التحدي الايراني وخيبة الاعداء!!

التحدي الايراني وخيبة الاعداء!!

بقلم: محمد الرصافي المقداد |

عندما انتصرت الثورة الاسلامية في ايران بقيادة الامام الخميني، لم يكن احد يتوقع ان يتحقق ذلك الانتصار بتلك السرعة، وبذلك الزخم الثوري العظيم، وشكلت نهضة الشعب الايراني الرائدة، المفاجئة التي اذهلت العالم، وحيرت خبراء السياسة منذ اليوم الاول، الذي افتتح عشرة الفجر المباركة، الى يوم النصر المبين.

وبتغير حال ايران، من بلد تابع لارادة امريكا، الى بلد اخر مختلف تماما، مغايرا لما كان عليه من قبل، ناشرا مبادئه واهدافه على الملا من العالم، بالشفافية التي لم تعرفها دوله من قبل، ودون خوف من تداعيات ما خطط له وبلا تردد، قام بطرد البعثة  الدبلوماسية الصهيونية من طهران، ثم سلم مقرها الى منظمة التحرير الفلسطينية، وكردّ فعل إسلامي ثوري، وتحسبا لما ستنفذه امريكا، من تآمر على النظام الاسلامي الفتي، اقدم الطلبة الإيرانيون الثوريون على اقتحام السفارة الامريكية، فغنموا منها وثائق عديدة سرية – كشفت وجه امريكا التآمري – بعدما احتجزوا اعضاءها رهائن لمدة 444 يوما، مرغوا فيها انوف حكام البيت الابيض في الوحل، وجرعوهم غصص الخيبة والفشل، ظهر خلالها عجزهم في فعل شيء، بإمكانه أن يعيد اليهم ماء وجوههم، امام ارادة شعب كسر قاعدة غلبة الاستكبار على الاستضعاف، وان زعيمة الاستكبار هي القطب المتحكم في العالم، واثبتت في حركة ثورية معتبرة، انّ الشعوب المستضعفة وفي مقدمتها الشعب الايراني، قادرة على فرض منطقها، لذلك وبكل تواضع اعتبر المطلعون على الثورة الاسلامية الإيرانية، أن الشعب الايراني معلم الثورات في العصر الحديث، قيادة وفكرا وانضباطا.

لقد شقت ايران طريقها الاسلامي، وهي مدركة بان اختيارها صائب، وخياراتها على حق، لكنها مع ذلك لقيت ما لقيت من صد دولي ومؤامرات عليها، تراوحت من الدعايات المغرضة، الى الحرب المفروضة الظالمة، الى العقوبات والحصار، فلم تستسلم، وقاومت بكل بسالة وايمان، بما تحمله للمسلمين وللعالم من مبادئ وقيم انسانية.

مكر امريكا والصهاينة وعملاءهم، لم يكن ليخفى على النظام الاسلامي في ايران، بل ان المطلع على توصيات ونصائح الامام الخميني بخصوص هاذين العدوين، يقف عند حقيقتين ثبتهما في عقول ووجدان شعبه، اما الحقيقة الاولى، فقد اعتبر ان امريكا كنظام استكباري، شيطان اكبر يجب الحذر منه، وتجنب سبله المضلة، وعلى النظام والشعب ان يأخذا بعين الاعتبار ان هذا العدو لا يستسلم بسهولة، ومقارعته تستوجب جهودا جبارة، يجب بذلها من أجل الخلاص من تبعاته نهائيا.

اما الحقيقة الثانية، فاعتبار العدو الصهيوني كيانا دخيلا على فلسطين، غريبا عن المنطقة، يجب ازالته من هناك، واصفا اياه بالغدة السرطانية الخبيثة، التي  لا مفر من معالجتها بالقطع، وخطر وجودها يبقى قائما، بدليل اعتداءاته المتكررة على لبنان وسوريا.

بحثت امريكا عن ثغرة تدخل منها لإيذاء ايران، فلم تجد ما يبرر لها اي عمل عدواني، وبما ان لكبير شياطين الانس اخرين صغار، فقد وسوسوا له بالخروج من الاتفاق النووي المبرم في 8/5/2018 ، والعودة الى المربع الاول من تسليط العقوبات عليها، اعتقادا منهم بانه السبيل الوحيد المتبقي لكبح جماح انطلاقة ايران العلمية والتكنولوجية، خصوصا منها تلك التي كانت اختصاصاتها من قبل حكرا على القوى الكبرى، وبها تمكنوا من الهيمنة على الدول الضعيفة، المتخلفة عن ركب الغرب في العلوم التخصصية الدقيقة.

ولما راوا ان مصداقية ايران بعيدة عن كل شبهة، عالجوها بالأكاذيب، وعملوا على حجب حقائق اهدافها بإعلام وقح – مهيمن على وكالات ومؤسسات اعلام العالم الثالث –  لا يتحرج من الاصرار على باطل صنعه لهم، فخرجت اثاره السلبية على شعوب العالم، فاذا هو كالكلب، ان تحمل عليه يلهث وان تتركه يلهث.

ايران التي بذلت امريكا وزبانيتها جهودا لوقف نهضتها الشاملة، للحيلولة دون ظهورها نموذجا جدير بالاقتداء والنسج على منواله، قد قطعت الى حد اليوم شوطا لا يستهان به، في النمو العلمي والتقني، فاق اليابان والمانيا ما بعد الحرب الكونية الثانية، حين أعادتا بناء اقتصادياتهما، مكنهما من العودة  الى موقعيهما المتقدم بين الدول النامية.

ما كانت امريكا تأمله من اتباع الاوروبيين لقرارها، سقطت حساباته في الماء، وإذا فرنسا وبريطانيا وألمانيا تؤكدان على بقائهم في الاتفاق وتشبثهم به، وقد اعتبر ذلك كسب للدبلوماسية الايرانية وفضيحة للسياسة الامريكية، ومع ذلك فان هذا الكسب، لا يجب ان يخفي تخاذل الجانب الاوروبي في الوفاء بالتزاماته، وايجاد حلول لتنفيذ الاتفاق، وبرهنة ايران على حسن نيتها لا يجب أن يتواصل، بلا نتيجة ملموسة من الاطراف المقابلة.

من حق ايران اليوم ان تقف في وجه اعدائها، وتدافع عن حقوقها المشروعة، وتستمر في حفظ قيمها واهدافها، ومن حماقة امريكا وغباء قادتها انها ماضية في تضييق الخناق عليها، مستخفة بالقوانين والاعراف الدولية، دون ان تعير لعواقب ما تقوم به اهتماما، وبين ما تريده ايران للمسلمين وشعوب العالم، من تحرر وانعتاق من هيمنة امريكا وحلفاؤها، وبين ما تريده أمريكا من تسلط على العالم بون شاسع من التباين بين الانسانية العاقلة والانسانية المتوحشة.

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023