوار وتغليب ارادة الحياة على غريزة الهدم والاستعداء وتتعزز في مدنها وقراها مشاعر التقارب والتعاون على خدمة البلد وفداء راية الوطن المفدى.

من الواضح أن بناء الوحدة الوطنية والتعويل على المشترك وإرادة العيش السوي بين مختلف مكونات البلد يقتضي مصالحة شاملة بين الجميع والصفح عما سلف وطي صفحة الماضي وعلاج الذاكرة بالغفران وإيجاد وساطات سردية بين الضحايا والمسؤولين عن التجاوزات والتصريح بالأخطاء والمجاهرة بالحقيقة وطلب الاعتذار والعفو من الشعب والتعهد بالإقلاع الفوري عن إعادة إنتاج المظالم والكف عن الازدراء والتظالم.

كما يجب أن تتشكل الكتلة التاريخية التي تطمح الى بناء عقد اجتماعي جديد على أساس تفاهم شامل بين القوى الوطنية على أساس انحياز تام للسيادة الشعبية والدفاع على منظومة المواطنة والحريات ككل لا يمكن تقسيمه وعلى أساس فرز نضالي حقيقي يساعد على ولادة جديدة لتونس ضمن مشروع تكاملي يجمع بين استكمال مبادئ الثورة ويدافع على المرفق العام والاقتصاد الوطني المنتج ويقاوم لولبيات الفساد والافساد ويتصدي للمؤامرات التي تحاك في الغرف المظلمة ويضع حد لإهدار الثروات البلاد ويصون المصلحة المشتركة.

يجب قبول الغيرية والتواصل مع المختلف وتشريح التنوع واحترام الخصوصيات ومنح الرأي المغاير فرصة للتعبير عن وجهة نظره والاعتراف العادل بين القوى المتباينة والتعاون على ادارة الشؤون العامة للدولة وتدبير الاختلاف بالرفق والالتزام بالمنحى السلمي والمدني في فض النزاعات ورفض كل أشكال العنف والامتناع عن اللجوء الى الحرب والابتعاد عن حسم الصراعات بالاجتثاث والتخوين والإقصاء والتهجير. فمتى يعود الرشد الى النخبة السياسية؟ ومتى تكف التجاذبات وتوضع في الحسبان المصلحة العليا للوطن؟

 

في نهاية المطاف لن يجدي نفعا في هذه البلاد كل من استقوى بالأجنبي واحتمى بالسفارات الأجنبية واشتغل راعيا لمصالح القوى الإقليمية في تونس ومنفذا لتعليماتها وبرامجها في المنطقة، ولن يفز بأي شيء كل من دافع عن أجندات خارجية ولن ينجح في مخططاته كل من تمترس وراء المواقف المتأدلجة المتحاملة على الثورة والدولة من داخل الأجهزة والمنظمات ويهرب الى الأمام ويتغول على المسار ويمارس الغلبة السياسية.  أفلا تعني الحكمة السياسية الحذر من العواقب والتنبيه على المخاطر الكارثية وجلب الخير العام للسكان؟ فمتى نستيقظ في هذه الأرض على أنغام جديدة ونحقق معا أحلاما سعيدة ونعيد للشعب الأمجاد التي ظلت بعيدة؟

مداخلة تم تقديمها في الندوة الافتراضية لمنتدى الجاحظ المعنونة: التأزم السياسي بين تأويل الدستور ومنطق الغلبة، بتاريخ الجمعة 05مارس 2021

*كاتب فلسفي

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023