الفساد ينخر مفاصل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي: لا للجان انتداب وترقية أساتذة التعليم العالي غير منتخبة

الفساد ينخر مفاصل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي: لا للجان انتداب وترقية أساتذة التعليم العالي غير منتخبة

في عهد الدكتاتورية والاستبداد أثناء حقبة حكم بن علي في تونس، كانت لجان انتداب وترقية الأساتذة الجامعيين الباحثين تتكون من خمسة (5) أعضاء: يعين وزير التعليم العالي عضوين وينتخب الأساتذة الجامعيون من بينهم ثلاثة (3) أعضاء وكانت هذه الانتخابات نزيهة وشفافة في أغلب الاختصاصات. بعد سقوط الدكتاتورية واستبشار الكثيرين بالديمقراطية وبالعدالة والشفافية في اختيار السياسيين الذين حكموا البلاد منذ 2011 في عدة انتخابات شهد العالم بنجاحها ولو نسبيا، اعتقدت نخب البلاد من أساتذة جامعيين أن هذا التمشي الديمقراطي سيشمل انتخابات كل الهياكل القيادية والعلمية الفاعلة في مؤسسات التعليم العالي التي ينخرها الفساد وخاصة لجان انتداب وترقية الأساتذة الجامعيين الباحثين، خاصة أنه في عهد الاستبداد كان النظام يتحكم في قرارات هذه اللجان عبر العضوين اللذين يعينهما الوزير، لكن وضع هذه اللجان أصبح أكثر سوءا وتفوح منه رائحة الفساد في جل المؤسسات الجامعية، خاصة بعد أن أصبحت جل هذه اللجان معينة من طرف الوزير والمديرين العامين بالوزارة والأساتذة النافذين في جل المؤسسات الجامعية وتم التخلي نهائيا عن الانتخابات التي نص عليها قانون الديكتاتورية البائد.

سأصف لكم وضع هذه اللجان في الاختصاص الذي أنتمي إليه، الجغرافيا. منذ الثورة لم يتم انتخاب أي عضو في لجان انتداب وترقية الأساتذة الجامعيين وأصبحت الوزارة تعين أعضاءها حسب الهوى والانتماء الحزبي والإيديولوجي للوزير ومن كان لا يفكر يوما في عضوية هذه اللجان في عهد بن علي أصبح يصول ويجول فيها عبثا ومحاباة للمترشحين الذين يشاركونهم نفس الانتماء. سأذكر لكم نوعين من الأعضاء الذين يتحكمون في هذه اللجان. في سنة 2011 تم تعيين أستاذ ينتمي لحركة النهضة (ع.ق) في لجنة انتداب مساعدين في الجغرافيا فعاث فيها فسادا وانتدب 19 مساعدا (رقم قياسي في تاريخ الانتدابات في الجغرافيا)، جلهم حتى اليوم لم يتقدم قيد أنملة في رسالة الدكتوراه، بينما تم رفض انتداب أستاذ متحصل على شهادة الدكتوراه لأنه ليس نهضاويا… في لجان الترقية في هذا الاختصاص أصبح بعض الأساتذة النافذين يعينون من يرونه من الأساتذة الفاسدين يقبل بتنفيذ أملاءاتهم في هذه اللجان، دائما لأغراض دنيئة… جنسية، جهوية، إيديولوجية… لا علاقة لها بتاتا بالقيمة العلمية للمترشح.

حتى النقابيون أصبحوا يتحكمون في هذه اللجان، فمن كان ناشطا في الصفوف الأمامية في اتحاد الشغل تتم ترقيته دون قراءة كلمة واحدة في ملف ترشحه ومن كان غير نقابي أو انسلخ عن الاتحاد لا تقرأ ولو كلمة في ملف ترشحه أيضا، لأنه مرفوض مسبقا. أصبحت هذه اللجان في اختصاص الجغرافيا تتحكم فيها بعض اللوبيات الحزبية والنقابية وأصبح بعض الأساتذة النافذين يستغلون هذه اللجان لتصفية خلافاتهم الجهوية وحساباتهم الشخصية مع بعض زملائهم في نفس المؤسسة الجامعية.

حتى الأصوات التي تتعالى أحيانا للتنديد بهذا الفساد المستشري في لجان الانتداب والترقية لا تجد من يدعمها ويؤازرها لأن جل الأساتذة يتحاشون مناوأة هؤلاء الأساتذة الفاسدين حتى لا يكونوا هم ضحايا لفسادهم. من هنا تبدأ الدائرة المفرغة للفساد ويصبح السكوت عنها هو القاعدة وليس الاستثناء.

الغريب في الأمر أن جل هؤلاء الأساتذة الفاسدين الذين يعينون أعضاء هذه اللجان أو يتدخلون في تعيينهم هم من المتقاعدين الذين طلبوا التمديد لهم ليواصلوا فسادهم والتلاعب بنتائج المناظرات حسب أهوائهم ومصالحهم التي يريدون المحافظة عليها حتى بعد تقاعدهم. والغريب أيضا أن الوزارة تفسر التمديد لهؤلاء الفاسدين بأنهم كفاءات علمية تحتاجها الجامعة التونسية. لا يمتلك هؤلاء إلا كفاءة الفساد وجلهم لا ينتج ولو بحث يتيم منذ سنوات وحتى صلوحيتهم الأخلاقية ولت وانتهت منذ زمن. ألم يكن الأحرى بهذه الوزارة تنقية الحياة الجامعية من هؤلاء وانتداب آلاف الشبان المحرزين على شهادة الدكتوراه الذين يعتصمون في بهو الوزارة منذ زمن طويل مطالبين بالتشغيل ولو في وزارات أخرى أمام جحود وزارتهم التي ينخرها الفساد في كل مفاصلها.

نخلص بالقول من خلال هذه الورقة أن بعض الشعوب لا تليق بها الديمقراطية. ويصبح هذا الوضع خطيرا عندما يتعلق الأمر بنخبها. هاته النخبة الفاسدة استغلت ضعف الدولة وانشغالها بحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تتخبط فيها منذ الثورة لترتع في لجان الانتداب والترقية فسادا بدون رقيب أو حسيب.

يجب اليوم أن يصدح كل الأساتذة الشرفاء في الجامعة التونسية بضرورة اختيار كل أعضاء لجان الانتداب والترقية للأساتذة الجامعيين الباحثين عبر الانتخاب في كل المؤسسات الجامعية تحت إشراف الهيئة العليا المستقلة للانتخابات حتى لا يتم التلاعب بتكوين هذه اللجان من طرف بعض الأساتذة الفاسدين. كما يجب على الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد التدخل في هذا الملف والإصغاء لتشكيات الأساتذة ضحايا التلاعب بنتائج هذه المناظرات لردع هذا النوع من الفساد المحبط للعزائم، الذي يكون ربما أكثر خطورة من الفساد الاقتصادي، خاصة أنه يشمل نخب البلاد.

لا للجان انتداب وترقية أساتذة التعليم العالي غير منتخبة بعد اليوم…

 

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023