العرب التائهة تعود إلى رشدها .. ماذا عن “المعارضون”؟

المهندس ميشيل كلاغاصي |

كالأميرة النائمة وبعد قبلة “الأمير”, بدأت تصحو وتفتح أعينها على واقع وجودها في غير مكانها وبغير هويتها, وحالها لا يختلف عن حال بعض العرب التائهة ,, وفي الحال تفحصت محفظتها وبحثت عن هويتها وتفحصت يداها وذاكرتها وندوبها , وشريط سنوات نومها ومغامرتها, رفعت نظرها لترى “الأمير” المنتصر يجلس على عرشه بكامل بهائه بإبتسامته وهيبته وقوته, فمدت يدها نحوه تطلب عفوه وصفحه, غير اّبهةٍ بشلة الحطابين وأصحاب السلالم وحفاري الخنادق والقبور , وتركتهم لمصيرهم المجهول يعاندون البحر بمركبٍ مثقوب وعضلاتٍ خائرة , ووجوه متعبة , بعضهم يُتمتم اّسفا ً وبعضهم حقودٌ عابس , فيما يُضاعف بعضهم الاّخر التجديف بلا بوصلة وبلا أمل .

ورغم وجوهها المتعددة، وكواليس مسارحها المزيفة وأدوار كومبارسييها الضعيفة .. فإنّ لها مشاهدٌ من الغرابة والفرادة، ومن الوقاحة والقباحة، ومن العنف والوحشية، ومن الخيانة والعمالة، مشاهد متنوعة لم تتوقف حتى الآن …”أبطالها”, منهم مبتدئون ويتعلمون، وبعضهم وطنيون وبحب الوطن مفعمون، ومنهم عن الرزق والشهرة باحثون، ومنهم من في القتل والعمالة متمرسون وعن تدمير الوطن ووراء “السيد الأمريكي” وأذنابه لاهثون!

هي “المعارضة”، وهم “المعارضون”.. وأشهر من سيفٍ على علم، ولكم أن تستدلوا عليها وعليهم، ومن ثمارهم تعرفونهم، وأصبحت الكلمة تعبيرًا ومصطلحًا جامدا ً وكلمة ً رنانة وفضفاضة، يختبئ تحتها البعض…ومع نهاية السنة السابعة للحرب، لا زال السوريون يتساءلون، من هؤلاء، وماذا يريدون؟, وهل هم أحرار أم مقيدون، وبأجنداتٍ مفضوحة ملتزمون!.

وتشهد السنة السابعة للحرب على سورية , توازيا ً في خطين لطالما تقاطعا وتعارضا طيلة سنوات الحرب , فالعرب بداية ً بحثوا في مدنها وقراها وشوارعها وأزقتها عمن يفتتحون يوم الخراب ويؤسسون للدمار , وأطلقوا عليهم أسم “المعارضة”,, وبعد سنوات الحرب وإنتهاء معظم جولاتها, جاء العرب بعد أن أصابتهم الهزيمة ونخرت عظامهم وبعد أن أن تلقفوا إشارة الكبار والضوء الأخضر, وجاؤوا يطلبون ودها وصفحها وإعادة العلاقات الدبلوماسية والطبيعية معها, وتمنوا عليها أن تعود إلى حيث جمدوا عضويتها – بلا وجه حق -, بعضهم طار ووصل مطارها ونال شرف مصافحة قائدها الشجاع , ومنهم من حجز مقعده وبطاقته في الطابور الطويل … ويبقى السؤال : ماذا سيحل بألعابهم وصنائعهم والهياكل الكرتونية والتي أطلقوا عليها أسماء عديدة “كالمنصات ,الهيئة العليا , الإئتلاف الوطني”, بعدما قيدوا حركة بعضهم , وسجنوا وطردوا بعضهم الاّخر, وأمروا من بقي في بلاطهم وفنادقهم بإخفاء كل ما يشير إلى وجودهم, وبإحترام علم بلادهم سورية “المقدس”؟.

لا بد من التصويب على فكرة المعارضة وتصحيح بعض المفاهيم المزورة , التي أراد الأعداء من خلالها إقتحام أسوار دمشق , فالمعارضة حق و شيء لا يختلف على وجوده عاقلان , ولكن من خلال إدارك مفهومها وكنهها أولا ً, بعيدا ً عن المصلحة الضيقة والتسويق للدمار والخراب , إذ يمكن أن يكون لها وجها ً إيجابيا ً وضروريا ً ومطلوبا ً…..

فعبر التاريخ، ظهرت الآراء واختلفت، وعلت أصوات من يملكون وعيًا كافيًا للتعبيرعن باقي أفراد المجتمع…أما حديثًا، وبعدما تطورت أنظمة الحكم وحياة الأفراد والمجتمعات وتبلورت معها فكرة حكم الشعب نفسه بنفسه.. على الرغم من سعي المتحكمين بالأرض (الماسونية)، للسيطرة على الشعوب من بعيد عبر تشويهها كفكرة وطريقة، وتفريغها من محتواها، بعد أن دعوها بالـ”ديمقراطية”، وعلّبوها وقولبوها في نماذج تجلب الفخر لهم، والويلات لغيرهم، وتحولت إلى لعبةٍ سياسية مستوردة متطورة وشرعية، يقبل الجميع بنتائجها، وأصبح “إعتناقها” معيارًا لتقدم أو تخلف الشعوب، ورُدمت الفجوة بين الدول “ظاهريًا”، وأصبح من السهولة بمكان شن الحروب على بعضها، لإعادة إحتلالها، تحت ذريعة جلب الحرية والديمقراطية.

وما بين فوزٍ وخسارة، مَنحت اللعبة ممارسيها فرصة العمل السياسي المعارض، وتحولت إلى ضرورةٍ حيوية واستراتيجية لحياة الدول والشعوب، وتمحورت حول أهدافٍ أخلاقية، تمثلت بحماية وتطور وتقدم وازدهار دولهم وأحوال شعوبهم، وأطلق البعض عليها اسم حكومة الظل، مرآة الحكومة، ميزان العمل السياسي الداخلي، بمعنى الضامن وضابط ايقاع الحياة العامة للدولة والمجتمع في كافة نواحي الحياة، وأصبحت بمثابة صمام الأمان الذاتي للشعوب…. في الوقت الذي استطاع فيه المأجورون استغلالها لتحقيق مصالح من يدفعون ويُجزلون، وبدوا كمن يفخخون القاعات والإجتماعات والقرارات.

ومن البديهي للمعارضة الوطنية الداخلية، أن تمارس دورها وواجبها الوطني عن طريق الحوار ثنائي الحدود، عبر تلخيص رؤاها وجملة أفكارها وحواراتها مع الفئات التي تُمثلها، وتتوجه بها نحو الجهاز الحكومي وعن طريق الحوار وقوة الحجة تستطيع الحصول على ما تريد، وترفع من مصداقيتها ورصيدها ونسبة تأييدها الشعبي الذي يحق لها استغلاله في اللعبة الديمقراطية عن طريق صناديق الإقتراع والفوز بالسلطة… أما ما تُسمى بـ”المعارضة الوطنية الخارجية”، فنعتقد أنها خيالية ولا تقنع من يدعيها، ولا يوجد ما يبرر وجودها خارج الأوطان.

وفي سورية … لا نتكلم عن المعارضة الوطنية الشرعية – المرخصة، إذ لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب، في وقتٍ يحق للشعب السوري أن يسأل عمن يدّعون المعارضة الخارجية، ويمثلون التنظيمات “المعتدلة والمسلحة والإرهابية “، ويدعون تمثيل الشعب السوري!، وهو يراهم على مدى أكثر من سبع سنوات، يؤيدون قاطعي الرؤوس ويزور بعضهم الكيان الصهيوني، ويهللون لقصف الطائرات الأمريكية لشعبهم ومدنهم، ويتكلمون بلسان أعداء الوطن، ويرفضون كل حوارات السلام التي تؤدي إلى سحب ذرائع العدوان الخارجي، وقد أتقنوا اللغة الأمريكية والإسرائيلية والتركية والسعودية والقطرية..إلخ، وأدمنوا العيش في فنادقهم.

يبحث أحرار العالم ومنصفوه، عن حلٍ سياسي لإنهاء الحرب على سورية، ويدركون أنه في متناول السوريين الصادقين، فالطريق واضحة، والحوار السوري– السوري وفي دمشق هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام، وهذا ما دعت اليه القيادة السورية منذ اليوم الأول، ولا بأس أن تكون الأرض الروسية بديلًا مؤقتًا، ومكانًا مناسبًا للبدء بـ”الحوار الوطني السوري.

كم كنا نتوق لقتال أعدائنا، ونحن صفًا واحدًا، لننسجم مع تاريخنا وأصالتنا، دون أن نخجل من عظمائنا ورائحة تراب وطننا الممزوجة برفات أجدادنا وبدماء شهدائنا، ويبقى من المعيب في زمن الحروب، أن ينقسم المجتمع الى مؤيد ومعارض، فالمطلوب دائمًا، مدافعون وليس معارضين أو مؤيدين، لنحصن الوطن أولًا ونفوز به جميعًا.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023