الإنسحاب من أفغانستان للتفرغ للأعداء الجدد…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

الإنسحاب من أفغانستان للتفرغ للأعداء الجدد…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

هنالك من أشاد بالقرار الذي اتخذه وقام بتنفيذه الرئيس بايدن بانسحاب جميع القوات الامريكية من أفغانستان كما أن هنالك من ادان هذه الخطوة وأعتبرها خطأ استراتيجيا فادحا. وربما ما قامت به إحدى مجموعات داعش من عملية انتحارية  مستهدفة قوات المارينز في محيط مطار كابول قد اعطى ذخيرة للهجوم على بايدن في محاولة لتحقيق مكاسب سياسية وصرفها في صناديق الاقتراع. وقضية أفغانستان مضى عليها ما يزيد عن 20 عاما ومر عليها رؤوساء قبل مجيء بايدن الى البيت الابيض.

بدأ الرئيس جورج دبليو بوش العدوان وغزو أفغانستان على سلسلة من الأكاذيب حول 9 / 11 ودور طالبان في ذلك الهجوم وما تلاه. بعد إحداث تغيير النظام ، قرر إعادة تشكيل البلاد إلى ديمقراطية على الطراز الغربي الذي كان دربا من المستحيل في بلد يتميز بالتخلف على جميع المستويات وخاصة على المستوى الاجتماعي والمعتقدات الدينية المتحجرة التي تفرض قيودا صارمة مجتمعية على المرأة تمنعها حتى من تنفس الهواء, أنماط أكثر رجعية حتى من الوهابية التي اعتمدتها السعودية منذ نشأتها والتي شكلت المنهل الفكري والعقائدي لجميع المجموعات الارهابية التي نشأت على إمتدادات جغرافية عالمية واسعة.

وفي وقت لاحق ، سمح الرئيس باراك أوباما بزيادة أعداد البساطير الامريكية على الارض بما يعرفبـ “السيرج”مما أدى في الواقع إلى زيادة عسكرة الصراع وجعل الأمور أسوأ. لم ينتج عن الجهد المشترك أي انتخابات حرة ولكنه نجح في إيجاد شريحة إجتماعية فاسدة قامت بتكديس الاموال الطائلة لا تمت أصلا الى المجتمع الافغاني وأكبر دليل أن هذه الشريحة وقياداتها كانت اول من غادر البلاد قبل وصول طالبان الى كابول العاصمة. هذا عدا على ان السياسة الامريكية قد خلفت عشرات الآلاف من القتلى والجرحى والمعاقين ومدمني المخدرات في صفوف قوات التحالف ومئات الالاف من القتلى الافغان وثقب كبير في وزارة الخزانة الأمريكية. وأعقب بوش وأوباما الرئيس دونالد ترامب الذي وعد بالفعل بإنهاء الحرب لكنه افتقر إلى الاقتناع والدعم السياسي من قبل الدولة العميقة وخاصة البنتاغون للقيام بذلك, وتم تسليم المشكلة إلى بايدن, الذي فشل في نهاية المباراة لكنه فعل الشيء الصحيح في النهاية بإنهاء مشروع الاحتلال الفاشل والتي صرفت عليه الولايات المتحدة بحسب التقديرات المتواضعة أكثر من 2 ترليون دولار.

ولكن هذا الانسحاب والانسحاب الموعود من العراق لا يعني ولن يعني ان الولايات المتحدة ستنكمش على نفسها لتعير انتباهها الى الداخل لاعادة بناء البنى التحتية المتآكلة والنهوض بقطاع الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية…الخ لصالح الفئات الفقيرة والمهمشة والمسحوقة وتتراجع عن سياساتها العدوانية الخارجية التي أنفقت عليها ترليونات الدولارات من دافع الضرائب الامريكي دون جدوى. وإنما تفعل ذلك للتفرغ لمن تعتبرهم أشد عداوة لها من الارهابيين اللذين خلفتهم وراءها في أفغانستان كما أوضحت العملية الاخيرة ضد قوات المارينز في محيط مطار كابول. الولايات المتحدة تريد ان تتفرغ كلية على ما يبدو الى القوى الصاعدة الاخذة في التصدي لها على الساحة العالمية والتي جردتها من الهيمنة والغطرسة والعدوانية التي مارستها دون منازع منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في مطلع تسعينات القرن الماضي. امريكا تريد التفرغ لمقارعة الصين وروسيا على وجه التحديد في محاولة يائسة وبائسة لارجاع عجلة التاريخ الى الوراء ولكنها كما فشلت في كل حروبها منذ حرب فيتنام الى الان فإنها ستفشل بالتاكيد في حربها الجديدة مع الصين وروسيا.

ليس هناك أدنى شك في أن عودة طالبان ستفتح المجال في هذه الإمارة الإسلامية الجديدة لعودة تنظيم القاعدة ، وللجماعات الأخرى المرتبطة أو المرتبطة سابقا بالقاعدة ، مثل داعش الى افغانستان وإعادة بناءها وتنظيمها. وسيجعل المقاتلون الجهاديون من جميعالمشارب أفغانستان مرة أخرى وطنهم ، كما فعلوا في الفترة التي سبقت 9/11 وذلك ربما لسببين رئيسيين وهما وجود البيئة الاجتماعية الحاضنة لافكار ومعتقدات هذه المجموعات الى جانب المساحة الجغرافية الواسعة لأفغانستان والتضاريس الطبيعية القاسية التي تشكل ملاذا آمنا لعناصر هذه المجموعاتبالاضافة الى عدم قدرة الحكومة المركزية على السيطرة الفعلية على الاقاليم..

كاتب وباحث أكاديمي فلسطيني

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023