“القرصنة البحرية” وقرع “طبول الحرب” لن تجدي نفعا أمام الصمود الايراني وتماسك محور المقاومة

“القرصنة البحرية” وقرع “طبول الحرب” لن تجدي نفعا أمام الصمود الايراني وتماسك محور المقاومة

الدكتور بهيج سكاكيني |

من الواضح أن الولايات المتحدة وحلفاءها وأذنابها في المنطقة لن يهدأ لهم بال الا بإسقاط النظام الايراني من الداخل من خلال الحرب الاقتصادية اللاشرعية واللاخلاقية والاحادية الجانب التي تقودها الادارة الامريكية والتي تصاعدت بعد إنسحاب هذه الادارة من الاتفاقية الموقعة بين إيران والدول الست الكبرى والتي بالمناسبة عملت الادارات الامريكية السابقة ولمدة ما يقرب من عشرة سنوات من خلال القنوات والمباحثات السرية الى ان نضجت الظروف لتوقيعها بعد ان أعطيت الاوامر الامريكية للحلفاء بالتوقيع عليها لانها كانت تصب في مصلحة الامن القومي الامريكي. وكلنا يذكر المحاولات المستميتة لوزير الخارجية الفرنسي في تعطيل توقيع الاتفاقية وحتى في اللحظات الاخيرة بناء على توجيهات من الكيان الصهيوني والسعودية على وجه التحديد التي قامت برشوة فرنسا لاتخاذ مواقف متشددة تجاه الاتفاقية وذلك من خلال التوقيع على عقود لشراء اسلحة من فرنسا بعشرلت المليارات من الدولارات في الوقت التي كان الاقتصاد الفرنسي بالحضيض هذا الى جانب ربما رشوة وزير الخارجية الفرنسي شخصيا والذي كان يخرج بين الحين والاخر من الاجتماعات للحديث مع السعودية والكيان الصهيوني.

الادارة الامريكية لم تتعلم من الادارات السابقة ان الحرب الاقتصادية التي تشن من خلال العقوبات الجائرة وحتى تلك التي اتخذت من قبل مجلس الامن الدولي أو “المجتمع الدولي” عندما كانت الولايات المتحدة تصول وتجول لتشكل العالم على مقايسها ان هذه العقوبات إن فرضت على دولة تأبى الرضوخ والاذلال والانضمام الى ان تكون دمية للاستراتيجية الامريكية لن توتي بالثمار التي تتوخاها أمريكا بل على العكس يزيد هذه الدولة إصرارا على الصمود وتطوير قدراتها الذاتية على النطاق الاقتصادي والعسكري والعلمي …الخ بحيث يصبح لديها نوع من الاكتفاء الذاتي الداخلي هذا الى جانب تربية جيل يصبو الى العزة والكرامة ويرفض الخنوع وهذا ما حصل في كوبا وإيران وسوريا وفنزويلا على الاقل كامثلة ساطعة.

ولم يكن غريبا ان تتخذ إيران مواقف متشددة حيال تصعيد الحرب الاقتصادية من قبل هذه الادارة الامريكية المتعجرفة, وتصر على مواقفها المبدئية وأنه لا حوار مع أمريكا قبل رفع كافة العقوبات ولا حوار حول برنامج الصواريخ الباليستية وتطوير قدراتها الدفاعية. لا بل وذهبت إيران أبعد من ذلك بتحذير دول الاتحاد الاوروبي الى انها إذا لم تلتزم بتعهداتها المنصوص عليها في الاتفاقية الى جانب تفعيل الالية المالية المقترحة لتجاوز الحرب الاقتصادية التي تشن ضدها من قبل أمريكا فإن إيران بحل من هذه الاتفاقية التي وقعت من الناحية القانونية تبعا لاحدى بنود هذه الاتفاقية التي تؤكد على حق اي فريق بالانسحاب من الاتفاقية فيما إذا اخل الطرف الاخر بتعهداته المنصوص عليها في الاتفاقية. وهذا ما تنوي طهران فعله إذا ما بقيت الامور على حالها دون مجابهة الاتحاد الاوروبي للغطرسة الامريكية التي تحاول فرض عقوبات حتى على حلفاءها الدائمين فيما إذا ما تعاملت مع إيران بالرغم من ان هذه العقوبات فرضت خارج إطار مجلس الامن الدولي.

ما تسعى اليه الولايات المتحدة هو محاولة إعادة هيبتها ونفوذها المتآكل بإزدياد على الساحة الاقليمية والدولية في آن واحد. أمريكا صالت وجالت لاكثر من ربع قرن في هذا الكون الفسيح دون منازع وفرضت هيمنتها الكاملة على كل بقعة حتى تلك التي تبعد الاف لا بل وربما عشرات الاف الاميال عن شواطئها وذلك بعد إنهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك جمهورياته.

ما تسعى اليه الولايات المتحدة الان هو تشكيل قوة بحرية لضمان “حرية الملاحة” في البحار والمحيطات وضمان “أمن ” ناقلات النفط عبر مضيق هرمز. وهذه الادارة دعت وقبل فترة بسيطة بحركة مسرحية الصين واليابان وربما غيرها الى ارسال قطع بحرية للمشاركة في ضمان امن ناقلاتها التي تنقل النفط من منطقة الخليج لان الولايات المتحدة لم تعد ترغب في أخذ هذه المسؤولية التي تحملتها لسنوات بالنيابة عن العالم، لا بل وذهبت الى التهديد بالانسحاب من المنطقة. طبعا كل هذا لم يكن الا حركة مسرحية من تغريدات ترامب لا اكثر ولا اقل وربما كان موجه لحلب هذه الدول فإنسحاب الاساطيل والقطع البحرية الامريكية من منطقة الخليج هو حلم لن يتحقق على المدى المنظور او البعيد لما تشكله هذه المنطقة من اهمية رئيسية ومركزية ضمن الاستراتيجية الكونية الامريكية.

والسؤال الذي يجب ان يطرح من هو الذي يهدد أمن البحار وناقلات النفط في البحار والمحيطات الدولية؟ ومن الذي يمارس القرصنة البحرية بالاستيلاء على وحجز ناقلات النفط من المياه الدولية بحجج واهية وبمجرد الشك في انها متوجهة الى هذه الدولة او تلك؟ ومن الذي يفرض العقوبات ومن جانب واحد وخارج إطار “الشرعية الدولية” ويعطي لنفسه الحق في ممارسة سياسة البلطجة والقرصنة البحرية؟ وهل إمتلاك القوة يجعل من يمتلكها انه على حق في ممارسة القرصنة البحرية الدولية؟ ولماذا ترسل الولايات المتحدة اساطيلها الى بحر الصين الجنوبي الذي يبعد الالف والاف الاميال عن شواطئها متذرعة بأن ما يحدث أو ما سيحدث هناك يشكل خطرا على الامن القومي الامريكي أما كيف ولماذا فهو سر من الاسرار التي لا يمكن البوح بها لماذا؟ لانها ببساطة أكذوبة كبرى فالهدف الغير معلن هو السيطرة وتوسيع رقعتها ونفوذها. إيران لا يحق لها ان “تمد” نفوذها في المنطقة المحيطة بها جغرافيا وملتصقة بحدودها ( هذا إذا ما اعتقدنا وأخذنا بالخطاب الامريكي والسعودي) أما أمريكا فيحق لها ان تمد نفوذها وسيطرتها الى مناطق تبعد عشرات الالف من الاميال عن شواطئها ولماذا لان ذلك “يهدد امنها القومي”. هلا ذهب احدكم ليستطلع من قاموس سياسي معنى “الامن القومي” لدولة؟ أمريكا تتصرف بمبدأ “القوة تجعل الحق” وليس العكس.

امريكا تمتلك من القطع البحرية والاساطيل والقواعد والمطارات العسكرية ومراكز قيادة في منطقة الخليج بالكم الذي يجعل منطقة الخليج من اكبر البؤر العسكرية الامريكية كثافة في العالم، وبالتالي فإن ارسال الدول الغربية بعض من قطعها البحرية لن يزيد او يؤخر في موازين القوى المتواجدة على الارض في تلك المنطقة, وارسالها لن يتعدى حركة استعراضية رمزية. وقيام بريطانيا في ارسال قطع بحرية مؤخرا الى منطقة الخليج بهذا الوقت بالتحديد ما هو الا مؤشر آخر على ان السياسة الخارجية البريطانية تأتي متناغمة مع السياسة العدوانية الامريكية وملتزمة بالاوامر التي تصدر من البيت الابيض للندن. وهذا ما دللت عليه ممارسة بريطانيا للقرصنة البحرية وذلك باحتجازها ناقلة النفط الايرانية عند عبورها لمضيق جبل طارق بحجة انها تشك انها كانت متوجهة الى سوريا. والمضحك ان ما روته بعض الصحف البريطانية مثل الجارديان ان احتجازها تم بالتنسيق مع شرطة جبل طارق من قبل البحرية البريطانية. وجبل طارق هو البؤرة المتبقية من “الامبراطورية” البريطانية التي كانت تسيطر على البحار والمحيطات والطرق المائية التجارية. ها هي بريطانيا تحاول استعادة “امجاد الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس” لعيون قاطن البيت الابيض وتستجيب لاوامره.

أرسال بعض القطع البحرية من هذه الدولة او تلك من الذين يأتمرون بآوامر البيت الابيض لن يغير من موازين القوى القائمة على الارض في منطقة الخليج ولكنه سيفتح المجال الى مزيد من التصعيد والتوترات وعدم الاستقرار في تلك المنطقة ويزيد من احتمال نشوب حرب لا يحمد عقباها. تستطيع امريكا ان تبدأ الحرب أكانت على نطاق ضيق ام واسع إنها حرب بالمفهوم العسكري وليس هنالك حرب محدودة او حرب موسعة كما يتناولها البعض للتفرقة بينهما. وهنالك اخبار تناولتها بعض الصحف بأن ترامب طلب من القيادة في إيران السماح له بضرب بعض المواقع داخل إيران دون ان ترد إيران على ذلك وذلك لحفظ ماء وجهه وهو الذي هدد بإبادة إيران …الخ عبر تغريداته على التويتر ولكن القيادة الايرانية رفضت ذلك وهددت بان اي عدوان محدودا كان ام واسع سيرد عليه بكل قوة وبعنف. واليوم تدعي الولايات المتحدة انها اسقطت طائرة مسيرة ايرانية في منطقة الخليج ليتبين بعد ذلك بقليل انها اكذوبة بحسب ما اوردت القيادة العسكرية والسياسية في إيران التي تحدت القوات الامريكية العاملة في المنطقة لاظهار حطام هذه الطائرة الايرانية المزعومة كما فعلت ايران سابقا بحطام احدث طائرة مسيرة امريكية بعد إسقاطها.

نعم أمريكا تمتلك من الاسلحة والعدوانية الكثير وتستطيع ان تؤذي إيران إذا ما قامت الحرب ولكن ما يجب ان يفهمه ملوك وامراء الخليج ان دولهم الكرتونية وآبار نفطهم والبنى التحتية لن تبقى فيما إذا قامت الحرب فعلا وسيعودون او ما تبقى منهم الى الابل والناقة والتمر كما كانوا قبل ثورة النفط. ولا نستغرب ان تعود العمالة الخليجية الى الذهاب عبر البحار الى الهند للعمل هناك كما كانت في السابق قبل ظهور البترول في تلك الدول وهذه ربما معلومة لا يعلمها الكثيريين.

أما القواعد والاساطيل الامريكية فإنها ايضا ستكون في مرمى الصورايخ الايرانية ويكفي إيصال عدد بسيط من عشرات الالف من الصواريخ التي تمتلكها إيران الى هذه القواعد والاساطيل لاحداث أضرار مادية وبشرية كبيرة. والحرب إذا ما نشبت لن تكون مقصورة ومحصورة في منطقة الخليج وربما هذه هي بعض الاسباب التي تجعل الادارة الامريكية مترددة في خوض مثل هذه الحرب بالرغم من إندفاع وزير الخارجية بومبيو وبولتن مستشار الامن القومي للرئيس بهذا الاتجاه. إيران ليست العراق عام 2003 كما وأن الساحة الدولية ليست تلك التي سادت منذ مطلع تسعينات القرن الماضي ولغاية 2003 الى جانب أن إمكانية إنجرار الكثيريين من حلفاء أمريكا التاريخيين وراء حملاتها التحريضية والتصعيد للوصول الى ساعة الصفر ضئيلة للغاية لما له من أضرار جمة على بلدانها.

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023