العمالة تتبعها الإهانة !!..بقلم: محمد الرصافي المقداد

منذ أن تسلمت أمريكا عهدة عبودية ممالك الخليج، من عجوز الاستعمار الغربي بريطانيا، دون أن تفقد بذلك امتيازاتها التي حصلت عليها من النفط والغاز، بدأت بالتخطيط لسيطرة مطلقة على الخليج ومنطقة الشرق الأوسط، فدخلت بقواتها اليها، وانشأت فيها قواعد عسكرية برية وبحرية وجوية، موهمة تلك الممالك، أنها مقامة من أجل حمايتها، وواقع الحال يؤكد خلاف ذلك.

ففي مملكة بني سعود، وبني نهيان، وبني خليفة، وبني صباح، توجد قواعد عسكرية امريكية بالدرجة الأولى من حيث العدد، ثم تأتي بريطانيا وفرنسا في الترتيب بدرجة أقل، ظاهر التواجد العسكري الغربي، حماية هذه الممالك من وهم وكذبة كبرى، زرعها الغرب نفسه، بدعوى التهديد الايراني لهذه الدول، وباطنه حماية المصالح الامريكية والغربية في الخليج، وأهمها النفط وشركاته الامريكية والبريطانية والفرنسية.

ورغم ان ايران الاسلامية قد ابدت مرارا وتكرارا حسن نواياها من جيرانها، من خلال تعاملها الواضح معها، وابداء الرغبة في التعاون فيما بينها، لصالح جميع دول المنطقة، خصوصا وان وحدة الدين تؤكد على التعاون والوحدة، وهو الشعار الذي عمل لأجله النظام الاسلامي الايراني، ودعا اليه بقلوب آملة حجيجه في مواسم الحج، طوال نشأة دولته الفتية، التي قطعت يدا الاستعمار الأمريكي والبريطاني من أرض ايران، لكن هيهات أن تستجيب حكومات، ليس في مقدورها أن تقرر الاستجابة، وزمام سياساتها الخارجية والداخلية بين أيدي أعداء الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

تواجد عسكري بحجم الاستعمار، وعائدات نفط تودع أولا في البنوك الأمريكية والبريطانية، فتنتفع بها بلدانهم أولا، ثم يأتي الدور على الممالك، فيستأثر بها الامراء دون الرعية، فلا يبقى لها سوى الفتات، وهذه القوات المتمركزة جنوب غربي ايران الاسلامية، فضلا عن كونها عدوّة شعوب تلك المنطقة، بحماية انظمة مستبدة ظالمة، ناهبة لخيرات أرضها، فإنها تشكل خطرا على ايران ايضا، بل أن من أهم أسباب انتصابها هناك، تحيّن فرصة الانقضاض عليها، واسقاط نظامها، وهذا ما تأمله أمريكا وبريطانيا، وحلفهما المكون من الصهاينة وممالك الأعراب.

لم تكتفي أمريكا بما حصلت عليه من محمياتها، فطالبت بالمزيد على لسان رئيسها ترامب، خصوصا وأن شبح التهديد الايراني، الذي غرسته في عقول عملائها، كبر بالأراجيف والزيف الاعلامي، مطالبة طغت عليها صلافة العرض ورداءة المنطق، وخطب الرئيس الامريكي اصبحت معروفة بالاستهانة والاستخفاف بعملائه، خصوصا ممالك الخليج، وفي مقدمتهم نظام بني سعود.

لم يكتف الرئيس الامريكي (ترامب) ب410 مليار دولار، التي غنمها من زيارته الى الرياض في 20/5/2017، دون حساب الهدايا والهبات التي اغدقت عليه وعلى اسرته، ودون التطرّق الى الاتفاقات السرية، التي أبرمها ولي العهد السعودي خلال زيارته الى أمريكا في 20/3/2018 – وكل ذلك اصبح في حوزة بلاد عمهم سام – بل خرج على جمهوره في جولته الانتخابية لحشد الانصار لفائدة الحزب الجمهوري، للمرة الثالثة بالحديث عن قواته في السعودية، ودورها في حماية نظامها، والتصريح بشكل فيه كثير من الاهانة والاستخفاف، أنه هاتف الملك سلمان، معبّرا له عن حبّه، ومطالبا بدفع مزيد من الأموال، مقابل الحماية التي توفرها له ولنظامه القوات الأمريكية، ولسان حاله يقول إن هذا الجاهل الجبان سيقبل بعرض الابتزاز، وعوض أن تدفع امريكا الأموال، نظير استغلالها للقواعد السعودية والخليجية  المتواجدة عليها، تنعكس الصورة، فيدفع خونة أوطانهم وشعوبهم موارد بلادهم أحق بها.

سلسلة الابتزاز الامريكية لن تقف عند حد، طالما أن هؤلاء الحكام اسلموا رقابهم ومصائرهم لها، وسيواصل سلمان وابنه دفع الجزية عن يدين وهما صاغرين، ولو نفد مخزون النفط، فان عوائد الحج ستحل محلها، ولنا ان نطرح سؤالا الى فقهاءنا ومراجعنا: ما مشروعية الحج اليوم بعد الذي رأيناه من ابتزاز مالي، فوق تعهد شركة صهيونية، بالجانب الامني والمعلوماتي لحجاج بيت الله الحرام، وبعد الذي حصل من قتل عمد للحجاج واستهانة بشعائر بعضهم؟

هكذا إذا تختلط العمالة بالإهانة، ويمتزج حمق الرئيس الامريكي (ترامب)، بذلّ وهوان الملك السعودي سلمان وابنه ولي عهده، لنقف على حقيقة العلاقة التي تجمع أمريكا بالنظام السعودي، والتي فاقت الاستغلال الفاحش، والابتزاز الرخيص في أساليبه، ليؤكد لنا من جديد، أن الأنظمة التي أدارت ظهرها لشعوبها، وبنت جدار فصل بينها وبين مصالحها، ورأت في الاستعانة بدول الغرب على الإثم والعدوان، سببا لدوام حكمها، وفتحت مقابل ذلك مجالا واسعا من العمالة للإستكبار، أثبتت أنها لا تريد خيرا للإسلام وأهله، لا تعبّر في شيء من سلوكها عنه وعن طموحات شعوبها، بل تتآمر عليها بكل وقاحة، وطبع العمالة أن تخلّف الذّل لمن اختار طريقها، كما هي حال الأنظمة العميلة، التي فقدت شعوبها الثقة بها من جهة، ولم تحض بنيل ثقة أسيادها من جهة أخرى.

تعاليم الإسلام ترفض كل أشكال العمالة مع أيّ كان، وتزداد تحريما لأيّ علاقة بين أهل القبلة وبين غيرهم خصوصا في ما تعلّق بما يضرّ مصالح الاسلام والمسلمين. قال تعالى:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَهُ مِنْهُمْ  إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ( (سورة المائدة الآية 51(

ان مخالفة تعاليم الاسلام والردة عنه، التي انخرط فيها حكام الخليج، كانت خافية فيما مضى، وانكشف مستورها في هذا الزمن الصعب، الذي تمر به الأمة الاسلامية، لتكون الشعوب الاسلامية على بينة، مما يحاك لها من مؤامرات، وعليها أن تختار، بين أن تمضي وراء عملاء أمريكا والغرب، وما يرونه عليهم من ذل ومهانة، فوق ضياع حقوقهم، أو أن يلبوا نداء ربهم في نصرة دينهم، واستعادة عزتهم التي فرّط فيها حكامهم.

هكذا هي دوما حال الحكام اذا انخرطوا في مسار العمالة للقوى الكبرى، ولن يتغيّر حالهم منها ولو استقووا بتلك الدول على شعوبهم من أجل الحفاظ على كراسي حكمهم، ملعونين في الدنيا ولو طال بهم الزمن، ومقبوحين في الاخرة ليس من الله وعقوباته واق، فهل من متّعظ؟

 

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023