الحرب الاقتصادية على الأبواب ..! بقلم: عماد خالد الحطبة*

الحرب الاقتصادية على الأبواب ..! بقلم: عماد خالد الحطبة*

نخرج اليومَ من حربنا الوطنية الكبرى، ويسعى النظام الرأسمالي من خلال دعاوى الإنسانية ونشر الديمقراطية إلى ربطنا بعجلة الاقتصاد الرأسمالي. فبعد هزيمتها في ميدان المعركة، تسعى دول العدوان إلى خلق أزمات معيشية من خلال الحصار الاقتصادي، لوضع ضغوط داخلية على الدولة السورية، تدفعها للاستجابة إلى الضغوط الخارجية.
لقد أوضح السيد الرئيس بشار الأسد أن المعركة ما زالت في الميدان، والحرب الاقتصادية الاجتماعية لا تقل ضراوة وعنفاً عن الحرب العسكرية، وأن المخطط الرأسمالي مستمر، ولن يتراجع.
قد يستغرب أحد القراء، ويضيف إلى استغرابه سؤالاً لماذا تتحدثون عن الرأسمالية على أنها شر مُستطير، أليست النظام الاقتصادي الوحيد الذي نجح في البقاء برغم كل الأزمات؟ إن الرأسمالية؛ كما نصفها عادة، «نظامٌ» لكنه ليس نظاماً ثابتاً، أي إنه لا يحتوي مضموناً فكرياً، أو بعبارةٍ أخرى لا يقدم وعوداً، وليس له هدف محدد، هو يعمل، ويعمل، ويعمل إلى ما لانهاية. يقول قائل: إن هدفَ الرأسمالية هو الربح؛ بقدر ما يبدو هذا الكلام صحيحاً إذا أخذنا الأمور ببساطة، لكنه في العمق بعيدٌ كل البُعدِ عن الفكرة الرأسمالية.
المحرك الأساسي للنظام الرأسمالي هو السعر Price. فالسعر هو الذي يعبر عن المعادلة الرأسمالية الأساسية (العرض والطلب)، وهو يتعلق بجملة من العوامل يَصْعُب حصرها، تبدأ من مزاج المستهلكين واهتماماتهم، وتمر بقرارات المستثمرين، وتصل حتى الحروب والكوارث الطبيعية. فالسعر هو الذي يُؤَمنُ سيطرة الرأسمالية على السوق، وتالياً التحكم بالاقتصاد، لنأخذ مثالين بسيطين يوضحان أهمية السعر بالنسبة للاقتصاد الرأسمالي:
– منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وهي منظمة أسست عام 1960 في بغداد، ومقرها اليوم في فيينا، وهدفها الأساس ضمان حصول أعضائها على حصة أكبر من سوق النفط، من خلال التحكم بأسعاره، وتعمل المنظمة من خلال آلية رأسمالية بسيطة تقوم على التحكم بالعرض، لضمان ثبات الكميات المعروضة في السوق بما يتناسب مع الأسعار التي يتفق عليها أعضاء المنظمة، وفي الكثير من الأحيان تعمد هذه المنظمة إلى زيادة المعروض في السوق لخفض السعر، أو ما يسمونه السعر العادل، والهدف هنا استمرار عملية البيع والشراء (العرض والطلب) مع أن الإيرادات التي تتحقق بعد خفض السعر، يمكن أن تكون أقل من الايرادات السابقة، فالسعر هو المحرك الأساس للسوق بغية تحقيق الهدف النهائي المتمثل بالربح.
– الحرب على العراق، و(الربيع العربي)، وفنزويلا، كلها حروب خاضتها الرأسمالية لتحقيق المزيد من السيطرة على عصب الاقتصاد العالمي الذي يمثله النفط، ليس بهدف الربح، كما يعتقد البعض، ولكن بهدف التحكم بالاقتصادات المنافسة، لذلك وجدنا الولايات المتحدة الأمريكية تضغط على السعودية لزيادة إنتاجها، وتالياً خفض أسعار النفط لتضع المزيد من الضغوط الاقتصادية على إيران وفنزويلا، وذلك بهدف اختلاق أزمات اجتماعية وسياسية في البلدين.. وفي الوقت نفسه حاولت فرض حظر نفطي على صادرات النفط الإيرانية والفنزويلية، لتضع ضغطاً على الاقتصاد الصيني، الذي يحتاج إلى 6.6 ملايين برميل نفط يومياً، وهو أكبر مشترٍ للنفط الإيراني.. في هذه الحالة استُخدم تخفيض أسعار النفط – برغم ما يمكن أن ينتج عنه من خسائر لشركات أمريكية وأوروبية – حافزاً لدول مثل الصين والهند (التي انخفض استيرادها من النفط الإيراني خلال شهر تموز 2018 بنسبة 16% تقريباً) للبحث عن بدائل تقوم بتزويدها بحاجتها من النفط مع تجنب التعرض للعقوبات الأمريكية.. الأزمة نفسها حاولت الرأسمالية خلقها من خلال الحصار المفروض على إيران، فهي من ناحية تضغط على صادرات النفط الإيراني، ومن ناحية مقابلة تشكل ضغطاً على الاقتصاد السوري من خلال خلق أزمات معيشية، وارتفاع في الأسعار نتيجة نقص العرض. فإذا تأملنا ما سمي (أزمة الوقود ) التي تم تضخيمها إعلامياً والتي مرت بها سورية خلال هذا الشتاء، وقارناها بمثيلاتها خلال ثماني سنوات من الحرب، لفهمنا ببساطة أن أزمة اليوم ليست سوى جزء من الحرب الاقتصادية الرأسمالية.
إذا أطلقنا العنان لمعارفنا التاريخية فإننا سنجد هذه الأحداث تتكرر، وتتحكم في مفاصل مُهمة من تاريخ العالم، صنعت أزمات اقتصادية، وحروباً عالمية وإقليمية، خرجت منها الرأسمالية منتصرة في أغلب الأحيان، برغم كل الخسائر بالمعنى المادي المباشر، وتمثل هذا الانتصار بقدرة النظام الرأسمالي على فرض مبادئ السوق الحر، على طرفي الحرب؛ المنتصر والمهزوم.
واهم من يعتقد أن الرأسمالية ستُعلن استسلامها إذا صمتت المدافع، لذلك ما زال المقاومون والصامدون مُطالبين بالمزيد من التضحيات، وهي حرب بقدر ما هي مفروضة علينا، فإننا نخوضها بعزيمة من يعرف أن النصر يعني السيادة كاملة غير منقوصة، بما فيها التحرر من ربقة التبعية الاقتصادية للرأسمالية العالمية، وهذا لن يتحقق من دون بناء اقتصاد يعتمد على الإمكانات والحاجات المحلية، ويخرج من منظومة الدول المانحة والاستثمارات الأجنبية، ويحافظ على دور الدولة في التحكم بالاقتصاد.

*كاتب من الأردن

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023