الإتفاق النووي ما بين الضجيج الإسرائيلي وتسييس وكالة الطاقة الدولية…بقلم م. ميشيل كلاغاصي

الإتفاق النووي ما بين الضجيج الإسرائيلي وتسييس وكالة الطاقة الدولية…بقلم م. ميشيل كلاغاصي

على الرغم من تناوب أجواء التفاؤل والتشاؤم , حول اقتراب التوصل إلى توقيع الإتفاق وعودة خطة العمل الشاملة المشتركة الجديدة إلى حيز التنفيذ , لا يزال الطرفان الأمريكي والإيراني يعتقدان بإمكانية التوقيع , في حال تم تجاوز تفاصيل العثرات الأخيرة , وبوضع نقطة النهاية “للعبة” شد الحبال , والإنتقال من مرحلة التشكيك إلى الوضوح واليقين والثقة , بالتوازي مع حاجة ومصالح جميع الأطراف لتوقيع الإتفاق , والإبتعاد عن التفكير والتهديد باللجوء إلى الخيارات العسكرية , واستحضار اسطوانة “اقتراب إيران من إنتاج الأسلحة النووية” , كلما أراد الرئيس بايدن استعراض عضلاته وتأكيده “منع إيران من إمتلاك السلاح النووي” , بهدف احتواء الضغوط والمواقف الإسرائيلية الرافضة للإتفاق الإيراني – الدولي , وكل ما تقوم به حكومة “المهرج” لابيد , وجعجعة غرفة العمليات الإسرائيلية في واشنطن , والزيارات إلى ألمانيا , التي تشكل في حقيقتها تحركات ومواقف تبحث عن صداها في الداخل الإسرائيلي والإنتخابات القادمة , ولا تجد لها صدى وتأثير كبير على الإتفاق , فمصالح جميع الأطراف كبيرة وتتخطى المصلحة الإسرائيلية.
من المهم التركيز على مشروعية المطالب الإيرانية , حول ضرورة توقف الوكالة الدولية للطاقة الذرية ذرائعها وتحقيقاتها بشأن ما تسمى “النشاطات السرية الإيرانية في ثلاث مواقع غير معلنة” , في الوقت الذي تتصيد وتتوقع فيه واشنطن حصولها على نتائج التحقيقات بالكيفية التي تدعم مواقفها وخبثها , كنتيجة مباشرة لإستمرار تسييس اّلية عمل الوكالة , وانحيازها نحو المصالح الأمريكية.
وفي الوقت الذي تطالب فيه إيران وبإصرار للحصول على الضمانات السياسية والإقتصادية والقانونية الموثوقة من الطرف الأمريكي , لعدم تكرار ما حدث مع مجيئ ترامب وحكومته ثانيةً , يتجه الأمريكيون نحو التشكيك بنية إيران للعودة إلى الإتفاق , على الرغم من حاجة الديمقراطيين للإتفاق لتحسين صورتهم في الداخل الأمريكي , ولتسجيل إنجازٍ تحت قيادة الرئيس بايدن , كما يلقي الوزير أنتوني بلينكن اللوم وإضاعة الوقت على الجانب الإيراني , ويعتبر أن رد إيران على مقترحات الإتحاد الأوروبي “يعد خطوة إلى الوراء ما يجعل من غير المرجح الوصل إلى إتفاق على المدى القريب” , فيما يتجه الأوروبيون نحو الضغط على إيران حيال مطالبها بوقف تحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية , ويرفضون تمسك إيران بهذا المطلب , ويبحثون عن حلٍ وسطي , وسط “توقعات” جوزيب بوريل “بعدم حصول اختراق حالي” للعقبات والعثرات الحالية , ويطرح السؤال نفسه هل يبحث الأمريكيون والأوروبيون عن تأجيل التوقيع , تحت ذريعة تحضير الرد الإيراني على أسئلة وكالة الطاقة الذرية , وخروج واشنطن من انتخاباتها , وعدم إقحام الإتفاق النووي في السجال الإنتخابي ؟
بات من الواضح تمسك إيران والولايات المتحدة والدول الأوروبية بالإتفاق , وبدعمٍ روسي وصيني , وبعدم وجود مصلحة لأي طرف من الأطراف بالتخلي عنه , وسط والإجماع الضمني على رفض الخيارات العسكرية , وحاجة الأوروبيين للغاز الإيراني , وحاجة إيران لرفع العقوبات وتحرير أموالها المجمدة وتجارتها.
ومع طول ذراع الهيمنة الأمريكية وامتدادها نحو عمق مركز صنع القرار في الوكالة الدولية للطاقة الذرية , تحاول هذه الأخيرة عبر تحقيقاتها المزعومة تعبيد طريق المصالح الأمريكية على حساب المصالح الإيرانية , بالتواطئ مع الأوروبيين والإسرائيليين , واتجاه الوكالة نحو لعب دورٍ سياسي أكثر منه فني ومهني , بهدف تحويل العقوبات على إيران من أمريكية إلى أممية ممهورة بخاتم مجلس الأمن الدولي.
وبالرغم من ذلك , أبدت جمهورية إيران الإسلامية المرونة الكافية , وتخلت عن مطالبها بشطب الحرس الثوري عن لائحة الإرهاب الأمريكية والخاضعة لعقوباتها , على الرغم من الدور الإقتصادي والعلمي والإجتماعي الذي يقوم به في إيران , ولا تزال إيران تؤكد “إلتزامها بالتوصل إلى الإتفاق , وبإمكانية تحقيقه فيما لو تحلى الأمريكيون بالواقعية” – بحسب وزير خارجيتها أمير عبد اللهيان – , وأعادوا التفكير في طرح ملف تحقيقات الوكالة الذي تم إغلاقه منذ العام 2015 , وفصل تدخلهم في الإنتخابات الإسرائيلية لصالح نتنياهو أو لابيد , عن طريق الإتفاق النووي , ومسرحية تأثرهم وخضوعهم للضغوط الإسرائيلية , في وقتٍ قدمت فيه سلطات الكيان الإسرائيلي المتعاقبة نفسها على أنها “دولة” مارقة , ليس فقط لقفزها وتخطيها القوانين الدولية , بل لرفضها في هذا السياق تحديداً , التوقيع على إتفاقية منع انتشار الاسلحة النووية.
بات من الضروري دعم النظام العالمي الجديد , بما يضمن لجم الهيمنة الأمريكية والعربدة الإسرائيلية , اللذان يقفا حائلاً أمام مصالح وطموحات الدول والشعوب في الحصول الطاقة النووية السلمية.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023