الامارات في اليمن إنسحاب أم تموضع لقواتها؟ ولماذا فتح الباب للتقارب مع إيران الان؟…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

الامارات في اليمن إنسحاب أم تموضع لقواتها؟ ولماذا فتح الباب للتقارب مع إيران الان؟…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

تتسارع وتتشابك الاحداث في منطقة الخليج الخاصة بما اصبح يعرف بحرب ناقلات النفط والتصعيد الامني والعسكري في مضيق هرمز والتهديدات الامريكية الغير مبررة لإيران والخارجة عن كل الاطر والاتفاقات والمعاهدات الى جانب المستجدات النوعية التي طرأت على الحرب في اليمن المستمرة منذ اكثر من اربعة سنوات والتي بدأت في شهر مارس من عام 2015 دون تحقيق اي من الاهداف التي رفعت من قبل قوى البغي والعدوان في بداية عدوانها الهمجي على اليمن وشعبه والتي ادى الى خسائر بشرية ومادية غير مسبوقة في المنطقة لضرواة ووحشية ما سمي “بالتحالف العربي” بقيادة هاتين الدولتين. وقد أشارت آخر الاحصائيات الى مقتل ما يقرب 94000 يمني مدني منذ بدء العدوان الغاشم على اليمن ووفاة 85000 طفل دون سن الخامسة نتيجة الجوع أو المرض.
ولعل من أحد ابرز هذه الاحداث هو القرار الذي اتخذته القيادة السياسية في الامارات بسحب عدد من قواتها البرية العاملة في اليمن والتي تقدر بحوالي 10000 من جندي وخبراء عسكريين وهي القوة الاكثر كفاءة قتالية والمجهزة بإمكانيات تسليحية متطورة. وبالرغم من ان الصحف تناولت الخبر وكأنه إنسحاب القوات الاماراتية من اليمن الا ان حقيقة ما حصل يمكن إعتباره انه إعادة تموضع للقوات الاماراتية. وتشير بعض التقارير ان هذا يتضمن عودة ما يقرب من 50-75 % من قواتها العاملة في اليمن. ويعتقد الكثير من المحللين ان هذا الانسحاب او بالاحرى إعادة التموضع للقوات الاماراتية لن يؤثر فعلا على الاقل في المدى المنظور على موازين القوى على الارض او على النفوذ الإماراتي التي بنته هذه القوات.
هذا القرار الاماراتي جاء بداية على خلفية الصمود الاسطوري للجيش اليمني واللجان الشعبية بالاضافة التى التطور النوعي في قدراتهم العسكرية وخاصة في مجال القدرات الصاروخية والطائرات المسيرة والانتقال من مرحلة الدفاع التي سادت الاستراتيجية العسكرية التي اتبعتها منذ بداية الى مرحلة الهجوم وعلى مراكز استراتيجية داخل الاراضي السعودية من مطارات ومحطات توليد الكهرباء ومناطق نفطية وإصابتها بدقة متناهية إما ياستخدام الصواريخ أو الطائرات المفخخة المسيرة بحيث اصبحت السعودية تخشى فعليا هذه الهجمات التي لا تقوى على صدها. وقد تمكن الجيش اليمني واللجان الشعبية من السيطرة والتمركز لفترات طويلة على بعض المناطق الحدودية داخل الاراضي السعودية.
ولا شك ان الامارات وبعد كل هذا ادركت تماما ان النصر العسكري الذي كانت تبتغيه قوى البغي والعدوان لم ولن يتحقق ضمن هذه المعادلة العسكرية الجديدة وقواعد الاشتباك التي فرضها الجيش اليمني واللجان الشعبية وما هي الا البعض من الوقت لتصل الصواريخ والطائرات المسيرة الى اراضيها داخل العمق الاماراتي. وقد سبق وأن هدد الجيش اليمين واللجان الشعبية بأن المنشآت الحيوية والاستراتيجية الاماراتية لن تكون بمنأى عن الصواريخ والطائرات المسيرة كما هو الحال مع الجانب السعودي. وكانت الحسابات الاماراتية انها لا تريد ان تخرج من الحرب على اليمن كقوة خاسرة وهي التي بدأت تتحفز لاخذ الدور الريادي السياسي في المنطقة بدلا من السعودية وربما بدعم أمريكي.
وهنالك عامل آخر لهذه الخطوة الاماراتية وهي التصعيد الامني في منطقة الخليج نتيجة السياسة الخرقاء التي اتبعتها الولايات المتحدة والتي لحقت بها بريطانيا في محاولة لاحياء إرثها الاستعماري وتجاوبا مع آوامر البيت الابيض بالقيام باحتجاز ناقلة النفط الايرانية بالقرب من جبل طارق. وهذا التصعيد الامني والتهديدات الامريكية لايران خاصة فيما يخص مضيق هرمز وامن وسلامة ناقلات النفط وضمان حرية الملاحة فيه وهي الازمة التي افعلتها الولايات المتحدة بيدها أصلا, كان من شأنه بحسب التقديرات الخاطئة للادارة الامريكية ان يجعل إيران تستجيب للضغوطات الامريكية وتتنحى جانبا وربما تستجيب للدعوات الامريكية بالمجىء الى طاولة المفاوضات والاستجابة للاملاءات الامريكية. ولكن إيران ابدت مواقف متصلبة ومبدئية وسيادية في هذا المجال لا بل وذهبت الى ابعد من ذلك حيث تم اسقاط الطائرة المسيرة الامريكية وما تبعها من إحتجاز ناقلة نفط بريطانية مقابل ناقلة النفط الايرانية المحتجزة في مضيق جبل طارق. وارسلت تهديدات من قبل الطبقة السياسية وكذلك العسكرية أن اي اعتداء على إيران سيرد عليه بقوة وأن ساحة المعركة لن تقتصر على منطقة الخليج بل وستتعداها لتشمل الكيان الصهيوني من قبل محور المقاومة. ولقد ادركت الامارات انه اذا ما قامت فعلا الحرب في المنطقة فإنها ستكون خاسرا رئيسيا فيها. وربما التقرب من ايران بإرسال وفد امني عسكري قبل أيام الى طهران لاول مرة منذ 2013 على ما أظن هو دليل على مدى تخوف الامارات من هكذا سيناريو. في الوقت الذي تتصاعد فيه الاوضاع الامنية في الخليج وقرع طبول الحرب من قبل الرؤوس الحامية في البيت الابيض وإحتمال حدوثها فمن الطبيعي أن تفضل الامارات وجود القسم الاكبر من قواتها على ارض الامارات وليس في اليمن.
الامارات ترى نفسها الوريث “الشرعي” للدور السعودي في المنطقة وربما ايضا خارجها. نقول الوريث لان الدور السعودي قد بهت على الساحة الدولية وكذلك الاقليمية وقد كان هذا من تأثير حربها الفاشلة بجدارة على اليمن بالرغم من ترسانة الاسلحة التي عملت على شراءها من الولايات المتحدة بمئات المليارات من الدولارات والدعم اللامتناهي عسكريا ولوجيستيا وسياسيا من قبل الدول الغربية وعلى راسها الولايات اامتحدة وبريطانيا. ولقد اثارت المجازر التي ارتكبت من قبل التحالف العربي بقيادة السعودية موجات استنكار عالمية وإقليمية وصلت الى حد المطالبة في بعض الدول الى عدم تزويد او بيع الاسلحة للسعودية على وجه التحديد. ولقد صوت الكونغرس الامريكي على قرار بوقف بيع الاسلحة الى السعودية واضطر ترامب الى استخدام الفيتو ضد هذا القرار. والان اعيد إحياء قضية الخاشقجي وكذلك مسؤولية السعودية وإرتباطها بأحداث الحادي عشر من ايلول وقضية التعويضات للمتضررين من الحدث الارهابي. بمعنى ان هنالك غضب واضح عالمي وتجريم النظام السعودي في الوقت الذي لا يذكر احدا الدور الاماراتي.
والذي يبدو ان الامارات تريد ان تخرج قبل ان توجه اليها اصابع الاتهام بالمجازر التي ترتكب في اليمن سواء بشكل مباشر او غير مباشر عن طريق الحصار البحري والبري والجوي الخانق ووضع العراقيل امام إيصال الغذاء والادوية اللازمة للعلاج خاصة للحالات المزمنة والسرطانية. ومن الجدير بالذكر ان القوات الاماراتية التي كانت تتواجد بكثافة حول مدينة الحديدة وميناءها الذي يشكل الميناء الوحيد الذي يتم عن طريقه إدخال كميات ضئيلة من الغذاء والادوية الضرورية قد انسحبت على ما يبدو كلية من تلك المنطقة “لاعطاء فرصة لتحقيق السلام” كما اشارات المصادر الاماراتية. ومن المعروف ان السعودية بذلت كل الجهود للسيطرة على هذا الميناء منذ ما يقرب من عام لانه المنفذ الوحيد التي يمكن شمال اليمن من الحصول على الدواء والغذاء. ووقفت السعودية ضد كل الوساطات الاممية والمبعوث الدولي في تخفيف الحصار على هذا الميناء, وتنصلت من الاتفاقيات والوعود التي ابرمتها او تعهدت بتنفيذها مع المبعوث الدولي لليمن.
ويجب الا ننسى ان الخلافات الاماراتية السعودية بشأن اليمن ليست وليدة الساعة بل انها كانت متواجدة منذ بدء العدوان على اليمن. وقد اتضح منذ البداية تضارب الاجندات والاهداف لكلا الحليفين. فبينما كان تركيز السعودية إقصاء الحوثيين عن صنعاء وإضعاف قوتهم وخاصة في المناطق الحدودية القريبة من الاراضي السعودية وإخضاع اليمن مرة أخرى وجلبه الى الحظيرة السعودية وجهت الامارات كل مجهوداتها وإهتماماتها على الجنوب اليمني وخاصة الموانىء والمناطق الغنية بالبترول وابتعدت عن مناطق الصدام المباشر مع الجيش اليمني واللجان الشعبية. وقد تحولت الامارات الى الحاكم الفعلي في جنوب اليمن والعاصمة عدن وذلك عن طريق تمويل وتدريب وتسليح ميلشيات يمنية تابعة لها بما فيها الحراك الجنوبي الذي يسعى الى إنفصال الجنوب عن الشمال اليمني. ومنعت الرئيس الهاب هادي وكذلك “وزراءه” من لاقامة في عدن واحيانا منعت طائراتهم من الهبوط في مطار عدن كما واشتبكت بعض الاحيان مع قوات هادي. كما وسيطرت الامارات على جزيرة سقطرى اليمنية وسيرت رحلات جوية اليها ويقال انها عملت على البدء بتجنيس سكانها لتحويلها الى محمية إماراتية.
واليوم على ما يبدو تسعى الامارات للتقارب من إيران على حساب حليفتها السعودية ربما لتبوء مركز قيادي مستقبلي في المنطقة تاركة السعودية للغرق اكثر في المستنقع اليمني لوحدها. ومما لا شك فيه ان ما حدث في معسكر الجلاء في جنوب اليمن وقصفه بصاروخ من قبل الجيش اليمني واللجان الشعبية وقتل ما يقرب من 40 جنديا على الاقل من قوات التحالف العربي سيكون له الاثر على ما تبقى من التحالف. فقد سبق وأن انسحبت كل من قطر والمغرب من التحالف بسبب خلافات مع السعودية, ولا شك ان إعادة التموضع الاماراتي والضربات التي تلقتها قوات هذا التحالف مؤخرا والتطور النوعي في الامكانيات العسكرية للجيش اليمني واللجان الشعبية ستشكل ضغطا شعبيا على العسكر في السودان للتفكير بسحب مرتزقتها من المستنقع اليمني.
وفي تقديري المتواضع ان الدور الاماراتي المستقبلي في المنطقة سيدخل في دور تنافسي علني مع الدور السعودي وستكون له الغلبة وذلك نظرا للادوار والقرارات المتهورة والفاشلة التي إتخذها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الحاكم الفعلي في السعودية سواء في حربه على اليمن الذي تبجح بأن السعودية قادرة على انهاءها في غضون أيام معدودة, أو قتل الصحفي الخاشقجي بدم بارد وتقطيع اوصاله في القنصلية التركية في اسطنبول ولا ننسى أيضا قضية تورط سعوديون في احداث الحادي عشر من ايلول والتي ظهرت مرة اخرى في المحاكم والكونغرس الامريكي مع الدعوات بتحميل السعودية رسميا بالمسؤولية على الاحداث. ويعتقد البعض ان محمد بن زايد هو من شجع او أوعز لولي العهد بإتخاذ العديد من القرارات التي إنعكست سلبا على السعودية بشكل عام وعلى ولي العهد بشكل خاص وذلك لكي يتسنى للإمارات بأخذ الدور الريادي التي تمتعت به السعودية في المنطقة بعد أفول الدور المصري وغزو العراق وتدمير ليبيا ومحاولة تدمير سوريا وإقصاءها عن جامعة الدول العربية.

bahij.sakainin@gmail.com

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023