الإتفاق الإستراتيجي بين إيران والصين وتداعياته…بقلم محمد الرصافي المقداد

الإتفاق الإستراتيجي بين إيران والصين وتداعياته…بقلم محمد الرصافي المقداد

إنتصار جديد وإنجاز بالغ الأهمية، حققته الدبلوماسية الإيرانية، بتوقيع إتفاق استراتيجي مع الصين الشعبية، من شأنه أن يسقط أهداف أمريكا في بعزل إيران اقتصاديا في الماء، وتتوالى التوفيقات والإنتصارات، بفضل سياسة إسلامية دقيقة في تخطيطها، صادقة في وعودها، ويزداد الشيطان الأكبر وحلفه فشلا وانتكاسا يوما بعد يوم.

هي لا محالة أكثر مفاجأة يمكن عدّها، بعدما ظهرت على واجهة السياسة الآسلامية الإيرانية، أفرحت الشعب الإيراني من جهة، واثلجت صدور مؤمنين بها من خارج إيران منتشرون في أصقاع العالم، فعلى الصعيد الداخلي استطاع النظام الإسلامي أن يحافظ على استقرار السلم الإجتماعي، والتفاف الأعراق والأقليات حول مشروعيّته، فلم تؤثر فيها المؤامرات التي استهدف تفكيك وحدتها واجتماعها وبذلها الوطني، رغم الحصار والعقوبات الجائرين، المسلطين من طرف زعيمة الإستكبار العالمي أمريكا، المتغطرسة في قرارتها الظالمة بحق إيران، والتي استهدفت خنق اقتصادها، بما من شأنه أن يحوّل منها واستقرار شعبها وتماسكه، إلى حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، ويبدو أن الأمريكيين لم يدرسوا حقيقة الإيرانيين وما يميزهم عن بقية الشعوب، من صلابة مواقف، وخبرة طويلة في مجال السياسة تتجاوزهم بآلاف السنين، فليس من كانت حضارته تنافس بقية العالم، وتعطيه من دروس التعامل وأخلاقيات الانسان السّليم، كمن ولد لقيطا، ونشأ بعد ذلك جرما غاصبا، وهنا تُعرَفُ حقائق الأشياء بأضدادها.

إزاء ما تعرضت له إيران من مؤامرات، كان آخرها حقها المشروع في نشاطها النووي السلمي، الذي رغم موافقتها شروطه ونزلها عند بنوده، تعبيرا عن حسن نيتها، وسلامة برنامجها من أي شبهة قد تطرأ من طرف الموقعين عليه، فإنّ تنازلاتها وتطبيقها لبنوده كاملة دون ان تحصل على شيء حتى رفع العقوبات عليها لم يحصل بإصرار أمريكي، على مواصلة سياسة العداء لإيران، ومحاولة تركيعها بالاستمرار في نهج نفس السياسة العدوانية، التي مضى عليها الرئيس الأمريكي المتخلي، وغلّفها الرئيس الجديد (بايدن) بغلاف التفهّم، لعودة بلاده إلى الإتفاق، مشروطا بتراجع إيران عن قراراتها التي اتخذتها، بالتخلي تدريجيا عن التزاماتها، بما تسمح لها به بنود الإتفاق، بناء على إخلال الأطراف الغربية الموقعة بتعهداتها، وتلكؤ الجانب الأمريكي في رفع العقوبات عنها، بخبث العدو الذي يطمح لنيل مزيد من المكاسب لصالح ربيبه الكيان الصهيوني.

لم تنتظر إيران أن يأتيها حلّ أوروبي أو أمريكي، وهي على قناعة من أن ذلك من الصعب أن يتحقق، فقد اختارت منذ سنوات أن تتوجه الى الشرق، وتبدأ مشاوراتها مع المارد الأصفر الصيني، بدء من إحياء طريق الحرير، إلى التحضير لتعاون أشمل وأكبر، بين البلدين المعاديين للإستكبار الأمريكي، والواقعين تحت تهديده ووعيده وعقوباته، وقد اسفرت المفاوضات الطويلة، الممتدة خمس سنوات على مسودة اتفاق تعاون شامل، أنجزت طول تلك المدّة، ووقع عليها الطرفان نهائيا منذ يوم، وعبّر عنها الطرفان بالشراكة الإستراتيجية.

كشفت عضو هيئة المندوبين بغرفة تجارة وصناعة طهران عن إبرام إيران والصين عقوداً بقيمة400 مليار دولار، يتم بموجبها ترسية المشاريع على الشركات الصينية دون ضرورة المشاركة في المناقصات، وكانت ” العربي الجديد” قد نشرت تقريراً عن هذه الصفقة قبل أسبوعين اعتمادا على تقرير لمجلة ” بتروليوم إيكونومست” الأميركية، وأوضحت المسؤولة الإيرانية (فریال مستوفي)، في جلسة هيئة مندوبي غرفة تجارة وصناعة طهران اليوم الثلاثاء، أن الشركات الصينية تحدثت عن إبرام هذه العقود، التي بموجبها ستتولى بكين المشاريع دون مناقصات، واعتبرت أن ذلك يعد حدثاً عظيماً، مشيرة إلى أن “إيران ستقدم خصومات بين 20% و30% عند بيع النفط للصين”، وفقا لما نقلته وكالة “فارس”.

وفي وقت سابق ذكرت تقارير أن الصين تعتزم استثمار عشرات مليارات الدولارات في قطاعات النفط والغاز والبتروكيميائيات الإيرانية، التي تضررت جراء العقوبات الأميركية، ونقلت مجلة Petroleum Economist عن مصدر إيراني رفيع المستوى قوله، إن الاستثمارات الصينية تشكل النقطة الرئيسية في اتفاق جديد بين الدولتين، تم تأكيده أثناء زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى الصين أواخر أغسطس/آب الماضي لتقديم خارطة طريق لاتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة المبرمة عام 2016.

ويأتي ذلك في وقت تخضع فيه إيران لعقوبات قاسية من قبل الولايات المتحدة، وخاصة قطاع النفط لقطع مصادر الدخل عن طهران في محاولة لإرجاعها إلى طاولة المفاوضات بشأن الاتفاق النووي.

وسيجري دفع هذا المبلغ الهائل خلال السنوات الخمسة الأولى من سريان الاتفاق، مع إمكانية تقديم استثمارات إضافية في الفترات المماثلة اللاحقة في حال موافقة الطرفين.(2)

في مجال التعامل الخارجي لم يؤخذ على إيران الإسلامية أي تنازل من شأنه أن يمس من مبادئها، أو يمثّل انقلابا على ما ثبّتته في علاقاتها مع دول العالم، ومواقفها المبدئية من التبعية والعمالة للدول الغربية لا تحتاج الى إثبات، وجميع مساعيها لتحرير شعوب غارقة في مستنقع الاستعمار السياسي كما هي حال الشعبين الفلسطيني واليمني معبّرة بقوة على نهجها الوسطي وشعارها الذي رفعه قائد ثورتها المباركة (لا شرقية ولا غربية اسلامية) لا تزال صيحات شعبه مدوّية إلى اليوم، وأفكاره سارية في دستور إسلامي عتيد، يطبق بمنتهى الدّقة، ودون أدنى تأويل، قد يحرّفه عن هدفه في الاستقلال والعزة والكرامة.

خلاصة القول أن أمريكا ومن معها، قد شربوا اليوم كأسا مرّة كالعلقم، بعدما شهدوا اتفاقا استراتيجيا شاملا بين إيران والصين، من شأنه أن يدفن العقوبات الأمريكية المسلطة على إيران نهائيا، والخاسر اليوم بحقّ هي أمريكا ومعها دول الغرب، التي ستخسر أكثر، في صورة ما إذا بقيت على وضعها السلبي، ولم تتحرك لإنقاذ ما بقي من فرصها الإقتصادية في إيران، وإجبار أمريكا على رفع العقوبات على إيران، وبالتالي التخلص من تبعاتها المعرقلة لشركاتها، لننتظر ولنرى إلى أي حدّ ستواصل الدول الغربية سياستها الخاضعة للأوامر الأمريكية، تحت ظل جائحة كورونا، التي ضعضعت اقتصاديات دول كبرى.

المراجع

1 – رغم عدم الإعلان عنها.. “نيويورك تايمز” تنشر “تفاصيل الاتفاق الصيني الإيراني” استنادا إلى مسودة https://arabic.rt.com/world/1215893-

2 – إيران والصين تبرمان عقودا ب400 مليار دولار  https://www.alaraby.co.uk/

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023