الرهانات الخاطئة للسلطة الفلسطينية…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

ما زال الكثيرون من القيادات المتنفذة في الساحة الفلسطينية والمستأثرين والمحتكرين للقرار الفلسطيني يتدارسون الرهانات المتاحة لهم في الساحة وتلك الرهانات لا صلة لها من قريب او بعيد بالمقاومة التي يجب ان تكون رهانهم الوحيد في هذه المرحلة التي تعمل فيها اسرائيل وبدعم من بعض القوى الاقليمية والدولية لتصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي. وسنستعرض أهم هذه الرهانات هنا.

المراهنة على مجيء بايدن الى البيت الابيض. أين يقف بايدن من القضية الفلسطينية واسرائيل؟ 

إن مواقف بايدن بشأن إسرائيل / فلسطين وبحسب المحللين هي إلى يمين مواقف الرئيس أوباما – الذين اشتبك علنا مع إسرائيل فيما يتعلق بقضايا مثل المستوطنات والصفقة النووية الإيرانية – وفقط أقل تشددًا من مواقف ترامب. وقد تم توضيح مواقف بايدن في 18 مايو في بيان على موقع حملته الانتخابية على الإنترنت بعنوان جو بايدن والجالية اليهودية: سجل وخطة صداقة ودعم وعمل.وقد افتتح هذا البيان بالخلط بين الدولة اليهودية والقيم اليهودية واستمر في التباهي بدور بايدن في زيادة المساعدة العسكرية لإسرائيل في نهاية إدارة أوباما. كما وعد بايدن بأنه ، سيواصل الهجمات على الأفراد والمنظمات التي تقاطع إسرائيل لأسباب سياسية وأشار إلى “خيارات” الفلسطينيين لارتكاب العنف. وقد اضطر الى سحب قضية خيارات الفلسطينيين بعد ان وصله العديد من الشكاوي. ولكن هذا بالطبع لا يلغي رؤيته للنضال والكفاح الفلسطيني ضد الاحتلال الاسرائيلي على أنه “إرهاب” في حين أنه لم يجرؤ على توجيه الانتقادات الى جرئم الاحتلال بحق الشعب الفلسطسنس المحتل, وإن سحب هذه الكلمات المهينة للشعب الفلسطيني ونضاله إنما جاءت لاسباب انتخابية بحتة ليس الا. هذا الى جانب ان الولايات المتحدة كانت وما زالت تستخدم حق الفيتو في مجلس الامن الدولي لاي قرار يدين اي قرار يمس إسرائيل من قريب او بعيد وتجرم وتلاحق اية مجموعة او أفراد يناهضون السياسة العدائية المجرمة لاسرائيل بحق الشعب الفلسطيني المحتل.

المراهنة على غانتس وحزبه ابيض أزرق

هذا الحزب وإن بدا ظاهريا انه مختلف عن اليمين المتطرف الاسرائيلي كما يسمونه والذي يقوده نتنياهو الماضي في ضم 30% من اراضي الضفة الغربية الى جانب منطقة الاغوار التي تعتبر من اهم المصادر المائية والزراعية في الاراضي المحتلة عام , فإنه لا يختلف من حيث مبدأ الضم عن نتنياهو على الاطلاق وإن إختلف فإنه يختلف معه فقط في ان عملية الضم يجب أن تكون بالتفاهم والاتفاق من خلال المباحثات مع بعض الدول العربية وخاصة الخليجية منها وليس الفلسطينيين وذلك لضمان ان يكون إعتراضها على عملية الضم لن يتجاوز الادانة اللفظية فقط الى جانب بقائها مع اسرائيل علانية والمضي في عملية التطبيع.

كلاهما صهيون حتى النخاع. وغانتس يعتقد انه بإتخاذ هذا الموقف سيضمن أصوات الاسرائيليين المناهضين لعملية الضم القسري لسبب او لاخر لما يروا فيه خطرا على امن إسرائيل مستقبلا. والمتابع يرى ان هنالك اصوات حتى من الطبقة العسكرية والسياسية والاستخباراتية التي حذرت من عملية الضم الواسعة المقترحة في صفقة القرن.

المراهنة على دول الاتحاد الاوروبي

لقد اثبتت التجارب ان دول الاتحاد الاوروبي عاجزة ولا تقوى الخروج عن الارادة الامريكية وقاطن البيت الابيض سواء أكان ديمقراطيا أو جمهوريا. وحتى ضمن إدارة ترامب التي تعاملت وبشكل فظ ووقاحة متناهية مع رؤساء دول فاعلة ووازنة ضمن هذا الاتحاد وأقصد هنا المانيا وفرنسا على وجه التحديد لم تقف دوله وإتحاده متحدية في وجه الغطرسة الامريكية بالشكل الذي يليق ويتناسب مع أوروبا وتاريخها وحضارتها وثقافتها. فهي وللان وبالرغم من مضي اكثر من من ربع قرن على انتهاء الحرب الباردة بسقوط الاتحاد السوفياتي وتفكك جمهورياته ما زالت هذه الدول أسيرة للولايات المتحدة التي ربطت مصالح هذه الدول وخاصة الاقتصادية منها والامنية بالولايات المتحدة منذ الانتهاء من الحرب العالمية الثانية. فحلف الناتو ما زال قائما وما زالت الولايات المتحدة تستخدمه كمطية لمصالحها الاستراتيجية وحروبها الخارجية. 

لقد إقتصر الدور الاوروبي فيما يخص الارضي المحتلة على تقديم المعونات الاقتصادية والتنموية والدعم المالي للسلطة الفلسطينية. وبالرغم من أن دول الاتحاد الاوروبي هي أكبر ممول للسلطة الفلسطينية وبناء المشاريع وخاصة في تطوير البنى التحتية الا ان دورها السياسي مقزم من قبل الولايات المتحدة وأقتصر دورها في الرباعية وخاصة عندما كان بلير البريطاني الصهيوني مبعوثها بالضغط على الطرف الفلسطيني للحصول على مزيد من التنازلات من قبل السلطة الفلسطينية لصالح العدو الصهيوني كما ورد في العيدي من التحليلات. 

نعم قد يحق للسلطة الفلسطينية ان “تتباهى” بأن معظم دول الاتحاد الاوروبي مناهضة لعملية الضم وأنها قامت بارسال الرسائل العلنية والسرية الى نتنياهو والحكومة الاسرائيلية بهذا الخصوص وأن بعض الدول الاوروبية تدرس ماذا سيكون موقفها العملي فيما اقدم نتنياهو على ضم الاراضي الفلسطينية ضمن صفقة القرن الا ان دورها ومواقفها لن يتعدى الادانة اللفظية كما اثبتت التجارب. فهي لم تتحرك للتعامل مع كل السياسات الاسرائيلية فيما يخص المستوطنات على سبيل المثال لا الحصر  سوى بهذا الاسلوب. ولم تتجرأ دول الاتحاد الاوروبي على سبيل المثال من إدانة اسرائيل عندما قامت بقصف محطة الكهرباء في غزة التي بنيت بأموال من هذا الاتحاد والطلب منها بدفع التعويضات عن هذا العمل الاجرامي. 

والاتحاد الاوروبي يقتصر دوره دائما على إيجاد صيغ توافقية في مجلس الامن الدولي وتحت المظلة الامريكية والمطالبة بخفض النبرة وكلمات الادانة الى اسرائيل ان نصل الى الحد الذي يصبح به نص القرار من الميوعة لدرجة ان تقديمه او عدم تقديمه لن يقدم أو يؤخر. وحتى إذا تم تمرير قرار وهذا نادر جدا فإنه لا يتبع بأية الية لتنفيذه.   

المراهنة على النظام العربي الرسمي

المراهنة على الدول العربية أو بالاحرى على النظام الرسمي العربي فنحن لا نريد العودة كثيرا في التاريخ الاسود لهذه الأنظمة الرجعية وتآمرها على القضية الفلسطينية كما اشارت العديد من الدراسات التي إعتمدت على الارشيف ولكن نود ان نذكر ببعض الامور مثل ضم الجولان في منتصف ثمانينات من القرن الماضي, نقل السفارة الامريكية الى القدس الشرقية , محاصرة الرئيس ابو عمار في المقاطعة, بناء وتوسيع المستوطنات اليهودية السرطانية على الاراضي المحتلة عام    67 ..كلها مواقف لا تنبىء بأن المواقف الرسمية العربية من عملية الضم المتضمنة في صفقة القرن أن تكون مغايرة لتلك المواقف. بمعنى ان المواقف لن تتعدى تصريحات الادانة والشجب وغياب تواجد اية آليات عملية مشتركة على الارض للوقوف والتصدي بحزم على ما ستقدم عليه اسرائيل. ولم نسمع اصوات ولو باهتة تنادي بعقد قمة عربية ليس لان القمة ستخرج بقرارات مصحوبة باليات للتحرك بل على الاقل لحفظ ماء الوجوه القبيحة المتآمرة كما كان يحدث في السابق. بمعنى حتى هذه الخطوة العاجزة والمستكينة والمستسلمة لم تعد موضوعة على لائحة أولويات النظام الرسمي العربي الذي لم يعد لديه الرغبة في حفظ ماء وجهه القبيح وإفتضاح تآمره وخيانته المكشوفة. هذه هي الدرجة المنحطة التي وصل اليها النظام العربي الرسمي والاتي أعظم. ناهيك عن عمليات التطبيع مع هذا العدو المغتصب التي أصبحت تجري وبالعلن ودون حياء او خجل التي تقودها الامارات العربية الان وبكل ما اوتيت من قوة ومتجاوزة الدور السعودي التقليدي لاسباب كنا قد اشرنا اليها سابقا. والنظام العربي الرسمي فقد بوصلته وإتجاهها التي كانت مصوبة نحو العدو الصهيوني ليستبدلها بأخرى مصوبة تجاه إيران ومحور المقاومة من خلال حرب مبنية في ظاهرها على اسس طائفية ومذهبية مقيتة لاثارة المنطقة وجر شعوبها الى هذه الحرب التي في جوهرها ما هي الا لأسباب سياسية وتبرير الارتماء في أحضان الاستراتيجية الصهيو-أمريكية في المنطقة لضمان ممالكهم وعروشهم وإماراتهم. 

هذه الرهانات في مجملها رهانات خاسرة ولن تقودنا الا لمزيد من الضياع وسياسة الخنوع والاستسلام للواقع وعدم الخوض في عملية جذرية تسعى لتغييره منطلقين من استراتيجية معتمدة على الايمان ان إنهاء الاحتلال يتطلب ان نجعل هذا الاحتلال مكلف على جميع الاصعدة السياسية والدبلوماسية والاخلاقية والاهم هي التكلفة الاقتصادية والبشرية للاحتلال. وإذا لم يتم التحرك ضمن هكذا إطار وتوحيد الجهود والرهان على شعبنا ومقاومته فإن الاتي سيكون كارثيا علينا جميعا. 

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023