الإستثناء التونسي.. في زمن الإستثناء !!…بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

الإستثناء التونسي.. في زمن الإستثناء !!…بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

سيبقى راسخاً في الذاكرة وفي تاريخ تونس أنّ ما حدث يوم 25 جويلية 2021 في تونس هو عمل استثنائي بكلّ المقاييس، بعد أن كانت تونس على مشارف هاوية سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية، وكان لابدّ من التحرّك وكان المطلوب العاجل هو إيجاد سبيل للخلاص يُجنّب تونس الكارثة والدمار فجاء الفصل 80 رحمة للعباد و إنقاذاً للبلاد..

إنّ ما تعيشه تونس الآن هو بالتأكيد حالة استثنائية بكلّ المقاييس.. و التفاعل الشعبي والسياسي معها أثبت أن الفترة تحتاج إجراءات تعيد ثقة المواطن في الدولة وإعادة الاعتبار للديمقراطية الحقيقية التي تقوم على أساس حماية مصالح الشعب والعدالة للجميع على قدم المساواة وانهاء الإفلات من العقاب وحماية حقوق الانسان والحريات الأساسية، وخاصة توفير الحد الأدنى من الكرامة للمواطنين، وهو ما كان مفقودا في الفترة السابقة، ويبقى الأكيد أنّ تونس ستجد الحلّ وأنّ الاستثناء التونسي سيتواصل..

البعض يتحدث عن حوار وطني وهم من استولوا على قوت الشعب.. هؤلاء الذين يطالبون بالحوار الوطني يُجيبهم الرئيس قيس سعيّد بأنّ “الحوار الوطني سينظمه مع الشعب التونسي لا مع ناهبيه” فالأهم من الحوار ومضمانيه لدى الرئيس هوية من يحاوره، وهو يشدد على أنّه مع حوار يجمعه بـ الشعب التونسي ” وليس مع من استولوا على قوتهم كل حين وكل يوم طيلة السنوات العشر الماضية.. تحديد شكل الحوار الذي يرفضه الرئيس، والذهاب الى جعل مطالبة الاخرين له بحوار لا يقصى الاحزاب والمنظمات بمثابة دعوة إلى الحوار مع” ناهبي المال العام” تلك استراتيجية الرئيس في تضيق الخناق على الاخرين ووضعهم امام حقيقة وحيدة وهي انه لن يتحاور إلاّ “مع الشعب” وهو يعلن عن ذلك بقوله أنّ الحوار الحقيقي سينظمه مع الشعب التونسي.، ما لا يقوله الرئيس ويترك للاخرين مجالا للتأويل والفهم، أن الهدف من الحوار الذي سيتجه إليه ليس توسيع قاعدة التوافق مع الاحزاب والمنظمات ورسم ملامح المرحلة القادمة بل هو عودة للشعب والاستماع اليه ومعرفة مقترحاته ومطالبه التي سيقع نقلها من المحليات الى المركز وتنزيلها ضمن تصورات شاملة، هذا الحوار يؤكد على انتصار لإرادة الشعب، والحوار لابد أن يكون مع الجميع بإستثناء اللصوص ومن باع ذمته إلى الخارج.. و من يذهبون الى العواصم الغربية ومن يتسولون امام السفارات على اعتاب بعض القوى الاجنبية،و من خان وطنه ومن وضع وطنه في سوق يقايض به التأييد والدعم لا يمكن ان يكون ممثلا للشعب التونسي..

البعض يتباكون ويتكالبون وراء شرعية فاسدة أضرت بالبلاد والعباد ونسوا ما كان حاصلا قبل يوم 25 جويلية عشر سنوات من الفشل و التفقير والتجهيل وتفكيك الدولة والفساد جعلت عموم التونسيين يفقدون الأمل بغد أفضل، ولم ينتفعوا بمسار الانتقال الديمقراطي طيلة عشر سنوات من المحاصصة الحزبية و التوافقات المغشوشة والمزيّفة و الحوارات على إقتسام السلطة والغنيمة و التموقع ، والأحزاب التي حكمت فشلت في تغيير واقع تونس والتونسيين، همّها الوحيد كان منطق الغنيمة والتمكين و إقتسام السلطة.. يريدونها جمهورية الموز .. عهد الغنيمة والولاءات ولّى إلى غير رجعة.. إنتهى عهد التوافق المغشوش و الحوارات بمنطق الغنيمة، و المشهد ما بعد 25 جويلية أفرز أو غربل الساحة السياسية وصنع مشهد سياسي جديد في البلاد، هذا المشهد السياسي الجديد في البلاد عندما يدخل لحوار سيكون الحوار مع الشعب و مع الصادقين الثابتين..، و اللصوص و الفاسدين و من باعوا ضمائرهم و ذمتهم إلى الخارج لا يمكن أن يكونوا موجودين في الحوار ولا يمكن أن يكونوا موجودين في صناعة مستقبلا جديدا لتونس و هم الذين خربوا البلاد طيلة 10 سنوات ، و رأينا كل أشكال الخنوع والانبطاح والإذلال، فالخيانة لم تعد عارا أو مدعاة للخجل بل صارت لدى البعض مدعاة للتفاخر والتباهي ، لقد سقطت كل أوراق التوت وبانت عوراتهم ، وما عليهم سوى ان يوقفوا مسلسل الكذب على الناس، وادّعاء حرصهم عليهم و على الديمقراطية المزعومة ، ويتوقفوا عن البكاء وذرف الدموع على ما هم سبب فيه، إنّ أفضل الحلول واسلمها هو ؛ ان يخجل هؤلاء إن كانت لديهم ذرّة حياء ويطمروا أنفسهم في التراب، لا بل في الوحل و لو كانت لديهم ذرّة حياء أن يكفوا عن تشليك الدولة و ان يحترموا أنفسهم و يحترموا إرادة الأغلبية من التونسيين ..و لكنهم وللأسف الشديد لا يفهمون ولا يدركون.. فلا يمكن على من أفسد تونس أن يكون طرفا في إصلاحها أو في إنقاذها أو في بنائها.. و بإمكاننا إنقاذ تونس وستنقذها رجال ونساء وشباب هذا الوطن وسنذهب بها إلى بر الأمان وسينتهي هذا الفاصل القاتم من تاريخ البلاد، و ليس غريبا أن يستنفر المنتفعون،المتمعشون من منظومة الفساد ؛ (نقابيين و حقوقيين و سياسيين و غيرهم..) من واقع الفساد والإفساد حين تهدّد مصالحهم ليشغّلوا تلك الاسطوانة المشروخة الّتي يلجأ إليها المتمعشون من منظومة الفساد فيصمّون أذاننا باجترار كلمات معتادة عن مؤامرة كونيّة تستهدفهم بمشاركة الإنس والجنّ وكائنات فضائية إن استلزم الأمر، وليتمّ استحضار تلك المعادلة الّتي لا بدّ منها و هي حماية الديمقراطية المزعومة_الوهمية و الدستور الذي وُضع على المقاس، عن أيّة ديمقراطية يتحدّث عنها المتمعّشين من نظام فاسد ومن مداخلة الدّاخل والخارج، ومن المرتعشة أيديهم والمرتجفة قلوبهم، المرعوبين من تحرّك لمياه راكدة ستعصف بالفساد و المفسدين و اللوبيات التي تقف خلفهم من وراء الستار المتمعشون منهم .. ليس غريبا أن يجتمع هؤلاء و غيرهم ضدّ الرئيس قيس سعيّد و قراراته التي تعصف بأوكار الفساد بمن فيها من مفسدين..
لا يحمي الفاسد إلاّ فاسد أو فاسدون على شاكلته..

بعد الخامس و العشرين من جويلية ، الشعب التونسي العظيم يفتح صفحة جديدة من تاريخ تونس و يقدّم في سياقها درساً في الشرعيّة والسيادة، وكيف بإمكانه استعادة القرار وسحب الثقة من منظومة حكم فاشلة اعتقدت أنّ التّمترس وراء أحزاب تقليدية و بالتحالفات المصلحية المغشوشة والاستعانة بالمال الفاسد والإعلام يمكن أن يمدّد فترة حكمها ويحافظ على مكانها ضمن واقع سياسي متعفّن لم يدركوا بعد أنّ أغلب التونسيين وخاصّة فئة الشباب قد كرهته ولفظت الأحزاب السياسية الحاكمة وأجنداتها وأحزمتها الإعلامية والمالية.. ، يبدو أنّ جدار منظومة الفشل و الفساد سميك جداً ومرتفع جداً أمام الإصلاح، و سنبقى نحاول حتى نهدم هذا الجدار الذي يصادر آمال التونسيين بدولة تنتصر على الفساد، نحن نعلم أن منظومة الفساد لن تستسلم بسهولة، ونعلم أن هذه المنظومة ستقاتل بشراسة لحماية نفسها، لكنني على يقين أنّ هذه المنظومة ستسقط في النهاية، و لابدّ أن تنتصر إرادة التونسيين الأحرار..

تونس بعد 25 جويلية لن تكون مثل تونس قبل 25 جويلية“، و المرحلة القادمة قطعا لن تكون مثل سابقتها بإعتبار التغييرات الجذرية التي طرأت على قوانين اللعبة السياسية في تونس، لكن قبل النظر في ملامح المرحلة القادمة يجب تصفية الإرث الثقيل للمرحلة السابقة التي اتسمت بالفساد والقمع وتكريس الإفلات من العقاب والتدهور المخيف لمستوى المعيشة وتفكك حالة الدولة،

تونس على الطريق القويم، وإن كان طريقاً صعباً، و”الاستثناء” التونسي، سيتغلب مرة ثانية على صعوبات الولادة القسرية، مهما تعاظم الألم، و نجاح الإستثناء التونسي، وتحقيق حلم الدولة المدنية فيها، مطلب مستحق لشعب كريم، وأفضل ما يمكن عمله هو تفهّم هذه الرغبة واحترامها التام..

عاشت تونس الإستثناء حرّة مستقلّة
عاش الشعب التونسي العظيم

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023