القادة الشهداء: فتحنا للأمة الإسلامية ولجميع المستضعفين زمن الانتصارات

القادة الشهداء: فتحنا للأمة الإسلامية ولجميع المستضعفين زمن الانتصارات

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيم:
“و كان حقا علينا نصر المؤمنين “.

في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد القادة الكبار في المقاومة الحاج اللواء قاسم سليماني والحاج أبي مهدي المهندس ورفاقهم، الذين رحلوا شهداء على أيدي المعتدين الظالمين المحتلين ذوي الحقيقة الشيطانية من الأمريكان والصهاينة، والأمة الإسلامية في أشد الحاجة إلى هذه النماذج القيادية الإيمانية.

فما هي طبيعة الانتصارات التي حققها هؤلاء القادة وما مدى واقعيتها وانتمائها إلى الأمة العربية والإسلامية؟ وماهي أهم الخصائص المعنوية لهذا الزمن الجديد؟

 

1- أخلقة السياسة والعسكر:

تحققت الكثير من الانتصارات العسكرية والسياسية في تاريخ الأمة العربية والإسلامية، و لم تخل الساحة مطلقا من معارك سياسية مختلفة، وتأثر غالبيتها بنموذج الفصل بين الأخلاق والسياسة والفصل المطلق بين العمل العسكري والقيم الأخلاقية، وسادت النظرة المادية الشاملة للصراع السياسي التي تلغي الأبعاد الروحية والمعنوية، فكانت الثورة الإسلامية بقيادة فقيه متخلّق مؤمن عارف مجاهد تمثّل تغييرا جذريا وعميقا وزلزالا غير مسبوق في العالم المعاصر، وتميزت هذه الثورة بطرح قيمة العدل والقسط والإيمان في مجال المواقف السياسية.

إن الشهيد القائد قاسم سليماني، قام باستكمال رسالة الامام الخميني رحمه الله، حيث بنى الحاج قاسم جميع مواقفه على مكارم الأخلاق في مواجهة جميع الظالمين وفي السعي للمصالحة بين جميع ابناء الأمة الإسلامية، وقد شهد له كل من عرفه بالحرص الشديد على حفظ القيم، ورغم انه قاتل الإرهابيين المجرمين في سوريا والعراق فانه نجح في تجنيب عشرات الآلاف من المدنيين اضرار الحرب، وكانت ظاهرة الحافلات الخضراء التي تقوم بترحيل الجماعات الإرهابية مثالا فريدا في بذل أقصى الجهد حتى يحفظ حياة المدنيين الذين كانوا رهائن عند عصابات الإرهاب. وستبقى صورة الحاج قاسم سليماني وهو يتوجه بالحديث إلى الارهابيين بدموع صادقة وعاشقة لله، ويؤكد لهم عزمه على العفو عنهم والشفاعة لهم يوم القيامة، فهو لم يقاتلهم تعصبا لنفسه او طلبا لمجد شخصي، وانما حرصا على الأمة الإسلامية وحقوقها وكرامتها.

 

2- تحرير الأرض والإنسان:

بعد مسيرة مع حرس الثورة الإسلامية في حرب الدفاع المقدس، وبعد مشاركة واسعة في مقاومة تهريب الممنوعات ومحاولة تخريب البلاد، أخذ الحاج قاسم سليماني موقعا فريدا في جسم الثورة الإسلامية ومحور المقاومة، حيث تم تكليفه بقيادة فيلق القدس سنة 1998، وهو التشكيلة العسكرية والسياسية التي تعبّر عن أهم هوية في الثورة الإسلامية، حيث تعتبر قضية القدس وفلسطين ثابتا عقائديا استراتيجيا لا يمكن التنازل عنه ويجب العمل على إدامة المقاومة مقدمة لتحقيق التحرير الشامل لأرض فلسطين كلها من البحر إلى النهر، ويجب التذكير بأن الأرض الفلسطينية الأولى التي تم تحريرها انما هي سفارة فلسطين في طهران، حيث طرد منها الصهاينة في 17فيفري1979، بعد اسبوع من انتصار الثورة الإسلامية وتم تسليمها الى منظمة التحرير الفلسطينية.

واستكمل الحاج قاسم سليماني هذه المسيرة ليقترن اسمه بالانتصارات الكبرى التي حققتها المقاومة في لبنان والنجاح الاستثنائي في ماي 2000، بعد عامين فقط من استلامه قيادة فيلق القدس.

وتتكرر الهزيمة النكراء للعدو الصهيوني عندما حاول ثانية في صيف 2006، فأصيب العدو بشلل معنوي ونفسي، بينما تحررت الأمة العربية والإسلامية من عقدة الجيش الصهيوني الذي ارتسمت له صورة الجيش الذي لا يقهر، تحررت الارض العربية في جنوب لبنان، وتأسست حقيقة جديدة أطلق عليها رجال الله: إ”نّ إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت”، وتحول الحلم بزوال الكيان الصهيوني الذي ابتعد عن الخيال لعقود بسبب التخاذل العربي الرسمي وبسبب الهزائم المتتالية، تحول الى هدف واقعي ممكن يتم بناء الخطط الميدانية لأجل إنجازه.

كان الحاج الشهيد القائد سليماني في عمق عملية التحرير الكبرى وصناعة الزمن المقاوم الجديد، ولم يكن الرجل يوما مشغولا بالمجد الشخصي، فكان راضيا ان يكون بعيدا عن الأضواء مع رفاقه القادة العسكريين، وفي مقدمة هؤلاء القائد الشهيد الحاج عماد مغنية.

 

3- صناعة الوحدة:

اعتمد المحتل البريطاني والفرنسي والامريكي والصهيوني لاحقا، وذلك طيلة العقود والقرون السابقة الخطة البسيطة المعروفة بصناعة الفُرقة والانقسامات والصراعات داخل الأمة العربية والإسلامية، فهي أفضل السبل حتى تبقى الشعوب المستضعفة ضعيفة عاجزة، وبلغ الحد أن يقتنع غالبية القوى السياسية في لبنان مثلا بجملة سياسية عجيبة من حيث دلالتها على الهوان والمذلة، حيث توافقوا على قاعدة ” لبنان قوي بضعفه”، وقد واجه القائد الشهيد سليماني واقع التشتت الكبير في مختلف الساحات التي شارك مع رجالها في مواجهة المحتلين، واستطاع أن يكون سببا أساسيا في توحيد المقاومين من لبنان الى فلسطين والعراق واليمن.

وهذه معركة خلفية أكبر من المواجهة المباشرة مع العدو، والجهاد فيها هو الجهاد الأكبر حيث يعتمد النفس الطويل والأخلاق العالية ومهارات التواصل والحكمة الميدانية في تفكيك الألغام اللامتناهية التي يصنعها العدو وتضعها النفس، فالانتصارات دوما مهددة بأن تسقط تحت ضربات الصراعات والانقسامات، ويعتبر الشهيد مدرسة في صناعة الوحدة وتعطيل مفاعيل الفتنة والحرب الأهلية.

.

4- تحويل التهديدات إلى فرص حقيقية:

عندما اقتحمت الجيوش الأمريكية بوابات العاصمة العراقية بغداد في أفريل 2003، تحولت إيران كلها الى وضع الدولة المحاصرة أمريكيا من الشرق ومن الغرب، ثم توجه وزير الخارجية كولن باول إلى دمشق ليوجّه تهديدا واضحا إلى الرئيس بشار الأسد: يجب التسليم بالقيادة الأمريكية للعالم وللمنطقة ويجب إنهاء جميع تنظيمات المقاومة في فلسطين ومحيطها.

و لكن رجال الله وفي طليعتهم الشهيد القائد سليماني رأوا غير ذلك وتذكروا أن الأمريكان والصهاينة كانوا يوما في بيروت واستطاعت المقاومة أن تذيقهم مرارة الهزيمة النكراء عندما فجرت لهم مقر المارينز في 23 اكتوبر 1983 وقتلت منهم اكثر من 200 عسكري في عملية واحدة مما اضطرهم للفرار، وقبل ما انجزه طلبة خط الامام عندما اقتحموا وكر الجاسوسية الأمريكية في طهران وتسببوا في اكبر فضيحة للدبلوماسية الأمريكية، وبقدر ما كان ظاهر الأمور هو الغطرسة الأمريكية والهيمنة العالمية فان الواقع الميداني أخذ في التحول التدريجي فغرقت الجيوش الأمريكية في أوحال المنطقة وصارت بمثابة رهائن.

 

كان الحاج الشهيد سليماني مسؤولا عن هذه المواجهة المباشرة والكبرى وقد اعترف المحتل الأمريكي بذلك، واعتمد الاسلوب التقليدي في تحريك الفتن وتحريك العصابات الإرهابية في مختلف المدن العراقية لعلها تحرق الأخضر واليابس في وجه سليماني ورفاقه.

و امتدت الحرب لتنتقل الى سوريا وتتم السيطرة على اجزاء كبيرة من الجغرافيا الممتدة والتي تمثل الفضاء الحيوي والضروري في منازلة المشروع الصهيوني.

فبعد تجربة الاحتلال المباشر، جاءت عملية عدوان مختلفة تحت مسمى الثورة التي تحولت بسرعة جنونية الى دولة داعش الكبرى.

في الشهر السادس جوان 2014، وقفت داعش تطرق أبواب بغداد وابواب دمشق، والجميع يعرف أن داعش صناعة أمريكية، فالتهديد كما وصفه السيد حسن نصر الله شبيه بنكبة 1948 والاعلان عن تأسيس الكيان الصهيوني.

 

إن الشهيد سليماني لم يتصد للعدوان الأمريكي الداعشي فقط وانما استطاع أن يحول هذا التهديد إلى أعظم الفرص وجعله المناسبة الكبرى لتثبيت واقع فعلي جديد يرسّخ مقولة محور المقاومة وتم اسقاط حدود سايكس بيكو، ضمن مشروع وحدة الأمة في مواجهة المحتلين وانهار مخطط سايكس بيكو الجديد الأمريكي الذي كان يريد تفتيت سوريا والعراق ولبنان والمنطقة كلها.

 

لم يجد العدو الأمريكي من حل أمام هزيمة كلفته 7 تريليون دولار وامام تحول عميق في المنطقة أنجزه الجنرال سليماني إلا الاغتيال الغادر تنفيسا عن علقم الهزيمة الذي تجرعه في مرات عديدة وكانت جميع خطط الشيطان الأمريكي ترتد عليه بفضل الحكمة والشجاعة والتضحية والصدق والإخلاص الذي تميز به الشهيد الحاج قاسم ورفاقه.

 

5-  تأسيس النموذح العالمي:

لقد كانت قيادة الشهيد القائد سليماني لفيلق القدس طيلة 22سنة، مليئة بالمعارك والصراعات والفتن المتنقلة، وكان الرجل في موقع القيادة المباشرة لحروب عالمية، ويدرك المتابعون أن احتلال العراق وحرب 2006 وحرب سوريا الكبرى وحرب داعش والحروب الثلاث ضد غزة والعدوان السعودي الأمريكي ضد اليمن، كلها تعبير عن إرادة الأمة الإسلامية في تغيير وجه العالم المعاصر وبناء واقع العدالة العالمية الجديدة.

سيشهد التاريخ أن الشهيد القائد قاسم سليماني هو المؤسس الميداني لهذا النموذج العالمي الجديد، ويجب أن يحمل ابناء الأمة الإسلامية وجميع المستضعفين هذه الأمانة العظيمة التي تركها القادة الشهداء وفي طليعتهم الشهيد سليماني.

 

فرسالته كانت في غاية الروعة والجمال والوضوح: نحن أقوياء بانتمائنا إلى الحق ونحن اقوياء بالتخلّق الذي سرنا فيه، سنصنع قوتنا وسنجبر المحتلين الظالمين على الرحيل من أوطاننا وسنمهّد لقيامة الناس جميعا بالقسط والعدل.

” وكان حقا علينا نصر المؤمنين . “

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023