#الأزمة_السِّياسيّة.. الأكثر تعقيداً في تونس..!!

#الأزمة_السِّياسيّة.. الأكثر تعقيداً في تونس..!!

الأزمة في تونس معقدة و مركبة بسبب مشهد سياسي مشوّه، نتيجة إختلاط الأدوار بحيث أصبح كل متابع للشأن الوطني غير قادر على التمييز بين المعارضة و الحكومة..

الأزمة السّياسيّة تسببت في عناد سياسي و صراع بين ثالوث الحكم وساهمت في تشكل خريطة سياسية جديدة مبنية على تحالفات بمنطق الغنيمة و لا شئ غير الغنيمة ..، و الصراع السياسي في تونس اليوم ليس صراع برامج ومشاريع و مبادرات ؛ بقدر ما هو صراع رموز ومرجعيات ترى لنفسها الأحقيّة بالسلطة دون غيرها، ودون رصيد يذكر إلاّ بعض الشعارات الرنّانة و الشعبويّة، و أيضاً صراع عائلات ولوبيات وجهات حكمت البلاد بيد من حديد ، وترى أنّها الوريث الشرعي للسلطة والمال؛ في ظل ان الجهات الداخلية المهمشة إندثرت تحت ركام الفقر والبطالة والتهميش والإقصاء والاحتقار، لقد أوجعتم رؤوسنا بخطابات شعبويّة جوفاء ، و أوجعتم الشعب بالكذب و النفاق..!! ، نعم .. !! لقد أوجعتم الديموقراطيّة يا من تدّعون الديمقراطيّة..!!

لا يبدو الحل يلوح في الأفق؛ لأن المشهد السياسي التونسي يتعقّد يوماً بعد آخر، والأوضاع تبدو جامدة تراوح في مكانها، والتونسيين ينتظرون الحلول العاجلة التي يطالب بها المتظاهرون دون أذن تصغي إليهم، وكثيرون يحلمون بوصفة سحرية أو دواء شافٍ، بينما يكمن الحل في الواقع، لا تزال حكومة المشيشي تنتظر أداء اليمين لوزرائها الجدد، بعد أن اختار رئيس الحكومة المرور بقوة والذهاب بوزرائه لنيل ثقة البرلمان، بعد رفض رئيس الجمهورية كل من تعلقت بهم شبهات فساد أداء اليمين الدستورية أمامه، مما فتح الباب لسيناريوهات جديدة قد تعقد الأزمة الراهنة .. مما عمق هوة الأزمة السياسية و الإجتماعية ، و الحكومة عليها أن تتخذ الخطوات العملية لإخراج البلاد من هذه الأزمة، وباتت مطالب المتظاهرين حاجة أساسية في الشارع التونسي ، وهي إصلاح الأزمة الحالية ووضع البلاد على السكّة الصحيحة ، و في الأثناء لا تزال الأحزاب تتخبط ولا تعرف كيف تتصرف إزاء الأوضاع المتأزمة بعد أن تزعزعت كثير من القناعات، وبات المشهد السياسي صعباً على الجميع و يتطلب و بأسرع وقت ممكن معالجته قبل فوات الأوان..

ما يميز حكومة المشيشي هو أنها أولاً من أضعف الحكومات التي عرفتها البلاد منذ ثورة “سبعطاش ديسمبر “، وهي لا تحظى، بدعم حزبي يتحمل معه مسؤولية الإخفاق، ولا بدعم من الرئاسة وستكون في مواجهة ضغوط وابتزازات الأطراف التي صوتت لها من جهة وضغوط الأطراف التي تعارضها في البرلمان من جهة أخرى ..و تأتي في ظرف أزمة غير مسبوقة من الناحية الاقتصادية والمالية والاجتماعية ، وهي أزمة فاقمتها جائحة الكورونا دون أن تكون لهذه الحكومة الوسائل للتخفيف من حدتها وخاصة من انعكاساتها الاجتماعية الخطيرة وسط الإحتقان و الغليان الشعبي..

الدوّامات السّياسية المتوالدة عن بعضها والمعبّرة عن نفسها في الكثير من الظواهر والممارسات العملية التي تشهدها الساحة السّياسية لا تمت بصلة إلى مبادئ الديمقراطية السليمة، و لاتخدم الوطن المتهاوي جراء الأزمات المتسارعة و الغير مسبوقة.. السياسة اليوم أصبحت تمارس بانتهازية سياسية مفرطة، هذه التفاعلات السلبية نتيجة حتمية لغياب الحوار الوطني، بسبب رفض بعض الأطراف الاستجابة لدعوات الحوار بسبب الصراعات الإيديولوجية و المكايدات السياسية،أفقدتها مشاعر الإحساس بالواجبات والمسؤوليات الوطنية تجاه تغليب المصلحة العليا لتونس ،

الاضطرابات الراهنة في المشهد السياسي التونسي هي بداية الفشل والانهيار الوشيك.. بينما إنشغلت الأطياف السياسية المتصارعة فيما بينها بالمكايدات و التطاحن على حساب دولة متهالكة على كل المستويات ، أصبحت حرب سياسية ساخنة و عناد سياسي معقد و عقيم و غير محسوب العواقب بالإستقطابات الثنائية و بالتالي أنتجت استقطاباً سياسياً حاداً أدى لتعطيل كثير من خطوات العمل في المرحلة الانتقالية وإجهاض أي شكل من أشكال التقارب والتوافق الوطني، وبالتالي استفحال فسادها وخطرها وفعلها التخريبي الذي يتجلى اليوم من خلال تقويض العملية الديمقراطية و إستقرار البلاد و الحياة السياسية ، ومحاولة تعطيل المؤسسات في حين ان الوطن يدفع الثمن باهضا بالصراعات و المراهقة السياسية و افتعال الأزمات, وتحويل أية قضية خلافية أو مبادرة إلى أزمة جديدة داخل البرلمان بهدف شل الحياة البرلمانية وإنتاج المزيد من حالة التمزق والضعف والانهيار.. أرحموا هذا الوطن و كفوا عن العبث، المسار الخطير الذي تسير فيه البلاد تداعياته غير محسوبة العواقب ،

لا بد من الاعتراف أولاً بفشل حكام تونس بعد الثورة في تغيير المشهد التنموي والإجتماعي وذلك لأسباب بعضها ذاتي والآخر موضوعي، وقد زادت جائحة كوفيد 19 من تعقيد الوضع ممَّا عجل بموجة من الاحتجاجات المطلبية، التي كانت المطالب فيها واضحة، وتتمثل أساساً في حقوقهم من العمل والعيش الكريم.. و الواضح أن الاحتجاجات تترجم الأزمة التي استفحلت في مواقع القرار في تونس، أزمة طالت كل مؤسسات الدولة من البرلمان ورئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية، سواء على مستوى أداء هذه المؤسسات أو على مستوى شرعيتها، و مواجهة هذه الاحتجاجات السلمية بالقمع، و اللجوء إلى مزيد من استخدام العنف سيؤدي إلى تزايد مطالب الشباب بإسقاط النظام برمته، و الواضح و أن المشهد السياسي في تونس اليوم أصبح معقداً جداً ولاسيما بعد مرور أكثر من شهر على الإحتجاجات ، و هذا التعقيد الذي يتسم به المشهد السياسي حالياً يأتي رغم الإيجابية التي يتسم بها من حيث فاعلية المشهد وتعدد الفئات الاجتماعية و السياسية المشاركة وتزايد حجم المشاركين، وانضمام أحزاب من داخل و خارج البرلمان، و يبدو أن الحل لازال غامضاً رغم رفع سقف مطالب المعارضة للشارع السياسي بإسقاط النظام والتغيير السياسي الشامل،
و يبدو انه هناك حلاً واحداً لما يجري في تونس يتمثل في التغيير السياسي الشامل، والذي يمكن أن ينفذ بطريقتين إحداهما بيد الرئيس و أخرى بيد الحكومة وذلك بالعمل على تغييرات واسعة في بنية السلطة والدولة تنفيذاً لمطالب الشارع السياسي و الحراك الإجتماعي وإخراج العملية بطريقة بعيدة عن العنف.

ولا يزال المشهد ضبابيا في تونس بشأن التحالفات التي ستُصاغ في المستقبل القريب وسط تصاعد للاتهامات بين مكونات المشهد السياسي ما جعل التحذيرات تتالى من أزمة غير مسبوقة قد تنزلق نحوها البلاد..

البلاد وصلت إلى حدّ لا يمكن الإستمرار فيه بعد ان وصل المشهد السياسي الحالي إلى نقطة صفر نجاعة سياسية في ظل استمرار الصراع والتنافر بين الأحزاب الممثلة داخل البرلمان وكذلك إلى الحرب الباردة بين ثالوث الحكم (رئاسة وحكومة وبرلمان).. صراع تموقع مستمر وتنازع على الحكم وإدارة البلاد، ويحصل ذلك في مناخ من عدم الثقة بين الأطراف السياسية، وبقايا صراعات أيديولوجية قديمة، أهملت في طريقها ملفات الثورة المهمة واستحقاقات التونسيين، الذين ثاروا من أجلها، ما يدفع إلى التساؤل حول الأسباب العميقة للفشل المتكرر للحكومات المتعاقبة.. و بالتالي الوضع الحالي لا يجب أن يستمر، ولا يمكن أن تنجح أي حكومة في الاستجابة لمطالب الشعب اليائس ، المهمش و الغاضب ، إذا لم يتوفر لها مناخ سياسي مبني على الثقة المتبادلة وآلية مشتركة ناتجة عن تفاهمات مسؤولة وخالية من نوازع الكيد والانتقام و الإبتزاز السياسي وتحقق إجماعاً وتوافقاً سياسياً مع كل القوى، دون ذلك، فهو عبث سياسي و مضيعة للوقت، في ظل ان البلاد تتجه بأقصى سرعة نحو الهاوية..!!
يزّي من الشعبوية و من العبث و تحملوا مسؤوليتكم و أحكموا البلاد و أنقذوا العباد و إلاّ سيلفضكم الشعب التونسي الزوّالي و يحاسبكم عاجلاً أم آجلاً ..!! “وعلى نفسها جنت براقش”.

 

#الناشط_السياسي محمد البراهمي

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023