الإجرام والغطرسة الاسرائيلية في سوريا يدعو لكارثة

ترجمة : الدكتور بهيج سكاكيني |

الكاتب: Finian Cunningham

المصدر: Strategic Culture Foundation

لقد تحولت القوات الاسرائيلية من مبدأ ” الحرب بالخفاء” الى الاعلان عن العدوان علنا على سوريا. فعلى يومين متتاليين قصف الاسرائيليون العاصمة السورية دمشق ومحيطها بعشرات صواريخ كروز المحمولة جوا. والعديد من هذه القذائف تم التصدي لها وتدميرها بواسطة منظومة الدفاع الجوي المزودة من قبل روسيا.

ومع ذلك فقد ادت الحرب الخاطفة الاسرائيلية الى مقتل اربعة افراد عسكريين سوريين وإحداث دمار للمطار الدولي المدني بالقرب من دمشق. وهذا يرقى الى جريمة حرب شائنة كما هي العديد من الضربات الجوية التي قامت بها اسرائيل سابقا على سوريا. ومن المحزن والمخزي ان تحافظ الامم المتحدة والحكومات الغربية على صمت منافق بينما تفرض عقوبات على سوريا وروسيا وإيران حول مختلف “تجاوزات” مزعومة.

ولكن اللافت للنظر حول اخر عدوان اسرائيلي هو الاعتراف العلني بحكومة تل ابيب. ولقد اعترف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو علنا بالضربات الجوية الاسرائيلية اثناء جولته الافريقية في نهاية الاسبوع الماضي وكذلك قوات الدفاع الاسرائيلية.

” نحن لدينا سياسة موضوعة باستهداف المواقع الايرانية في سوريا والحاق الاذى باي كان يحاول ان يؤذينا” قال نتنياهو اثناء زيارته الى تشاد.

وفي بداية هذا الشهر تفاخر نتنياهو لاعضاء الكابينيت في تعليقات متلفزة حول “نجاح” الضربات الجوية المتكررة على سوريا بزعم انها ضد اهداف إيرانية.

هذا كان تقريبا في نفس الوقت الذي تفاخر فيه رئيس القوات الاسرائيلية غادي ايزنكوت الى الصحافة الغربية حول ” إدراة حملة قصف” ضد سوريا بـ ” الالاف الضربات” على مدى السنوات الاخيرة على اساس يومي تقريبا “.

احدى هذه الضريات الجوية في شهر سبتمبر الماضي أدت الى مقتل 15 الطاقم الجوي الروسي الذين كانوا في طائرة روسية استطلاعية عندما ضربت واسقطت بالخطأ من قبل الدفاعات الجوية السورية فيما بدا على انها كانت عملية فخ مدبرة من قبل الطائرات الاسرائيلية المقاتلة. ولقد اشعلت هذه الحادثة غضبا في موسكو والتي زودت سوريا على اثرها بمنظومة الدفاعات الجوية الحديثة س-300 . وهذه المنظومة الدفاعية قد تكون مسؤولة على إعتراض العشرات من الصورايخ الاسرائيلية الاخيرة بنجاح.

هذا التغيير في السياسة الاسرائيلية من عادة إصدار ردود “لا تعليق” بعد الاعلان عن ضربات جوية لسوريا الى سياسة حيث يقوم شخصيات حكومية رفيعة المستوى بالتعبير عن حالة الاغتباط العلني بشن الهجمات هو تطور غير مألوف.

أشار بعض المراقبين على انه من الممكن ان نتنياهو منخرط بالانتخابات وهو يسعى الى إعادة انتخابه في ابريل القادم ومن ثم فإنه يلعب دور صورة “الرجل القوي” لتعزيز اوراق اعتماده الامن القومي بين الناخبين.

وقد يكون هذا جزء من الحسابات. ولكن الذي يبدو ان هنالك تغييرا في الاستراتيجية العسكرية الاسرائيلية تجاه سوريا وإيران.

لا شك ان إعلان إنسحاب القوات الامريكية من سوريا من قبل الرئيس ترامب قد القت اللاعبين الاقليميين المتعددين في حالة من الضياع والحيرة. وظهرت روسيا كقوة عسكرية مسيطرة في سوريا وربما في المنطقة الواسعة نظرا لتدخلها الرئيسي لاحباط مخطط أعداء البلد من شن عمليتهم لتغيير النظام.

بالطبع حكومة الرئيس بشار الاسد السورية قد خرجت ايضا بثقة جديدة واحترام في المنطقة لدفاعها الهائل عن الوطن السوري. الى جانب ذلك فإن حلفاء سوريا ايران وحزب الله  قد كسبوا مجدا فائقا في تقديم المساعدة لدولة عربية لهزيمة محور امريكا-الناتو-اسرائيل- والسعودية وجيشهم الارهابي بالوكالة.

الذعر الاسرائيلي من التواجد العسكري الايراني في سوريا شهد ضغوطا اسرائيلية على موسكو لوضع حد على القوات الايرانية. هنالك تقارير اشارت الى زيارة وفد من المسؤولين العسكريين الروس الشهر الماضي الى اسرائيل لمناقشة الاوضاع في سوريا مع نظرائهم الاسرائيليين. ومن المرجح ان بعض هذه المحادثات – يمكن وصفها على انها “متوترة” –تضمنت استجداءات اسرائيلية للطرف الروسي لاعطاء ضمانات حول ما اسموه ” التوسع الايراني”. والذي يبدو ان موسكو لم تلتزم بذلك. 

وفي هذا السياق من التمويه يبدو ان اسرائيل تحاول جاهدة لتأكيد تأثيرها على المستجدات السياسية والعسكرية في سوريا والتي يراها الاسرائيليون على انها سلبية. وفي محاولة لانقاذ مصالحها بعد فشل حربها الخفية لاسقاط النظام في سوريا فإن الاسرائيليين تبنوا العدوان الاجرامي العلني بغطرسة خارجة عن السيطرة.

الاعتراف العلني بضربات جوية يومية من قبل القيادات الاسرائيلية على سورية هو اعتراف بجرائم حرب. الضربات لسوريا هي اعتداءات وحشية ومخالفة للقانون الدولي. ولا يمكن بأي حال من الاحوال تبريرها كضربات ” دفاعية” ضد “تهديدات”.

 القوات الايرانية وقوات حزب الله متواجدة في سوريا بناء على طلب الحكومة في دمشق وكذلك القوات العسكرية الروسية. وإذا  ما كان لدى اسرائيل خوف وهوس من إيران وحزب الله فإن هذا لا يعطيها اي مبرر قانوني للقيام بضربات جوية على سورية.

وفي التصعيد الاخير هنالك إعتراف علني من قبل الاسرائيليين انهم هم من بادر في إطلاق الصواريخ اولا. في صباح الاحد الماضي قامت اسرائيل بمهاجمة دمشق والجنوب السوري تحت ذريعة استهداف “اهداف ايرانية”.

وقامت القوات الايرانية بعد ظهر الاحد بإطلاق صاروخ متوسط المدى من القرب من دمشق على مرتفعات الجولان المحتلة من قبل اسرائيل. وبحسب المصادر الاسرائيلية فقد تم التصدي لهذا الصاروخ من قبل القبة الحديدية بنجاح دون حدوث اية اصابات بين السواح الاسرائيليين في منتجع التزلج على سفوح جبل الشيخ.

وبعدها وعند ساعات الصباح الاولى من يوم الاثنين قامت اسرائيل بإطلاق مزيد من صواريخ كروز على دمشق. ولقد وجهت اسرائيل تحذيرا للدفاعات الجوية السورية بعدم إطلاق النار. وعندما قامت الدفاعات الجوية السورية بإسقاط معظم هذه الصورايخ استدار الاسرائيليون لاستهداف الجيش السوري. ولقد اوردت الانباء عن مقتل اربعة عسكريين سوريين نتيجة ذلك.

من الواضح وبحسب المصادر الاسرائيلية الرسمية ان الاسرائيليين هم المنخرطين في الضربات الاولى الغير مبررة. وبالتالي فإن فرضيتهم “بالرد” على إطلاق الصاروخ الايراني على مرتفعات الجولان فيه شيء من تناقض الكلام. والاكثر غرابة وسخافة القول بأنه قد تم تحذير السوريين بان لا يفعلوا دفاعاتهم الجوية بينما تتعرض بلادهم الى الاعتداء. وعندما تدافع سوريا عن نفسها يقتل جنودها بالضربات الجوية للعدو.

ودعونا ان لا ننسى بأن مرتفعات الجولان معترف بها دوليا على انها أراضي سورية ضمتها اسرائيل وهي تحتلها بشكل لا شرعي منذ حرب الايام الستة عام 1967 . ومرة اخرى يتكشف النفاق الغربي فلا عقوبات على اسرائيل بينما تفرض العقوبات على روسيا تحت ذريعة ضم شبه جزيرة القرم. 

القائد الاعلى للقوات الجوية الايرانية رد على الاعتداءات الاخيرة بقوله ان بلاده ” جاهزة للحرب التي ستدمر دولة اسرائيل”. ومثل هذه الحرب قد تجر الولايات المتحدة وروسيا وتؤدي الى استخدام الاسلحة النووية. ومن المؤكد ان النظام الاسرائيلي برؤوسه النووية التي يتراوح عددها ما بين 200-300 رأس نووي يقف متعجرفا بشكل كاف.

الاستهتار الاسرائيلي بالقانون الدولي والسخرية من الاعداء ربما ما هي الا نوع من  الغطرسة التي تسبق وقوع كارثة.

bahij.sakakini@hotmail.co.uk

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023