الحرب الروسية_الأوكرانية.. إلــــى أين؟… بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

الحرب الروسية_الأوكرانية.. إلــــى أين؟… بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

الأزمــــة الروسية الأوكرانية لم تقتصر على نزاع داخلي فحسب، بل توسعت لتصل إلى ما يبدو أنّها أزمة دولية ناشئة بين روسيا من جهة، والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى، جميع المؤشرات تدل على أنّ الأزمة ذاهبة إلى مزيد من التعقيد و التصعيد ..، فرض الغرب و أمريكا عقوبات إقتصادية موجعة على “موسكو” و الدعم السياسي و العسكري لحكومة “كييف” في أوكرانيا بمثابة صب الزيت على النار و لن يقود إلاّ إلى المزيد من التعقيد و التصعيد و كما أنّ موسكو لن تقف مكتوفة الأيدي أمام تصرفات الغرب إزاءها.. و يبدو أنّ بوتين مستعد للحوار و أيضا للرد و التصعيد.. و بينما تتكشف معركة كسر الإرادة و الهيمنة بين حلف الأطلسي و روسيا في أوكرانيا، هناك حقيقة أساسية واحدة يجب وضعها في الإعتبار ؛ وهي أن الرئيس الروسي بوتين لم يخسر حرباً خاضها..والأزمة الأوكرانية هي بالأساس أزمة جيوسياسية تتعلق برغبة الحكومة الأوكرانية- المدعومة من الغرب الإنضمام لحلف الناتو، بينما تعتبر روسيا ذلك خطاً أحمر، لأنه يمثل تهديداً مباشراً لأمنها، بحسب وجهة النظر الروسية..

يبدو أن السبب الرئيسي للأزمة الروسية_الأوكرانية، هو الرفض القاطع الروسي (بوتين) إنضمام أوكرانيا ضمن حلف الشمال الأطلسي “الناتو”.. في أوكرانيا لم تكن روسيا البادئة بالهجوم وتغيير الوضع الدولي، كما أنّ أوكرانيا مسألة أمن قومي روسي، ومن السذاجة أن تترك روسيا الناتو يسيطر على أوكرانيا وتصبح قواته على الحدود الروسيّة.. و يبدو أنّ النتائج النهائية للأزمة ومداها، قد يصعب التكهن به الآن.. الحرب بدأت، والاستقطابات ستحصل، والانقسامات سوف تتعمق، والتراجع أصبح صعباً إن لم يكن مستحيلاً، وخاصة أن هناك عوامل ومناخات باتت متوفرة ومساعدة للسير نحو نظام عالمي جديد.. وبدون شك ستكون لهذه الحرب ارتدادات مؤلمة على الاقتصاد الروسي بشكل خاص والعالمي بصورة عامة، لأن حزمة العقوبات التي ينتظرها الاقتصاد الروسي سيقابلها رد فعل روسي مؤكد على أوروبا..

القراءة الأولية لهذه الحرب تُظهر مدى سهولة الحرب وصعوبة المُحافظة على السلم في هذا العالم، وفي نفس الوقت أظهرت هذه الحرب مدى تعلّق إقتصادات الدول القريبة والبعيدة بقرارات الحرب.. الأزمة الروسية الأوكرانية مفتوحة على كل الاحتمالات، لكن إنعكاساتها في المنطقة و على العالم ستكون كبيرة، لاشك و أنّ العالم و موازين القوى و النظام العالمي لن يكون هو نفسه بعد التدخل الروسي في أوكرانيا.، في حالة انزلاق روسيا وأوكرانيا إلى حرب شاملة.. تواجه أمريكا وحلفاؤها خيارات صعبة حول كيفية دعم دولة صديقة لا يرغبون في منحها عضوية كاملة في حلف شمال الأطلسي و طلب أوكرانيا للإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي من جهة، و مواجهة قوة إقتصادية و عسكرية و نووية “روسيا” من جهة أخرى ، و المؤشرات تدل على أن الأزمة ذاهبة إلى مزيد من التعقيد، والحلول تبدو أكثر تعقيدا، خاصة أن العالم برمته الآن موجود في الملعب الأوكراني، ولا أحد يمكنه أن يدّعي استحواذه على الكرة..، و إنّ إنخراط قوى غربية بشكل مباشر في الحرب الروسية – الأوكرانية، كان ليضع قوى عظمى في مواجهة مباشرة فيما بينها وبالتالي إنتقال الحرب من حرب إقليمية إلى حرب عالمية، لكن هذه المخاوف تبدّدت سريعًا مع إعلان كل الدول الغربية عدم إرسال جنود إلى أوكرانيا للمشاركة في القتال و الإكتفاء بالدعم السياسي و العسكري.. و تبقى كل السيناريوهات ممكنة خلال الأيام القادمة سواء كان ذلك عن طريق تطورات عسكرية عالمية أم مفاوضات روسية أوكرانية لإنهاء العمليات العسكرية.

أمريكا وحلفاءها ردّوا بتصعيد حاد بالعقوبات الاقتصادية، لكن من غير الواضح إذا ما كانت هذه الخطوات ستردع الزعيم الروسي. و تعد خطوة استبعاد البنوك الروسية والبنك المركزي الروسي من نظام “سويفت” والعمليات الدولية، الملاذ الأخير بالنسبة للدول الغربية، في خطوة تصعيدية تستخدم فيها كافة الأطراف المتصارعة أوراقها في كسب المزيد من الوقت والضغط على الطرف الآخر لإنتزاع مكاسب حقيقية لكن يبقي الجانب الروسي متمسكا بمطالبه التي يبدو أنه لن يتراجع عنها لأنه بإنضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي وحلف الناتو تبقى خاصرة روسيا مستهدفة من الغرب دون أي ضمانات حقيقية لأمن واستقرار موسكو.. في تصعيد دراماتيكي للتوترات مع الغرب بشأن التدخل الروسي في أوكرانيا، أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بوضع قوات الردع النووي الاستراتيجية الروسية في حالة تأهُّب قصوى..

يمكن القول أنه إذا كانت هناك حرب عالمية بين الدول العظمى في عالم يسوده الفقر والأزمات الاقتصادية والسياسية الكثيرة التي يقف وراءها النظام الرأسمالي، فإن الأزمة الأوكرانية مرشحة لتكون أحد الأسباب المهمة لبدء هكذا حرب لموقعها الجغرافي بالنسبة للدول العظمى ولشعور الدول العظمى بفشل المبدأ الرأسمالي الذي يقود العالم وبحتمية حصول تغيير جديد في العالم، الأمر الذي يجعل الجميع يتجهز لهذا التغيير الجديد القادم، وهذه الحالة من التأهب بين الدول العظمى إضافة للأزمات الاقتصادية التي تعصف بالدول الكبرى، كل هذا يؤدي إلى اختفاء المنطق السليم في إدارة الأزمات ما يؤدي إلى نشوب الحروب والصراعات. وإن الأزمة الأوكرانية هي من أشد الأزمات تعقيدا بين الدول الكبرى.. سيناريوات متباينة لمآلات الصراع الراهن بين الغرب وروسيا في أوكرانيا تراوح بين حرب واسعة أو محدودة، أو استمرار التوتر الحاد، أو انفراج الأزمة بناءاً على تسوية موقتة أو دائمة، و بالتالي الأزمة في أوكرانيا هي صراع بين القوى العظمى على الموارد والثروات ومناطق النفوذ والمجالات الاستراتيجية، و النظام العالمي وهو لن ينتهي، في الوقت نفسه، لا يمكن لأي دولة أن تعزز أمنها على حساب الآخرين، ولو اختلت موازين القوى، فإن النتيجة صادمة لكل الضعفاء ولمن لا يؤمنون بعبر التاريخ ومواعظه.. هذه المغامرة الروسية المرعبة كرست تقسيم العالم الى شرق وغرب, والعالم في طريقه نحو تعدد الأقطاب سواءاً قبلت أمريكا أم لا, لقد أصبح الأمر الواقع اليوم أن أمريكا لم تعد السيد الأوحد المطاع في هذا العالم, وفي ضوء هذا الواقع الدولي المستحدث سيتبلور عالم جديد أهم سيكون له اقطاب جدد ابرزهما (روسيا والصين)..

التوقعات السابقة تظل رهينة الواقع الحالي، فنحن أمام سيناريوهين لمستقبل الحرب الروسية على أوكرانيا: الأول إنهاء الحرب في وقت قصير، بإنتصار روسيا، وحسمها للملفات المتعلقة بهذه الحرب، وما ستؤول إليه الأمور، مع بقاء العقوبات الإقتصادية من أوروبا والغرب على روسيا، وتعثر الحصول على احتياجات الدول الغربية و العربية من روسيا أو أوكرانيا،والسيناريو الثاني أن تطول الحرب الروسية على أوكرانيا، ولا تستطيع روسيا الحسم في الأجل القصير، وأن تمتد الحرب إلى أجل متوسط أو طويل.. وهذا الوضع الاستراتيجي الجديد سيُبيِّن لنا بوضوح، أنه علينا الاستثمار فيما بقي لنا من مواقف سياسية و ديبلوماسية وبخاصة قوة الموقف السياسي الواضح فيما يجري اليوم في أوكرانيا، لعلنا نتمكن من الحفاظ على حالة التوازن و الحياد الإيجابي حول ضرورة حث كلا الطرفين إلى إيجاد حل ينزع فتيل الأزمة الروسية_الأوكرانية و التوصل إلى تسوية دبلوماسية من شأنها جلب السلام والاستقرار للمنطقة المضطربة ..

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023