الجانب الأخطر في القضية الأوكرانية…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

الجانب الأخطر في القضية الأوكرانية…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

من الملاحظ ومنذ بداية الازمة الأوكرانية والتدخل الروسي العسكري بعد ان فشلت كل محاولات روسيا للحصول على الضمانات لتأمين أمنها القومي وارسال الإشارات على ذلك التي تأخذ بعين الاعتبار الملاحظات الروسية المحقة والمشروعة فيما يخص تمدد الناتو وقواته الى عتبة الحدود الروسية نقول ان الملاحظ هو ان الغرب وبقيادة الولايات المتحدة منذ البداية يشن هجوما على كل المحاور بالتوازي الاقتصادية والعسكرية المباشرة والغير مباشرة والسياسية والدبلوماسية الى جانب الهجوم الإعلامي المبرمج من قبل امبراطورية إعلامية جبارة. ولا اريد الاطالة هنا بذكر التفاصيل الذي تتناقله وكالات الانباء والمحطات الفضائية حتى لا أثقل على القراء الأعزاء، ولكن اريد التركيز على نقطتين هامتين في تقديري المتواضع فيما يخص الحملة الإعلامية وتداعياتها والتي أرى أنها أخطر بكثير من الهجمات الأخرى.

أولا : هو تصوير ان الازمة الأوكرانية قد بدأت بالحملة العسكرية التي شنتها القوات الروسية. وبالطبع ان وسائل الاعلام الغربية دون استثناء قامت بإلغاء عن قصد وضع القضية الأوكرانية في سياقها التاريخي الطويل متعمدة لحشد اكبر عدد من المناصرين لأوكرانيا ضد روسيا وشيطنة بوتين كما شيطن من قبله الرئيس صدام حسين قبل الغزو الأمريكي البريطاني للعراق وتدميره بالكامل تحت حجة وجود أسلحة الدمار الشامل وكما شيطن العقيد القذافي الذي اسقاط نظامه في ليبيا عن طريق ثورة ملونة وتدخل قوات حلف الناتو العسكري مباشرة وكما شيطن الرئيس الدكتور بشار الأسد وتم حشد الالاف المؤلفة من ارهابيي العالم الذين جمعوا من اكثر من 80 دولة بحسب وكالات الاستخبارات الغربية. انا لا كتب هذا دفاعا عن فلان او فلان، بل اكتبه لتوضيح الدور القذر الي تلعبه امبراطورية الاعلام الغربي والتي نجحت الى حد كبير في تحشيد الراي العام العالمي ضد التدخل الروسي وذلك عن طريق حملة تجهيل كاملة بالسياق التاريخي للازمة الأوكرانية وشطب حقائق تاريخية بأكملها لتحقيق اغراضها التي ليس فقط على انها تتقاطع أهداف وبرامج الدولة العميقة في كل بلد غربي بل على انها جزء من هذه المنظومة المتوحشة التي لا تقيم وزنا للإنسان او الانسانية.

وحتى لا ندخل في التفاصيل الكثيرة نقول غاب عن الاعلام الغربي ان هذه الحكومة الأوكرانية جاءت على اعقاب ثورة ملونة خططت لها ونفذتها أجهزة المخابرات المركزية الامريكية. كما غاب عن الاعلام الغربي ان هذه الحكومة والحكومة السابقة طعمت بوزراء ينتمون الى أحزاب نازية وفاشية وذوي النزعات القومية المتطرفة وهذه حقائق لا يمكن انكارها. فهؤلاء يجاهرون بنازيتهم من خلال تصريحاتهم واحتفالاتهم السنوية بالتظاهر والمسيرات وهم يلبسون القمصان التي ثبت عليها الصليب المعكوف إشارة النازية. وغاب عن الاعلام العاهر ان مليشيات هذه الأحزاب النازية هي المسؤولة عن موت أكثر من مئة اوكراني من أصول روسية في اوديسا عام 2014 حرقا بحشرهم في بناية البلدية واشعال النار في المبنى وأقفال كل المنافذ عليهم لضمان عدم هروبهم. غاب عن الاعلام الغربي كلية ان أوكرانيا الان جغرافيا وديمغرافيا لم تكن أوكرانيا التي يعرفها الناس وأن غالبية سكانها في المنطقة الشرقية والجنوبية هم من الروس ثقافيا وهويتا ولغة او من أصل روسي وهم مختلفين جدا عن سكان غرب أوكرانيا “الأوروبي” في جميع مناحي الحياة وان الحكومة الأوكرانية التي جاءت على اعقاب الثورة الملونة عام 2014 والحكومة الحالية تنكرت من جميع ما اتفق عليه في معاهدة مينسك التي تضمنت بنودها إعطاء هذه المناطق حكما ذاتيا تحت مظلة الدولة الأوكرانية الموحدة. وبدلا من ذلك لجأت الى الخيار العسكري في محاولة لإخضاع أقاليم شرقي أوكرانيا.

ثانيا: الخطر الأكبر ربما الذي نتجت بوادره ولا شك انه سيتزايد مع هذه الحملات الإعلامية المحمومة هو انتشار النعرات القومية المتطرفة وتعزيز مواقع هذا التطرف والعنصرية والفاشية الاخذة بالنمو في الدول الأوروبية وأمريكا وربما على الصعيد العالمي. فالطريقة التي يدار بها الاعلام الغربي يحمل في طياته بذور الكراهية وإثارة النعرات القومية المتطرفة والعنصرية بأبشع صورها. وسائل الاعلام الغربية كما قال تشومسكي المفكر الأمريكي المبدع قبل عقود من الزمن تستطيع ان توجه “القطيع” بمعنى غالبية الناس الى المكان الذي تريده الدولة العميقة والشركات الكبرى وخاصة تلك المرتبطة بالتصنيع العسكري وتحشيدهم خلف الحروب والدمار الذي تقوده حملات بلادهم العسكرية المتوحشة ليس دفاعا عن بلادهم وامنها القومي كما يدعون بل لصالح الأثرياء ومصاصي الدماء.

الرئيس الاوكراني وبكل وقاحة ودون خجل يدعو يهود العالم لنصرة أوكرانيا والدفاع عنها ويتحدث عن الهولوكوست متناسيا ان حكومته تضم عناصر من أحزاب تعاونت مع النازيين ابان الحرب العالمية الثانية واللذين ساهموا مباشرة في قتل اليهود في اوكرانيا وبولندا. ولا يشعر بالخجل من تكوين فيلق من “المتطوعين” الأجانب للقتال مع الجيش الاوكراني وهم في حقيقة الامر ما هم الا قطيع من المرتزقة ومجموعات إرهابية قادمة من مدينة ادلب وغيرها من البؤر الإرهابية ويعلن انه تم تحشيد 16 ألف “مقاتل” أجنبي.  وهنالك دول غربية صمتت صمت القبور عن الدعوات التي أطلقت في بلدانها لإرسال متطوعين للقتال في أوكرانيا وهؤلاء في غالبيتهم من عناصر قومية متطرفة وفاشية او من ذوي النعرات الدينية المتطرفة اللذين يخيل لهم انهم بذلك يقاتلون الملحدين من الشيوعيين فقد غاب عنهم ان الاتحاد السوفياتي انتهى في مطلع تسعينات القرن الماضي.

الاعلام الغربي وبما يخص الحملة بالقضية الأوكرانية اليوم يساهم مساهمة كبيرة في تغذية النعرات القومية المتطرفة ويساهم في تعزيز المد الفاشي بأحزابه المختلفة في الدول الأوروبية على وجه التحديد والتي بدأت تأخذ مواقعا في الحياة السياسية في العديد من بلدانه الفاعلة مثل فرنسا وألمانيا واليونان وغيرها وهذا يتضح من وصول عناصر من هذه الأحزاب الى برلمان الاتحاد الأوروبي. وهذا يا للأسف لم يتطرق له الكثيرين بالرغم من خطورته كأحد تداعيات الازمة الأوكرانية. ويا للمفارقة بين ما حدث في الحرب الاسبانية في نهاية ثلاثينيات القرن الماضي عندما تشكلت قوات من متطوعين أممين للذهاب الى اسبانيا لمقاتلة الفاشيين لنصرة كفاح الشعب الاسباني وبين ما نرى اليوم تحشيد المرتزقة وتكوين فيلق “المتطوعين” الأجانب وجلهم من الذين يحملون الأفكار القومية المتطرفة بما فيهم النازيين الجدد من المانيا وغيرها من الدول الاوروبية لنصرة النازيين والفاشيين في أوكرانيا.

كاتب وباحث أكاديمي فلسطيني

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023