التحركات الامريكية الاخيرة في العراق وإمكانية توجيه ضربة عسكرية الى إيران…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

التحركات الامريكية الاخيرة في العراق وإمكانية توجيه ضربة عسكرية الى إيران…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

في غضون الاسبوعين الماضيين رأينا هنالك تغيرا لفظيا من قبل المسوؤلين الامريكيين من توجيه ارشادات الى القيادة العسكرية الامريكية في البنتاغون بالبدء لتحضير خطط لتوجيه ضربة الى أهداف إيرانية الى الانتقال الى الحديث حول “تخفيف” العقوبات على إيران إذا ما ارادت إيران ذلك. واوضح ترامب أن على إيران تقديم طلبا رسميا الى الولايات المتحدة تحديدا بتخفيف العقوبات وإبداء استعدادا للمجيء الى طاولة المفاوضات لاعادة المناقشة حول الاتفاقية الموقعة سابقا مع الدول الست الكبرى حول برنامجها النووي . وترامب اكثر من اي سياسي آخر  يدرك بان إيران لن تخضع ولن تستجيب لهذا الابتزاز بالرغم من الظروف الصعبة التي تعيشها في حربها مع فيروس كورونا في ضوء نقص في الادوية أو المواد الخام التي من الممكن استخدامها في تصنيع الادوية التي يمكن تخصيصها في محاربة هذا الوباء. فالولايات المتحدة تستخدم سياسة الوعيد والترهيب للشركات العالمية وتهدد مصالحها التجارية في حالة القيام بتصدير هذه المستلزمات الطبية الى إيران دون اذن مسبق من الادارة الامريكية.

 ومما لا شك فيه ان الولايات المتحدة تريد ان تجير الازمة التي تعيشها إيران في إطار محاربتها لوباء الكورونا لصالحها. فهي ما زالت تراهن انه بحرمان إيران من هذه الادوية الى جانب رفض صندوق البنك الدولي في تقديم اية مساعدة لايران بـمبلغ 5 مليارات دولار وهو في الحقيقة رفض أمريكي, بأن الوضع سيتصاعد والازمة ستزداد وتصل الامور الى زعزعة النظام الايراني وعدم تمكنه من إنقاذ شعبه من هذه الجائحة مما سيودي الى انهياره. وفي حالة حدوث هذا فإنه سيصب مباشرة في مصلحة الولايات المتحدة الى جانب النظام السعودي والكيان الصهيوني الذي لم يفوت اية فرصة في الدفع في إتجاه “تغيير النظام” في طهران. ولا شك ان هذه الدول رأت في الازمة الغير مسبوقة التي أوجدها فيروس كرونا فرصة ذهبية لتحقيق مآربهم. 

وبالفعل فإن هذا ما كانت تسعى اليه الادارة الامريكية عندما طلبت من القيادة العسكرية في البنتاغون لرسم الخطط لتوجيه ضربة إنتقامية للرد على هجوم إيراني وهمي على القواعد الامريكية وهو هجوم لم يخطط له ولا يرى الكثيريين من المحللين إمكانية لحدوثه. ولكن حقيقة ان الولايات المتحدة كانت عازمة على توجيه ضربة مباشرة الى القوات الايرانية في أعقاب هجوم الميليشيات العراقية الموالية لايران على القوات الامريكية يبين ان نية الهجوم على إيران كانت على الطاولة كما اوضح الرئيس الامريكي. 

وتماشيا مع هذا المخطط والتحضير للحرب قامت القيادة العسكرية الامريكي بنصب منظومات باتريوت المضادة للصواريخ في قاعدتين عسكريتين امريكيتين وكذلك الاعلان على انه من الممكن نصب منظومات مشابهة في قواعد امريكية أخرى في العراق.  وهذا التحدي الواضح للسيادة العراقية التي ما زالت مخترقة منذ اجتياح العراق عام 2003 من قبل القوات الامريكية والبريطانية على وجه التحديد لم يكن ليتم لولا وجود طبقة سياسية متواطئة مع المحتل الامريكي والتي ترى به الجهة الضامنة لامنها وبقائها في الحكم, وبالتالي فهي تتغاضى عن هذه الانتهاكات الواضحة كما تغاضت الى حد كبير على عملية الاغتيال البشعة لكل من المهندس وسليماني على اراض عراقية.

ويبقى السؤال هل هنالك إمكانية بأن ترتكب الولايات المتحدة حماقة عسكرية لا احد يدري ماذا سيلحقها من تداعيات على المنطقة وربما على العالم بأكمله؟ 

لا شك ان الولايات المتحدة تسعى الى عملية إنتقام ردا على الضربة التي وجهتها ايران الى قاعدة عين الاسد والتي تلقت نتيجتها القوات العسكرية الامريكية ضربة مؤلمة ظهر حجمها تدريجيا بعد سلسلة من الاكاذيب والادعاءات الكاذبة للبيت الابيض والرئيس ترامب على وجه التحديد. ولكن من الجانب الاخر فإن الشجاعة والارادة السياسية التي بينتها إيران والتصميم على الانتقام لمقتل القياديين المهندس وسليماني اثبتت وربما للمرة الاولى وعلانية انها قادرة على الرد في حالة اي استفزاز أو اعتداء امريكي مباشر او غير مباشر عليها. وهذا الجانب بالتحديد تأخذه القيادة العسكرية بعين الاعتبار وهي التي وجهت تحذيرا للبيت الابيض ان هذا الامر ينطوي على سياسة مغامرة لا تستطيع التحكم في مجرياتها وتداعياتها وتدحرجها. ومما لا شك فيه ان تصنيع أزمة عسكرية شيء وتنفيذها شيء آخر وخاصة مع تواجد العديد من العوامل التي يجب ان تؤخذ بعين الاعتبار على مستوى المنطقة والعالم أيضا وخاصة فيما يخص مواقف الحلفاء.

الموقف الاوروبي بشكل عام غير مؤيد لاي استخدام للقوة العسكرية الامريكية للضغط على إيران لتغيير سياساتها في المنطقة والتي هي بالتأكيد لا تصب في مصالح الولايات المتحدة لانها تضعف سيطرتها وهيمنتها على المنطقة وتهدد الكيان الصهيوني أو على الاقل تلجم عجرفته ومغامراته العسكرية ونواياه في التوسع. ولقد اظهر الاتحاد الاوروبي عدم موافقته على الانسحاب الامريكي من الاتفاقية الموقعة بين ايران والست دول الكبرى كما ان دوله لم تستجيب للضغوطات الامريكية التي حثها وهددها في حالة عدم انسحابها اسوة بالحليف الامريكي. بل وذهب الاتحاد الاوروبي الى إتخاذ خطوة الى الامام للالتفاف على الانسحاب الامريكي من الاتفاقية وفرض مزيد من العقوبات على إيران وكذلك على شركات الدول التي تتعامل مع إيران تجاريا, وذلك من خلال إيجاد الية مالية (انستكس)والتي بدء في تطبيقيه مؤخرا بعد الكثير من المماطلة الاوروبية نتيجة الضغوط الامريكية. وعلى الرغم من ان  تطبيق هذه الية لم تسفر بعد عن نتائج اقتصادية مثمرة والانخراط في نشاط إقتصادي ومالي يتجاوز دعم إيران في محاربتها لفيروس كرورنا الا ان البدء بهذه الالية يعتبر بحد ذاته شيئا إيجابيا. وهذا بحد ذاته سيضعف سياسة العقوبات ” وسياسة الضغوط القصوى” على إيران كإحدى السبل في محاولة تغيير النظام في إيران. ولا شك ان وباء فيروس كورونا الذي انتشر عالميا قد ساعد الدول الاوروبية لاتخاذ قرار البدء بتنفيذ بنود الاتفاقية الموقعة مع إيران. 

والى جانب هذا أطلق الاتحاد الاوروبي دعوات عالمية لرفع العقوبات عن كل من إيران وفنزويلا وكوريا الشمالية في هذه المرحلة الضاغطة على أمكانيات هذه الدول في ظل محاربتها وباء فيروس كورونا المنتشر عالميا عابرا للقارات وبتسارع مخيف. هذا بالاضافة الى التباعد بين الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي بشأن الناتو من حيث التمويل الاوروبي وتبرير وجوده بعد انتهاء الحرب الباردة وتحويله الى اليد العسكرية الضاربة للولايات المتحدة كما حصل على الاقل في كل من يوغسلافية وليبيا والعراق وأفغانستان وحيث لم تكن هنالك مصلحة فعلية لهذه الدول في المشاركة مع او نيابة عن الولايات المتحدة.  

ويجب ان لا ننسى الدعم الذي تقدمه كل من روسيا والصين الى ايران واهمية إيران لكل منهما أولا لانها تمثل موقعا جيوسياسيا هاما وموقعا إقتصاديا مهما ايضا. وتشكل روسيا حصنا منيعا ضد التدخلات العسكرية الامريكية في المنطقة وخاصة فيما يخص إيران وسوريا. وكلا البلدين استطاعا إبرام العقود التجارية مع إيران خارج نطاق الدولار واللجوء الى العملات المحلية لكل بلد وهذا مما يضعف الى حد ما النتائج المترتبة على العقوبات الامريكية المفروضة من جانب واحد.

وهنالك عامل ظهر بقوة في الفترة الاخيرة والذي من شأنه ان يقوض السياسة الخارجية المغامرة والعدوانية للولايات المتحدة بالرغم من التصريحات النارية التي يطلقها مسؤولي البيت الابيض وكبار الساسة مثل وزير الخارجية بومبيو حول العمل على تدمير المجموعات المسلحة في العراق والمناوئة للتواجد الامريكي هناك. فإن ظهور فيروس الكورونا في الولايات المتحدة وانتشاره بشكل سريع حيث تعدى عدد المصابين الى اكثر من نصف مليون مصاب وعدد الوفيات الى اكثر من 20000 وهي في طريقها الى التزايد وليس الانحسار. ولقد قامت الحكومة الفيديرالية بتخصيص ما يقرب من 2 ترليون دولار من الخزينة الامريكية لدعم إقتصاد البلد ( كبار رؤوس الاموال والشركات الكبرى على راسها وليس المواطن العادي) ولا شك ان المزاج العام في البلد لا يستطيع تحمل حربا محدودة كانت ان غير محدودة تشنها امريكا في الشرق الاوسط. فالاولوية يجب ان تكون محاربة فيروس كورونا وتمكين القطاع الصحي وتوفير المستلزمات الطبية من ادوية وغيرها الى المواطن الامريكي العادي. هذا بالاضافة الى ان الولايات المتحدة مقبلة على انتخابات ولا يجرؤ الرئيس ترامب القيام باية مغامرة عسكرية غير مضمونة النتائج وهو الذي ما زال يبلع الاهانة الذي تعرض لها البيت الابيض والقوات الامريكية نتيجة الضربة المؤلمة التي تلقتها في قاعدة عين الاسد العراقية. 

ثم ان هنالك الحليف الرئيسي في المنطقة الكيان الصهيوني والادوات في منطقة الخليج العربي والذي يجب أن يؤخذوا بعين الاعتبار وخاصة وأن إيران قد اعلنتها وبشكل واضح من أن اية ضربة توجه اليها من قبل الولايات المتحدة سيكون لها نتائج وخيمة على ادواتها في الخليج وعلى الكيان الصهيوني. ولقد اوضحت القيادة العسكرية الايرانية انه واثناء قصف قاعدة عين الاسد بالصواريخ ان هنالك كانت صورايخ مهيئة للانطلاق على الكيان الصهيوني وبعض الدول الخليجية فيما لو قامت القوات الامريكية بالرد على الهجوم الصاروخي الايراني داخل الاراضي الايرانية. 

كل هذه الامور مجتمعة ستقيد الادارة الامريكية وتلجم عجرفيتها وإندفاعها الى توجيه ضربة عسكرية محدودة او غير محدودة لايران ففي نهاية المطاف كلا الحالتين يعتبر البدء بالحرب. ولكن من الضروري التأكيد على ان النية الامريكية المبيتة في تغيير النظام الايراني ستبقى على اولويات هذه الادارة ولا شك ان فشل الرهان الامريكي على اسقاط النظام الايراني بعدة طرق كان آخرها الرهان على فشل إيران في التصدي لفيروس كورونا ضمن نظام العقوبات الصارمة الامريكية المفروضة من جانب واحد سيجعل من الاختيار العسكري بابا مفتوحا يجب عدم التقليل من إحتمال حدوثه فيما إذا رات الادارة الامريكية فرصة لتحقيق ذلك مع اعتقادنا بأن عملية تغيير النظام في إيران هي عملية صعبة جدا إن لم تكن مستحيلة. 

ومع كل هذا يجب التاكيد أن الازمة الايرانية والاصرار الامريكي على سياسة تغيير النظام في طهران سيبقى محور الوجود الامريكي في المنطقة والمصدر الرئيسي لصفقات الاسلحة الخليجية وللثروة الهائلة للمجمع العسكري الصناعي الامريكي ومئات المليارات من اموال الجزية للخزينة الامريكية التي تقوم بدفعها دول الخليج  للحفاظ على العروش والممالك والامارات, ولضمان امن الكيان الصهيوني الى جانب السيطرة على الثروة النفطية والغازية وطرق إمدادها والتحكم بأسعارها في السوق العالمية. 

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023