العالم بعد ترامب وانهيار النظام الأميركي…بقلم تحسين الحلبي*

العالم بعد ترامب وانهيار النظام الأميركي…بقلم تحسين الحلبي*

أصبح من شبه المؤكد أن البيت الأبيض سيودع ترامب بعد خسارته المتوقعة في انتخابات الرئاسة وحينذاك سنجد أمامنا عالم ما بعد ترامب وهذا ما كانت المجلة الفصلية الأميركية للدراسات السياسية والفكرية «فورين أفيرز» قد تحدثت عنه قبل أكثر من سنتين في تحليل بعنوان «العالم بعد ترامب.. هل سيبقى النظام العالمي الأميركي؟» نشرته في عدد آذار– نيسان 2018 تحذر فيه من تزايد أعراض انهيار النظام العالمي الأميركي المهيمن والتي بدأت تظهر قبل تولي ترامب الرئاسة عام 2016.

وبيّنت المجلة ما تسبب به ترامب أثناء رئاسته من تزايد متسارع في تفتت النفوذ الأميركي وعجز نظامه الأحادي القطب عن تحقيق الأهداف الأميركية وتراجع مكاسبها وخاصة أن سياسة ترامب أدت إلى توسيع الفجوة بين النفوذ الأميركي ونفوذ بقية دول العالم الكبرى.

ومع خسارة الولايات المتحدة لمكانتها “كقوة هيمنة كبرى” في جولاتها السياسية في الشرق الأوسط والانخفاض الحاد في “قوتها ” في أفغانستان أو العراق أو سورية وكذلك في مواجهة إيران بدأ العالم يتجه نحو نظام عالمي جديد لن تستطيع فيه واشنطن ضمان بقاء المصالح والمكاسب الأميركية الامبريالية التي حققتها في السابق.

إضافة إلى ذلك نشر بريت بروين أهم المختصين في شؤون إستراتيجية العولمة والنظام العالمي في البيت الأبيض في عهد أوباما دراسة في مجلة «بيزنيس اينسايدر» الأميركية الشهيرة في 2 آب الجاري تحت عنوان «ترامب دمر النظام العالمي الأميركي وحان وقت التفكير فيما سيحدث بعده» إذ يعترف بروين أن «ترامب دمر النظام العالمي الأميركي الذي بنيناه منذ مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وتسبب بانخفاض نفوذنا في العالم فقد انسحب من اتفاقية باريس للمناخ ومن الاتفاق النووي مع إيران وانتقد حلف الأطلسي وهدد بالانسحاب منه.. وزعزع العلاقات مع الاتحاد الأوروبي ولذلك أصبح جدول العمل الأميركي بعد ذهابه هو إعادة بناء العلاقات مع الحلفاء بهدف إعادة تشكيل النفوذ الأميركي في السنوات المقبلة».

وفي هذا التشخيص السياسي لبعض نتائج سياسة ترامب ومضاعفاتها بالغة السلبية على قدرة الولايات المتحدة فإن ما يمكن الاستنتاج منه هو أن الفراغ الذي نشأ عن ضعف وهزيمة سياسة ترامب في المنطقة حلت محله تحالفات إقليمية صاعدة في ساحة الشرق الأوسط وتحالفات دولية تزداد قدراتها على فرض دورها في الساحة العالمية بل إن السياسات التي ثبتتها قوى محور المقاومة في المنطقة وكذلك سياسات روسيا والصين المنسجمة معها على الساحة العالمية ستؤدي إلى خلق صعوبات كبيرة أمام محاولة الولايات المتحدة استعادة مكانتها في المنطقة أو جزء من تلك المكانة.

وينتقل بروين إلى تصور جدول العمل المطلوب تبنيه بعد مرحلة ترامب التدميرية فيبين أن المطلوب هو:

1- “أن لا تسمح الولايات المتحدة باستمرار نفوذ الفيتو الروسي والصيني المعرقل للسياسة الأميركية في مجلس الأمن الدولي”.

2- “عدم السماح لروسيا والصين وكل قوة منافسة للولايات المتحدة بالحصول على موقع الشريك في إعادة بناء قواعد النظام العالمي ما بعد مرحلة ترامب، وهذا ما يفرض على واشنطن تفتيت أي تكتل دولي تسعى روسيا والصين إلى إقامته لتوظيفه في الساحة العالمية كشريك في رسم السياسات العالمية التي تخدم مصالح الدول المشاركة فيه”.

3- “ولتحقيق هذا الهدف يتوجب على الإدارة الأميركية الجديدة أن تولي اهتماماً لإعادة بناء تحالفاتها مع الدول الأوروبية ودول أخرى مهمة في العالم”.

ويبدو أن الطريق إلى تنفيذ مثل هذه المهام سيؤدي في أغلب الاحتمالات لإعادة العالم إلى وضع جديد من الحرب الباردة بين كتلتين كبيرتين إحداهما كتلة صاعدة تريد المحافظة على استقلالها عن الهيمنة الأميركية وتريد بناء نظام عالمي يقوم على الشراكة والتعاون لا على الهيمنة والسيطرة وفرض الشروط .. والأخرى كتلة الاستعمار الامبريالي الذي لا يريد التخلي عن مصالحه الأنانية على حساب مصالح الشعوب وحريتها في اختيار طريقها نحو مستقبل أفضل وهذا ما تفعله واشنطن وباريس ولندن أهم عواصم الاستعمار التاريخية الامبريالية التي ما تزال تعتمد على الحروب والغزو لسرقة ثروات الشعوب ومقدراتها, فالكل يرى كيف تعمل فرنسا على استعادة مستعمراتها في إفريقيا وكيف تتقاسم بريطانيا والولايات المتحدة ما كان للأولى من مستعمرات في آسيا وإفريقيا وكيف يحاول أردوغان العثور على موقع عثماني جديد له ودور على حساب الشعوب بالتحالف مع نفس الذين قضوا على سلطنته العثمانية في القرن الماضي.

لكن الزمن لم يعد يخدم كل هذه القوى بعد أن تحولت دول صغيرة بالمقارنة مع الدول الاستعمارية إلى قوى إقليمية قادرة بقوتها وتحالفاتها على ردع دول كبرى مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وخير مثال على ذلك سورية وإيران ومعهما المقاومة وكذلك كوريا الديمقراطية التي توقع الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن أنه بعد غزوه للعراق وأفغانستان “قضى عليها” حين أطلق عليها اسم “الدول الفاشلة” فأصبح بعضها نووياً والبقية إقليمية كبرى تردع الأعداء.

كاتب من فلسطين*

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023