الرُّدودُ الأمريكية نَفَسٌ صهيوني في طريق إفشال الإتفاق النووي…بقلم محمد الرصافي المقداد

الرُّدودُ الأمريكية نَفَسٌ صهيوني في طريق إفشال الإتفاق النووي…بقلم محمد الرصافي المقداد

 

 

يبدو أن فرصة عودة أمريكا إلى الإلتزام بالاتفاق النووي أصبحت بعيدة المنال، ولست ممن يُشائم في نجاح دبلوماسية إيران الحكيمة في هذا الملفّ، بل ممن يقرأ الأمور بواقعية حسب المعطيات المتوفرة حاليا، إيران وبعد مشاورات داخلية ردّت أكثر من مرّة على المقترحات الأمريكية التي تسلمتها من الجانب الأوروبي، وهي تمثل محاولات لجرّ إيران  للتنازل عن بعض حقوقها، وفي نفس الوقت مباراة دبلوماسية في جس نبض صمود الجانب الإيراني، وقد تضمّنت ردود إيران عليها إجابات صريحة لا تحتمل التأويل، وإيران ملتزمة دينيا وحقوقيا وشعبيا ببلوغ أهداف أصبح العالم كلّه يعرفها، ويدرك صلابة قيادتها في التمسّك بالمضيّ في تحقيقها، والتطرّق إلى تلك الأهداف  من قريب أو بعيد، يعدّ بالنسبة إليها خطا أحمر لا يمكن أن تقبل بتجاوزه ولو فشل الإتفاق وقُبِر نهائيا.

الأمل الذي علّقته أمريكا في هذا الملفّ- وهي حمالة آمال الكيان الصهيوني – باعتماد سياسة الضغوط القصوى على إيران، من أجل ضمان أمنه وتحقيق طموحاته على أرض فلسطين وفي المنطقة، وقد أرُبَتْ على ما يزيد على 43 سنة، وتكثفت خلال السنوات الأخيرة، لتظهر النوايا الأمريكية الحقيقية تجاه إيران، وهي عدائية بصورة لا يمكن أن يتخيّلها، من مازال يعتقد حُسن نيّة واحدة لدى الإدارة الأمريكية، وهي حامية لأسوأ كيان عرفه التاريخ البشري، فليراجع نفسه.

إن ما صدر من تعاليق من مسؤولين في داخل الكيان الغاصب، هي تعابير دبلوماسية عن نتائج المفاوضات، التي لن يتم الإنتهاء منها والموافقة عليها، من دون رضا هذا الكيان، وهي بالأحرى محاولات أمريكية، للوصول إلى تحقيق رغبته، في إبعاد ايران بأي وسيلة عن سوريا، وعن الصراع مع العدو الصهيوني، لذلك فإن تعبير وزير الخارجية الأمريكي بأن الرّدّ الإيراني الأخير عل التعديلات الأمريكية على مقترحات إيران، من أجل إبرام إتفاق حول برنامجها النووي، يمثّل خطوة «إلى الوراء»، تعبير أمريكي عن فشل ذريع، منيت به سياسة إدارة البيت الأبيض كان رئيسها بايدن يأمل في كسب شيء مفيد لكبرى القواعد الأمريكية ( إسرائيل) يعطيها فرصة معقولة في البقاء بالمنطقة أكثر .

بلينكن صرح للصحافيين ببروكسل: «في الأسابيع الأخيرة، ردمنا بعض الهوات، ابتعدت إيران عن بعض المطالب الخارجة عن الموضوع، وهي مطالب غير مرتبطة بخطة العمل الشاملة المشتركة (الإتفاق النووي)»، وأضاف: «لكن الرد الأخير عاد بنا إلى الوراء، ولسنا على وشك الموافقة على إتفاق لا يفي بمتطلباتنا الأساسية». وتابع: «إذا توصلنا إلى إتفاق، فسيكون ذلك فقط لأنه سيدعم أمننا القومي».(1) يقصد طبعا أمن الكيان الغاصب.

خبراء وعقلاء العالم متأكّدون اليوم، أنّ من يعرقل الوصول إلى ابرام إتفاق بين الدول الغربية وإيران، بشأن ملفّها النووي، هو الكيان الصهيوني الذي سعى جاهدا، وبذل كل ما في وسعه من دهاء، أن يدقّ إسفين عدم توافق بين الغرب وإيران، خصوصا من الجانب الأمريكي، صاحب القرار الحقيقي في إبرامه من عدمه، وكأن دبلوماسية أمريكا والغرب، وصلت إلى حدّ من الخداع وقلب الحقائق بما يوحي، أنّ التقصير في الموافقة على تعديل بعض نقاط الملف النووي، حاصل من الجانب الإيراني، لكن العكس صحيح، ومحاولات جرّ إيران للخروج عن مسارها المبدئي، واظهار تنصّلها من التزاماتها الدينية لم تفضي إلى نتيجة.

وفيما قال (أمير حسين عبد اللهيان) وزير الخارجية الإيراني :إن الحكومة الإيرانية بذلت جهودا عظيمة لرفع العقوبات الأميركية، وأنها بلغت المراحل الأخيرة من رفع العقوبات، في المفاوضات النووية مع المجموعة الدولية، وبالذات الولايات المتحدة الأميركية. وأضاف أن التوصل إلى اتفاق سيُتاح إذا تحلّت واشنطن بـالواقعية. وفقاً لوكالة (إيرنا) الإيرانية الرسمية.(2)

تأرجح الدبلوماسية الغربية، بين الإستجابة إلى الواقع الذي فرضته إيران عليهم، بفضل حكمتها وجدّيتها وصدقها، حيث لا مفرّ لدُوَلِه وخصوصا أمريكا، من إبرام تفاق نووي معها، مراعاة لمصالح الجميع، خصوصا الجانب الغربي الذي أصبحت دوله في مأزق طاقة خطير، بعد الحرب في أوكرانيا وتورط دوله فيها، ومع قناعة هذه الدّول بسلمية البرنامج النووي الإيراني، فإنّ الفزاعة الصهيونية التي أُطلِقت، بشأن هاجس تحوّل جزء منه إلى برنامج عسكري، أربكت حساباته، ودفعت به إلى التراجع، وإطالة أمد الوصول إلى إتفاق يُرْضي الجميع.

ضمان الأمن الأمريكي الصهيوني لن يكون على حساب إيران وطموحاتها، لتصبح ضمن الدّول النووية السلمية، من أجل إفادة شعبها خصوصا والإنسانية عموما، وما على المفاوض الأمريكي المتحكّم في نجاح إبرام إتفاق مع إيران أو فشله، سوى التحلّي بواقعية مقبولة من الجانب الإيراني، أصبحت اليوم مطلوبة في كنف الأوضاع الراهنة، نزعا لفتيل حرب إن اشتعلت، فستحرق جميع آمال أمريكا الباقية، في زعامة أصبحت شكلية، لم تعُدْ تُرْضي قُوى أخرى، لها رؤيتها في تعديل أوتار عزف جماعي، لشراكة عادلة في قانون عالمي يراعي حقوق الجميع أقوياء وضعفاء، بدل استئثار قطبية واحدة عليه، برهنت على ظلمها وحيفها ردحا من الزّمن.

النظام الإيراني بوضوح سياساته ومبادئه، وجد إلى جانبه دولا كبرى، لها وزنها في مجلس الأمن، يدافعان عن حظوظ بلاده بشأن ملفه النووي السلمي، كالصين الشعبية وروسيا، يدعمانه ويريدان من أمريكا والغرب الرجوع إليه، بقناعة صفائه ونقائه من أي شائبة تعتريه، خلافا لما روّج له الكيان الصهيوني من أجل إفشال أي توافق بشأنه، وأعتقد أن الخيار الوحيد اليوم أمام أمريكا ودول الغرب، هو العودة إلى إحياء الإتفاق مع إيران، خدمة لمصالح الجميع، بل إنّ مصالح الغرب في عودة المعاملات الإقتصادية مع إيران أكبر، خصوصا في مجال الطاقة ( النفط والغاز)، وغيرها مما تميزت به إيران.

وفيما تعمل الوكالة الدولية للطاقة النووية على خدمة الأهداف الصهيونية، تحت الضغط الأمريكي قالت على لسان مديرها العام (رافاييل ماريانو غروسي) أن الوكالة “لا تستطيع ضمان” الطبيعة السلمية للبرنامج النووي الإيراني، لرفض طهران الرد على مسألة المواقع غير المعلن عنها والمشتبه بأنها شهدت أنشطة غير مصرح عنها، في الوقت الذي هددت فيه إيران من أن أي تدخل عسكري إسرائيلي “سيكون ثمنه باهظا”.(3)

من جهة أخرى، فإن ما يتردّد من إحتمال توجيه ضربة نووية لإيران كحلّ أخير، بعد استنفاد حيل استدراجها لشروط لا تخدم مصالحها،  ليس من الواقعية ولا من الإمكان في شيء، فزمن هيروشيما وناكازاكي انتهى، والدّول التي تمتلك أسلحة نووية، وهي مستهدفة أمريكيّا، مثل إيران كالصين وروسيا وكوريا الشمالية، ومُدْرِكة تماما أنّ الدّور قادم عليها، في صورة نجاح الضربة المزمع تنفيذها في الخيال الصهيوني، حسابات تدرك الإدارة الأمريكية جيّدا أن أضرارها لا يمكن حصرها، ولا إنهاء مدى تمدّدها، لتعصف بكل أمل هيمنة لها في العالم.

المراجع

1 – بلينكن يتهم طهران بإعادة محادثات النووي «إلى الوراء»

https://aawsat.com/home/article/3865486/

2 – إيران: المفاوضات النووية في مرحلتها الأخيرة وعلى واشنطن التحلي بـ”الواقعية”

https://www.alaraby.co.uk/politics/

3 – الوكالة الدولية للطاقة الذرية تؤكد إنها “لا تستطيع ضمان” سلمية البرنامج النووي الإيراني https://www.france24.com/ar/20220907-

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023