“التهويش” الأمريكي و البصيرة الايرانية

“التهويش” الأمريكي و البصيرة الايرانية

بقلم: هشام البوعبيدي |

يتوجّس الكثيرون من أن تنزلق منطقة الخليج والشرق الأوسط الى اشتباك جديد قد تكون آثاره جد مختلفة عن المعارك السابقة التي ابتليت بها المنطقة، باعتبار القوة النارية التي يمتلكها طرفا النزاع، بعد التوتّر الشديد والحروب الكلامية  التي لا تهدأ الا لتبدأ بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة على خلفية عديد الملفات العالقة والحارقة بينهما، والتي على إثرها قامت الأخيرة بتحريك اسطولها البحري وارسال حاملة الطائرات «أبراهام لينكولن» ومجموعة من السفن المرافقة لها وقوة من القاذفات لتنضاف الى أسطولها الخامس وقواتها المنتشرة هناك في إطار تهديداتها المتكررة لإيران، بعد دخول “حزمتها العقابية” الجديدة لـ”تصفير” انتاجها النفطي، وهو ما قابلته الجمهورية الاسلامية باستخفاف وتأكيداتها أن لا أحد يمكنه منعها من بيع نفطها، وأن أي محاولة للمساس بحقها في تصدير نفطها سيواجه بردود أدناها إغلاق مضيق هرمز، شريان النفط الدولي، بحيث لن تجدي تعهّدات السعودية والامارات بتعويض الانتاج الايراني شيئا.

وتزامنا مع ذلك، أعلن الرئیس الايراني الشيخ حسن روحاني الاربعاء خفض التزامات ایران بالاتفاق النووي بعد عام من انسحاب الولايات المتحدة الاميركية منه، وتلكؤ دول الإتحاد الاوروبي بتنفيذ ما التزموا به بملء “الفراغ الأمريكي”، فيما أمهل الأطراف الدولية الضامنة للاتفاق النووي شهرين لضمان الحقوق الايرانية قبل العودة لتخصيب اليورانيوم وتشغيل مفاعلاتها النووية الى المستويات السابقة، وعلى ذلك شدّد روحاني أن الاستراتيجية الإيرانية تقوم على مبدا ” التعهد مقابل التعهد والتهديد مقابل التهديد” وفق “قاعدة رابح رابح  وليس رابح خاسر” كما تريدها الولايات المتحدة، محذّرا من أن تحويل “القضية النووية الايرانية الى مجلس الامن الدولي” سيجابه برد حازم لأن انهيار الاتفاق النووي خطر على العالم ككل وليس على إيران فحسب.

هذا فيما اعتبر المتحدّث باسم الحرس الثوري الإيراني التهديدات الأمريكية بعضا من الحرب النفسية التي دأبت الولايات المتحدة تشنها على ايران مؤكّدا أن مآلها الفشل، واصفا التهديدات التي أطلقها المسؤولون الأمريكان بالجوفاء مشدّدا على قدرة بلاده على توجيه صفعة قوية للأعداء. فيما رأى المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني أن جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي، يفتقر للفهم العسكري والأمني حين زعم بأن “أمريكا أرسلت حاملة الطائرات “يو أس أس أبراهام لينكولن” وقوة من القاذفات إلى منطقة الشرق الأوسط “كي تبعث رسالة تحذيرية الى ايران”.

وبعيدا عن البروباغندا التهويلية والحبكة الهيليودية، لا يخفى على الادارة الأمريكية أن أي خطوة خرقاء استفزازية لن تتسامح ايران معها، كما تدرك أن مغامرة طائشة قد تتسبب بكارثة لن تكون محمودة العواقب، وهي التي سيكون عليها تحمّل تبعاتها بمفردها، بعدما انكفأ حلف الناتو عن مساندتها وأغلب أعضائه مازالوا ملتزمين ببنود الاتفاق النووي ورافضين للعقوبات الأحادية التي اتخذتها واشنطن ضد طهران، كما أن الكيان الصهيوني الذي لا يترك فرصة دون التحريض على إيران، فلا نظنه يجرؤ على خطوة انتحارية وهو يذكر جيدا تهديدات القادة العسكريين الايرانيين بأن اللحظات الأولى لأي هجوم اسرائيلي على ايران سيقابله سقوط آلاف الصواريخ التي ستنهال على تل أبيب وحيفا وباقي مدن فلسطين المحتلة بما لا قبل لقبّتها الحديدية ولا مقلاع داوود على اعتراضها، وهي التي عجزت عن اعتراض صواريخ المقاومة الفلسطينية الأدنى تطورا وتقنية، وحتى ممالك الخليج التي تنتشر على أرضها عشرات القواعد العسكرية الأمريكية والتي إن “سمحت” لطائراتها بالمشاركة في العدوان على الأراضي الايرانية وكتب لها العودة، فلن تجد مطارا تحط عليه لأنه سَيُسوّى بالتراب.

وعلى ذلك لا تعدو الخطوة التصعيدية التي قامت بها الادارة الأمريكية بتحريك حاملة طائراتها أن تكون مجرّد “تهويش” لتليين الموقف الايراني وجرّها للتفاوض، فواشنطن أعجز من أن تحارب منفردة والدرس الفيتنامي دائما في البال مع فارق القوة الذي يعمل لصالح الايرانيين، فعلينا أن لا ننسى الطلبات السابقة لدونالد ترامب لملاقاة الشيخ حسن روحاني التي قوبلت بالرفض، والاصرار الايراني على تطبيق بنود الاتفاق النووي في نسخته المتفق عليه دون تعديلات، كما أنه من المفيد التذكير بحادثة مماثلة في 2017، حينما أصدر قائد القوات الأمريكية في المحيط الهادئ آنذاك الأميرال هاري هاريس توجيهاته لمجموعة “كارل فينسون” التي تضم حاملة طائرات ومجموعة من القطع البحرية الهجومية للإبحار على مقربة من شبه الجزيرة الكورية ردا على ما أسموه “استفزازات” كوريا الشمالية، قبل أن تنكفئ وتعود خائبة.

فالمساعي والضغوط الامريكية التي تمارسها منذ أربعين عاما على الجمهورية الاسلامية الإيرانية للعودة بها الى ما قبل ثورتها لم تجد نفعا، ورغم كل المؤامرات والحبكات فإن القيادة الايرانية أفشلتها بحكمة وبصيرة، ولا أدل على ذلك حينما انطلقت مفاوضات إيران مع السداسية الدولية حول برنامجها النووي قال مرشد الثورة الاسلامية اية الله الخامنئي أنه لا يمانع رغم عدم اقتناعه بها، وعندما تم الاتفاق قال أنه لا ثقة له في الادارة الأمريكية وهو ما أثبتت الأحداث السابقة صوابيته من أن الأمريكان لا يحترمون ولا يلتزمون باتفاقياتهم وهو ما جعلهم يحتاطون في أمرهم وعلى بينة بكل السيناريوهات الممكنة، فقد عرف الإيرانيون ان عدوهم لن يتوقف عن استهدافهم وابتزازهم لإعادتهم لـ”حضيرته” التي انعتقوا منها، ورغم الصلف الأمريكي والعقوبات الجائرة والحصار المطبق فإن إيران لم تنكسر ولم تلن لها قناة وظلت تتقدم في شتى المجالات بشكل أبهر العالم، وهي اليوم في الموقف الافضل والممسكة بخيوط اللعبة وقواعدها وتديرها كيف تشاء، وقريبا سيملأ خبر انسحاب القوات الأمريكية من المنطقة كما جاءت خاوية الوفاض لم ينالوا شيئا.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023