الدرس الذي يجب أن لا ينساه الشعب والأحزاب… بقلم محمد الرصافي المقداد

الدرس الذي يجب أن لا ينساه الشعب والأحزاب… بقلم محمد الرصافي المقداد

لقد أثبت الشباب التونسي انه على قدر مهم من الوعي، من خلال اقباله بصورة لافتة، على اختيار الأستاذ قيس سعيد رئيسا لتونس، مما أهله لان يتصدر قائمة المترشحين، ويكون منافسا جديا في الدور الثاني، وكان اختيارا مفاجئا لجميع الأحزاب، باستثناء أحزاب المعارضة التي ارتفع منسوبها الانتخابي، كحركة الشعب مثلا.
ما أثار عجب الراي العام الداخلي والعالمي، ان صاحب المرتبة الأولى، والمتقدم بثلاث نقاط، على صاحب المرتبة الثانية، ليس منتميا لأي حزب على الساحة، ولم يستعمل في حملته المتواضعة المال العام، المخصص المترشحين، ومن كانت ماكينة حملته بهذه الإمكانيات المتواضعة، جدا فانه من الصعب عليه، ان يحصد ما يكفيه للصعود الى الدور الثاني، ومن هنا يبدأ الدرس في الاعتبار، لأولئك الذين كانوا يظنون انهم بنفوذهم، او بقوة قواعدهم واتساعها، قد ضمنوا الترشح الرئاسية، بل لعلهم كانوا يمنون أنفسهم، بترشح ممثلهم منذ الدورة الأولى.
ظاهرة اكتساح الشباب نتائج الانتخابات لصالح مرشحهم الأستاذ قيس سعيد، ستكون اقوى في الدور الثاني، اذا لم يقع تزويرها بنفوذ القوى الكبرى، التي لا تريد لنا ديمقراطية حقيقية، ومن المنتظر أن يزداد تقلص شعبية حركة النهضة والأحزاب اليسارية في الانتخابات التشريعية القلدمة، وعلى الشباب ان ينتبهوا جيدا الى كثير من القائمات المستقلة، ففيها ما فيها من الانتماءات الغير معلنة، حتى لا نسقط في عدم تقدير مجلس، يكون كسابقه في الاستهتار بمصالح الشعب، وحصر تمثيله في الاستفادة من عضوية البرلمان، حصانة وامتيازات فقط، دون مردود يذكر، بل لقد شهدنا غيابا متكررا للنواب، وصل في بعض الجلسات التي رفعت الى الصفر.
لقد اثبتت الأحزاب اليسارية، مرة أخرى عقمها، في ان ترتقي إلى ثقة الشباب، وهي على حالها من الصراعات الداخلية المستمرة، ولو انها اجتمعت على مرشح واحد، لكان استر لفضيحتها، في ضآلة أنصارها، وفشلها المتواصل في إرساء قاعدة شعبية مناصرة لفكرها، وهي التي ترفع شعارات الثورة واستكمال مسارها.
اما الأحزاب الجديدة التي اتخذ منها بقايا النظام السابق، اوكارا للتمثيل على الشعب ومجاراته، مداهنة ولؤما في مساره الثوري، فإنها منيت بهزيمة فاجات مرشحيهم وانصارهم، رغم كل ما قاموا به من شراء أصوات غير وطنية بالمال الفاسد، ولا ندري ان كانت عمليات شراء الأصوات كبيرة، لكنها حصلت على أية حال، من خلال تسجيلات أمكن عرضها على الفايسبوك.
والذي يجب عليه حقا استخلاص الدرس مما حصل، هو حزب حركة النهضة، الذي لطخ سجله النضالي والثوري بعدة سقطات، جعلته يخسر مئات الاف المناصرين المتعاطفين معه، في ثاني انتخابات ليتواصل التناقص بعد ذلك، مع كل خطأ تقع فيه قيادته المركزية، وعلى رأسها الشيخ راشد، وبلا شك فان اكبر معضلة اوقع فيها الشيخ جماعته، هي وقوفه مع المتآمرين على سوريا، ومنها حركة الاخوان المسلمين، التي ينتمي إليها، ويصر على أن حركته ليست من ذلك النسيج، ولا تتفق معها في فكرها.
وقوف اقره بعظمة لسانه ذات زيارة قام بها القرضاوي الى تونس تلبية لدعوة من جامعة الزيتونة وكنت حاضرا يومها وشاهدا على ما قاله حماسة أمام الطلبة (كل الشعوب العربية الثائرة كانت تنادي بإسقاط أنظمتها الا الشعب السوري الذي كان ينادي بإعدام الرئيس) ومن هذا التعبير المزايد على الواقع، والخرافي في منطقه الذي لم أسمع به، ولا تناهت إلى أصوات دعاته، وانا متواجد في سوريا، وقبل وبعد ما سمي بالربيع العربي، وحري به ان يكون عبريا خالصا، بدا الشيخ مغردا بما يرضي ضيفه القرضاوي، ويزيد من حماسة المتطرفين حوله تحفيزا لهم على الذهاب للجهاد في سوريا ودون أن استغرق في هذه النقطة فان ملفها مفتوح ويحتاج إلى إرادة لاحالته على القضاء من اجل التحريض وما وراءه من جمعيات وهمية وشبكات تسفير وشركة طيران وأموال من أين جاءت؟ وفي اي مجال أنفقت؟
والذي زاد من عزلة النهضة، أنها عادت كما بدأت، متقوقعة في الوسط الشعبي، منغلقة على أنصارها، فيما تعلق بتنظيمها الداخلي، متحسبة لما قد تنجرعنه اخطاؤها السياسية، تراجع كارثي في شعبيتها، جعل احد اعضائها، وهو القيادي محمد بن سالم، لا يتردد في التعبير عنه بكل أسف ومرارة، ويرجعه الى قبول الحركة بالتعامل مع الفاسدين من خارجها وتتغلغل بعضهم داخلها.
القيادي النهضاوي محمد بن سالم دعا بدوره شيخ الحركة، الى “العودة الى رشده”، بما يؤكد أن الشيخ راشد منفرد برأيه داخل حركته، وفارض له دون بقية الاعضاء، فرأيه مقدم على بقية الآراء، والمكتب السياسي للحركة مثلا، حسب ما قيل غير منتخب، ويختاره الشيخ بنفسه، رغم دعوات البعض بأن يكون منتخبا، وظاهرة استبداد الشيخ برأيه قديمة، منذ تأسيس حركة الاتجاه الاسلامي، ومن شب على شيء شاب عليه.
ما نريده أن يحصل داخل الحركة علاجي وليس القضائي لها، يخلصها من ظاهرة اصبحت عاهة مستدامة فيها، وهي الاستبداد بالرأي الذي عرف به الشيخ راشد، ويجدد قياداتها المركزية والجهوية على حد سواء، والتغيير هنا يجب أن يكون جذريا وليس قشريا، وان تراجع الحركة مواقفها، من استحقاقات الشعب الداخلية، ومن طموحاته الخارجية، في ان يتحرر من تبعية الدول الاستعمارية وخصوصا فرنسا، واستمرار نهبها لخيراتنا، وعرقلتها لنمو اقتصادنا، وان تعيد تعديل يوصلتها كما كانت قديما، نحو فلسطين والقدس وتحرير الأرض المغتصبة من الكيان الصهيوني، وان تقطع مع مسار التطبيع الذي سلكته الحركة، بملازمة الصمت والسكوت على ما جرى، بل والوقوف في صف المعارضين، لإقرار مشروع قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، ومن العار ان يكون قلب الحركة وتاريخها مع القضية الفلسطينية، وتكون سيوفها ضدها، بهذا السلوك الغريب، الذي جعل غالبية الشعب تقرر، ان الحركة تحولت من الثورية الى الرجعية.
فهل يستجيب الشيخ راشد لنداء العقل ويطبخ جماح دكترته على الحركة فيكون عضوا بينها له ما البقية من حقوق أم سيتمادى بعقلية الملكية الخاصة فيزيد من إحاطة نفسه باقارب واشخاص لا يجرؤون على معارضته؟
واهم من هذا كله الكف عن أسلوب اللهث وراء الحكم بالتوافق الائتلاف، والنزول عند رغبة القوى الكبرى، باذرعها الفاسدة في الداخل، بالسيطرة على البلاد وتنفيذ رغباتها، كالتغاضي عن مراجعة اتفاقات استغلال مناجم الملح الطبيعي والنفط، والحيلولة دون عرض مشروع قانون تجريم التطبيع، وهذا كله كان سببا منطقيا لسقوط الحركة شعبيا.
فرصة التدارك لا تزال قائمة، وتزداد ضآلة بعد كل وقت يمر، دون مراجعة السياسات التي أثبتت عقمها، فهل سيغلب العقل والمصلحة الوطنية قبل الحزبية بعد هذا الدرس المؤلم؟

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023