ترامب يرفض دعوة البرلمان العراقي بسحب قواته العسكرية…هل دقت ساعة المقاومة؟

رفض أمريكا طلبا عراقيا بالانسحاب الفوري وحديث وزير خارجيته عن خطة لتوسيع مهام “الناتو” على ارضه يشكل احتلالا جديدا.. هل دقت ساعة المقاومة؟ ولماذا نعتقد ان ترامب هو الذي يجب ان يدفع ثمن العدوانين الجديد والقديم وليس العراقيين؟

عبد الباري عطوان

ليس من حق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ان يرفض الطلب الذي تقدمت به الحكومة العراقية رسميا بسحب جميع القوات الامريكية من العراق لان هذا الرفض يتعارض مع قرار البرلمان، والمعاهدة الموقعة بين الجانبين التي وفرت الغطاء القانوني لوصول 5300 جندي امريكي للقيام بأعمال التدريب، والمساعدة في محاربة الدولة الإسلامية “داعش”، فالعراق لم يعد بحاجة الى هذه المساعدة من دولة معتدية محتلة، و”الدولة الإسلامية” انهارت.

***

الأخطر من هذا الرفض الذي يؤكد وجود نوايا عدوانية أمريكية بعيدة المدى تجاه العراق والمنطقة برمتها امران رئيسيان:

الأول: اعلان وزارة الخارجية الامريكية انها تدرس خططا لتوسيع وجود حلف شمال الأطلسي في العراق، مما يعني استقدام قوات وآليات جديدة في تحد للبرلمان والحكومة العراقيين، وتكرارا للغزو السابق، وتحت ذرائع جديدة كاذبة أيضا.

الثاني: تصريح ادلى به الرئيس ترامب لمحطته المفضلة “فوكس نيوز” وقال فيه “اذا أراد العراق منا المغادرة فعليه ان يدفع لنا الأموال التي خسرناها في البلد، والا سنبقى هناك”.

بالنسبة الى النقطة الأولى، أي رفض الحكومة الامريكية للطلب العراقي الرسمي بالانسحاب، والرد الوقح بدراسة توسيع وجود حلف الأطلسي، يمكن القول ان أمريكا ما زالت تتعاطى مع العراق كقوة احتلال، ولا تعير السيادة العراقية أي اهتمام، ولا تعترف بالحكومة التي فرضتها على الشعب العراقي بعد الغزو.

السيد عادل عبد المهدي، رئيس الوزراء المستقيل، كان محقا عندما حذر الأمريكيين من دخول قوات، وآليات، وتحليق مروحيات أمريكية في أجواء العراق بدون اذن من الحكومة العراقية، فهذه الممارسات تشكل إهانة للدولة والشعب العراقي، سبقتها دخول الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته الأراضي العراقية، وزيارة قاعدة “عين الأسد” اثناء أعياد الشكر والميلاد، دون حتى اخطار الحكومة العراقية مسبقا، مما يعني ان الاستخفاف بهذه الحكومة ليس وليد الاحداث الأخيرة.

اما بالنسبة الى النقطة الثانية، وهي مطالبة ترامب الحكومة العراقية بدفع نفقات الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق، فانها تعكس “تقزيما” للعراق واهانة للعقل البشري أيضا، فالغزو ومن ثم الاحتلال، لم يتما بطلب عراقي، وجسدا عدوانا قام على ذرائع كاذبة، والطرف الذي يجب عليه ان يدفع للعراقيين هو المحتل الأمريكي الذي فرض حصارا على العراق امتد لأكثر من 12 عاما وادى الى استشهاد اكثر من مليوني عراقي، سواء بسبب الجوع، او بسبب الغارات والقصف بالصواريخ والقنابل المنضددة باليورانيوم، وما زالت آثارها السرطانية تحصد أرواح آلاف المرضى من العراقيين.

أمريكا هي التي خلقت هذه الازمات التي تتفجر في المنطقة، سواء بسبب احتلالها او انسحابها من الاتفاق النووي مع ايران بتحريض إسرائيلي، او باغتيالها للفريق قاسم سليماني، رئيس فليق القدس في الحرس الثوري الإيراني ورفيقه العراقي أبو مهدي المهندس، نائب قائد الحشد الشعبي، واعتقال خلية تجسس من ثلاثة اشخاص في مطار بغداد قدموا لها المعلومات عن قدومهما على متن طائرة مدنية عادية من دمشق، سيكشف الكثير من المعلومات حول هذه المسألة حتما.

الشعب العراقي العظيم الذي اخرج القوات الامريكية بقوة المقاومة مع نهاية عام 2011 سيكرر هذه الاعمال البطولية مرة أخرى، تماما مثلما فعل اشقاؤه في أفغانستان واصدقاؤه في فيتنام، وسيأتي اليوم الذي تتوسل فيه السلطات العراقية، مثلما تفعل حاليا مع طالبان، لتأمين انسحاب آمن.

***

أمريكا لا تستطيع، ولا يجب، ان تدوس على كرامة الشعوب وتنتهك سيادتها، وتقتل رموزها بهذه الطريقة الاستفزازية ولا تقابل برد شرس، وكل حديث عن عظمة قوتها من قبل البعض هو تضليل يجب ان يقاوم بكل الوسائل، فأمريكا التي هُزمت وانسحبت بشكل مذل من العراق عام 2011 هي نفسها التي تريد إعادة تكريس احتلاله في الوقت الراهن، واذا كانت خسرت 6 تريليونات دولار على الأقل في غزوها الأول، قد تخسر الرقم نفسه في محاولاتها الحالية للغزو الثاني، فهي الآن اضعف، وتواجه الهزائم في كل حروبها الاقتصادية والعسكرية، ولم تعد القوة الوحيدة المهيمنة على العالم.

العراق لن يخضع، ويجب ان لا يخضع، لهذا الابتزاز الأمريكي بشقيه المالي والعسكري، فهو ليس جمهورية موز، ولا دولة قامت واستمرت بشروط الحماية الامريكية، وانما دولة تمتد جذورها الحضارية لأكثر من ثمانية آلاف عام، وجينات شعبها تحمل كل صفات الآباء والكرامة والشمم والكبرياء الوطني والديني والأخلاقي، وسيقاوم الاحتلال الامريكي بكل الوسائل، وسيقدم الشهداء مثلما فعل في المرة الأولى بكرم وشجاعة ورجولة.. والأيام بيننا.

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023