الحقائق المرة التي تصاحب الانتخابات الرئاسية الامريكية…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني*

الحقائق المرة التي تصاحب الانتخابات الرئاسية الامريكية…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني*

الحقيقة المؤلمة التي لا يدركها العديد من الامريكيين اللذين يعيشون داخل القفص الذي أوجدته إمبراطورية الاعلام الموجه والتي تمتلكه الطغمة المالية الاحتكارية من كبار الاثرياء والتي عملت على برمجة ثقافة لعامة الناس التي تذهب كل اربعة سنوات للانتخابات في “عرس ديمقراطي للقطيع” المبرمج والمعتنق للوهم بان النظام الانتخابي ليس منظما ومحكوما ومسيطرا عليه للتأكد من عدم حدوث تغيير كبير بغض النظر عن من هو الرئيس. هذه هي الحقيقة المحزنة الذي تم الترويج لها على انها ديمقراطية وأبتلعتها اغلبية مكونات المجتمع الامريكي لشعورها الخاطئ الذي ولدته وسائل الاعلام الرسمية ونمط التربية منذ الطفولة بان كل صوت لهذا “القطيع” كما وصفه المفكر الامريكي المبدع تشومسكي يقف على نفس مستوى الاهمية من الملياردير أمثال بيل جيتس او جيف بيزوس وغيرهما ففي غرفة التصويت نحن جميعا متساوون. ويا لها من ديمقراطية زائفة!!!!

أفراد “القطيع” سيثرثرون كالعادة ويقدمون جميع أنواع الاسباب التي تجعلهم يصوتون لمن وكيف إذا لم يصوتوا فإنهم يفقدون حقا مقدسا من الحقوق الذي يجعل الديمقراطية عظيمة …الخ. وكل هذا ما هو الا هراء. والحقيقة المرة للغالبية انها لم تدرك بعد ان ديمقراطية الولايات المتحدة ما هي الا حكم الاقلية التي يديرها الأثرياء للأثرياء.

والجميع يدرك ان النظام الانتخابي ما هو الا عرض تجاري يحصل به المرشحان للرئاسة على مبالغ ضخمة من جماعات الضغط في الشركات الضخمة من شركات الطاقة والمجمع الصناعي العسكري ومن المصرفيين والبنوك الكبرى والمقامرين في وول ستريت وأصحاب الملايين والملياردات هذا المرشح او ذاك. ولقد انفق بايدن وترامب أكثر من 3 مليارت دولار على الانتخابات وهي تعود لاصحاب المال. ومتى يدخل المرشح الفائز البيت الابيض يحين دور السداد لهذه الاوليغاركية بمجموعها بالطرق المباشرة أو الغير مباشرة.

هنالك مثل فلسطيني قائل “المال بيجر مال والقمل بيجر سيبان” وهذا يلخص حال “الديمقراطية” الامريكية ونتائج الانتخابات الرئاسية الامريكية الان وفي العهود السابقة. وربما الاستثناء الوحيد الذي شذ عن هذه القاعدة هو عندما انتخب جون ف كنيدي الذي اغتيل في شوارع دالاس عام 1963 لانه قرر التصدي لهذه الطغمة الاوليغاركية والدولة العميقة التي تتحكم بمفاصل القرارات في الولايات المتحدة.

وحقيقة أخرى تعمل عليها وسائل الاعلام والنظام التعليمي والتنشئة الجماعية هو إظهار أمريكا القوة التي لا تضاهى في العالم والتي وكلها الله في إدارة شؤون هذا العالم وكأن رؤوساء الولايات المتحدة هم انبياء مبعوثون لهذا الكوكب من قبل الله. ألم نستمع الى بوش الابن الى انه سمع صوتا يناديه وهو نائم يطلب منه الترشح الى منصب الرئاسة وكأنه الوحي؟ ألم ينضم الملك سلمان ووسائل الاعلام السعودية بوصف ترامب ان الله قد اختاره للرئاسة ليحقق السلام مع الملك سلمان في العالم؟ ولقد سمعنا شيئا شبيها بهذا في خطابات الرئيس أوباما للأمة.

وإدارة هذا الكوكب الذي نحيا عليه تعني ان الولايات المتحدة بدولنها العميقة ورئيسها هما من يحددان من يحكم هذه الدولة او تلك بأمر الهي على غرار ما كان يجري في العصور الوسطى في اروربا عندما كانت الكنيسة وبابا الفاتيكان يحللون ويحرمون ويوقعون العقوبات على كل من يتجرأ عن الخروج عن طاعة الكنيسة والبابا. نعم هنالك فارق تاريخي وزمني كبير ولكن الجوهر والادعاءات لم يطرأ عليها اي تغير يذكر اللهم سوى بالوسائل التي اتاحتها التكنولوجيا الحديثة.

وللتذكير فقط في هذا المجال كم من المرات نطق بوش الابن عام 2003 قبل غزو العراق ان على الرئيس صدام حسين أن يتخلى عن السلطة وإذا لم يفعل هذا طوعا سيتم استخدام القوة لازاحته؟ وكم من المرات قال كلاما مشابها الرئيس اوباما (الديمقراطي) والذي منح جائزة نوبل للسلام بمجرد انه القى خطابا في بداية رئاسته انه سيعمل على تحقيق السلام في الشرق الاوسط والعالم ولم يكن العالم يدرك انه يعني بالسلام استخدام مزيد من القوة والقتل الميداني بعمليات استخدام الدرونز الذي ازداد استخدامها في عهده. ألم يهدد الرئيس أوباما عام 2011 الرئيس العقيد معمر القذافي بأن عليه ان يتخلى عن السلطة وان ايامه معدودة قبل تدخل حلف الناتو بطائراته وقصف ليبيا وأدى التدخل الى قتل العقيد بطريق وحشية والتشنيع بجثته؟ وكم من المرات قال أوباما ان على الرئيس الاسد ان يتخلى عن السلطة وان يرحل والا فإنه سيزاح بالقوة ومن اجل ذلك حشدت الاساطيل الامريكية مقابل السواحل السورية؟ ألم يهدد الرئيس ترامب الرئيس الفنزويلي المنتخب شرعيا بأن عليه التنحي عن السلطة وعملت المخابرات المركزية الامريكية على تحريك الشارع من قبل المعارضة وثلة من الخونة والمنظمات الغير حكومية ولإثارة الفوضى في البلاد وخلق عميل س. اي. اى غوايدو واعتباره الرئيس الشرعي لفنزويلا ووضعت تحت تصرفه مليارات الدولارات التي تعود الى فنزويلا في الولايات المتحدة وتحت الاوامر الامريكية رفض البنك المركزي البريطاني تسليم احتياطات الذهب المودعة لفنزويلا في بريطانيا؟ والقائمة تطول على العربدة الامريكية تحت الديمقراطيين والجمهوريين في ارجاء المعمورة.

كل هذا يتم في الوقت الذي يتم فيه عزل الأغلبية العظمى من سكان الولايات المتحدة عما يدور في العالم. أذكر عندما بدأ الغزو الامريكي الى أفغانستان أظهر استفتاء بين الالاف من الشعب الامريكي الداعمين للغزو الامريكي ان أقل من 5% منهم استطاعوا تحديد الموقع الجغرافي لافغانستان او في اية قارة تقع. هذا الجهل بالعالم الخارجي لا ينطبق فقط على الاغلبية من عامة الناس بل ينطبق ايضا على بعض الرؤساء الذين سكنوا البيت الابيض مثل ريغان وبوش الابن وترامب وربما غيرهم.

الخلاصة أنه وبالرغم من أن السياسة الخارجية العدوانية تلعب دورا كبيرا وخاصة من الناحية الاقتصادية على الشعب الامركي حيث صرفت الولايات المتحدة ترليونات الدولارات من دافع الضرائب الامريكي على حروبها العدوانية وبغض النظر عمن يقطن البيت الابيض فالمراقب للانتخابات الرئاسية الامريكية يستخلص ان السياسة الخارجية قلما تأخذ حيزا بقدر أهميتها في الحملات الانتخابية, هذا إذا ما كان هنالك حدثا او ضاغطا للحديث عن السياسة الخارجية. وهذا يؤدي الى مزيد من تجهيل الشعب الامريكي بما يدور في العالم الخارجي وبالتالي يقتصر ويحصر تصويته على السياسة الداخلية للمرشحين الممثلين للحزبين. وعدم الخوض في السياسة الخارجية نابع اصلا من ان كلا الحزبين لا يختلفان على السياسة الخارجية وأن الفروقات بينهما لا تتعدى سبل وطرق تطبيق هذه السياسات التي بمجملها عدوانية وتسعى للسيطرة على العالم. النخب السياسية تخفي هذا الجانب من السياسة لإنها لا تريد ان يعلم الشعب الامريكي ان مقدراته تهدر على الحروب لإثراء الاثرياء بدلا من صرفها على النظام الصحي والتعليمي والرعاية الاجتماعية وإعادة تأهيل البنى التحتية المتهالكة.

 

* كاتب وباحث أكاديمي

 

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023