الدَّرس الفرنسي الذي لم يستوعبه بعضنا بعد

الدَّرس الفرنسي الذي لم يستوعبه بعضنا بعد

بقلم: فوزي حساينية-كاتب جزائري |

– كلما جرت بعض المنافسات الكروية الكبرى خاصة منافسة كأس العالم في كرة القدم أو منافسة كأس الأمم الأوربية وغيرها نقرأُ العديد من المنشورات التي تقول أن فرنسا في الواقع لا تملكُ فريقا فرنسيا في كرة القدم ! لأن كلَّ أو جُل اللاعبين في المنتخب الوطني الفرنسي لكرة القدم يعودون إلى أصول إفريقية وعربية في الغالب الأعم، وإلى أصول أوربية متنوعة في الحالات القليلة المُتبقية ..
– وبعض هذه المنشورات يعتمد بالأساس على توظيف عامل الصورة، أي إبراز الأصول الإفريقية لأغلب اللاعبين في المنتخب الفرنسي من خلال لون البشرة ! ثمَّ تُتْبَعْ هذه الصور بتعليقاتٍ غريبة تتساءل : ” أين هم اللاعبون الفرنسيون ” ؟ أو ” فرنسا هي البلد الإفريقي الوحيد الحاضر في مونديال كذا ” !..وأصحاب هذه التعليقات يُدَّلِلُونَ على عنصريتهم بطريقة أو بأخرى، لأنهم يستنكرون- من خلال تعليقاتهم – أنَّهُ يمكن للفرنسي أن يكون أسمر أو أسود البشرة. والواضح أن الهدف الأساسي من هذه المنشورات هو العمل على إظْهار أو إيصال فكرة أن فرنسا قد قامت بسرقة أفضل لاعبيها في كرة القدم من القارة الإفريقية وغيرها، فهل هذه المآخذ كما يظن أصحاب التعليقات تُدينُ فرنسا أو تدين تلك الدول التي فرَّطتْ في أبنائها الموهوبين ولم تعرف قيمتهم، وتدين أؤلئك المعلقين الذين يستغربون أن يكون العربي أو الإفريقي لاعبا في الفريق الفرنسي الأول لكرة القدم، لأنه أسود البشرة ؟
– في الحقيقة أن ما قام به المسؤولون- المسيرون- الفرنسيون يكشف على الذكاء التقليدي الفرنسي،فقد فهم الفرنسيون أن الوصول إلى تكوين فريق قوي في كرة القدم قادر على مقارعة الكبار يتطلب أفضل المواهب التي لا يمكن الحصول عليها إلا من خلال فتح المجال أمام أصحاب المواهب بعيدا عن الحواجز والعقبات المختلفة، وهو أمر يشرف فرنسا ويعزز مكانتها ليس كرويا فحسب، ولكن سياسيا وثقافيا وإعلاميا، ويكشف بوضوح أنه بمقدور أبناء إفريقيا أن يصبحوا مواطنين فرنسيين، وأن يمارسوا هواياتهم ويطورونها وأن يأخذوا فرصتهم في التعبير عن قدراتهم دونما عائق عرقي أو ثقافي أو جهوي، والدليل هو الوجود المكثف للاعبين الذين يعودون بأصولهم إلى إفريقيا في مختلف النوادي الفرنسية. ويمكنك أن تقارن ذلك بما يتعرض له من حين لآخر اللاعبون الجزائريون الذين ولدوا ونشأوا في أوربا من حملات تشكك في وطنيتهم ودوافع حملهم للألوان الوطنية، من قبل بعض وسائل الإعلام التي تصف نفسها بـ ” الجزائرية ” ومن طرف بعض المعقدين الذين يحسبون أن حدود العالم تنتهي عند غرورهم،وأفكارهم الكريهة البائسة .
– والتجربة الفرنسية هي الآن تجربة أوروبية فسواء تعلق الأمر بالفريق البلجيكي أو الإنجليزي أو الألماني بصورة أقل، فإن الباب مفتوح أمام المواهب الصاعدة لتكون ضمن مختلف النوادي والفرق بما فيها المنتخبات الوطنية لتلك الدول، وهذا هو الدرس الذي علينا أن نتعلم منه.
إن العنصرية موجودة في أوروبا بوجه عام مع وجود آليات وجهود لمحاربتها والحد من انعكاساتها، ولكن ماذا عن العنصرية الموجودة في مختلف البلاد العربية ، أين يُحرم آلاف الشباب من نيل أبسط الفرص لإثبات ذواتهم، والبرهنة على قدراتهم بسبب سياسات التمييز بين أبناء الوطن الواحد ، ولعدم احترام مبدأ تكافؤ الفرص ، وبسبب سيطرة لوبيات الفساد على أغلب المؤسسات التي من المفروض ان تضطلع بواجبها في التكفل بالمواهب في شتى تجلياتها، ولعجز ما يسمى بوزارات الشباب والرياضة عن الخروج من دائرة التسيير البيروقراطي في أسوأ وأردأ معانيه، فالعنصرية ليست فقط التفريق بين الناس على أساس لون البشرة كما يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية هذه الأيام، ولكن التمييز العنصري قد يتجسد أيضا من خلال المحسوبية والوساطة وإعطاء المناصب لغير مستحقيها انحيازا لأهل هذه المنطقة أو تلك من مناطق الوطن، ومحاباة أبناء الأسر النافذة في السلطة على حساب أبناء الشعب من الأسر غير المقربة من دوائر السلطة، كل هذا وما يُشاكله من تصرفات وسلوكات يندرج في دائرة العنصرية، وليس في دائرة الفساد فحسب، ولذلك فالعنصرية بكل ألوانها مرفوضة ويجب محاربتها كما جاء في الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لسنة 1965، ومن هنا نقف على حجم النفاق السائد في بلادنا العربية أين يجري التغاضي على أنواع عديدة، وأشكالٍ مختلفة من التمييز العنصري المتغلغلة في نسيجنا الاجتماعي، وموروثنا القيمي، والمستفحلة في الأجهزة العليا لدولنا وتنعكس في شكل قرارات وأعمال تُسخِّر إمكانيات الدولة وقدراتها لخدمة فئآت اجتماعية محظوظة على حساب الغالبية الشعبية المتروكة لمصيرها.
والسؤال الذي أختم به هو؟ : ما الذي يمنع دولنا العربية من أن تصبح بلدانا جاذبة للمواهب الإفريقية ومستفيدة منها مثل فرنسا ؟

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023