الكيان الصهيوني ودوامة الغرق…بقلم تحسين الحلبي

تعد الولايات المتحدة الكيان الصهيوني «حاملة الطائرات الأميركية التي لا تغرق» لكن الباحث الإسرائيلي المختص في الشؤون العسكرية في مجلة «إنتاج المعرفة» الصادرة بالعبرية إيلي بار أون، يرى صورة أخرى لـ«إسرائيل»، فيصفها في تحليل نشره في الأول من آذار الجاري بسفينة «التايتانيك» المقبلة لأن هذه السفينة كانت قد غرقت وكانت سفينة كبيرة وانتهى وجودها.
وتحت عنوان «لا في الانتخابات ولا من دونها: نحن سفينة التايتانيك المقبلة» يرى بار أون أن «إسرائيل» باتت تسير نحو المصير الذي شهدته تلك السفينة حين غرقت، لأن «إسرائيل» الآن تعاني أدنى حالة «نقص استراتيجية بسبب الإهمال والتقاعس والفهم غير السليم الذي ساد سنوات كثيرة عند عدد من رؤساء الحكومات وقادة الجيش وليس هناك أسوأ مما تشهده إسرائيل الآن في وضعها المتدني الذي جعل الأعداء يعرفون كيف يستفيدون من دون أن يُبدوا أي مرونة في مواقفهم وهذه فرصتهم التي يعملون على استغلالها».
ويوجه بار أون الانتقاد لأصحاب القرار الموجودين الآن لأنهم «لا يدركون مضاعفات التطور التكنولوجي العالمي ويتمسكون بتقدير الوضع الذي لا يتفق مع التحديات التي تواجهها إسرائيل التي أصبحت تواجه خطر كارثة كبيرة».
وتحت عنوان «عصر الأسلحة ذات الدقة في إصابة الهدف» يكشف بار أون أن هذا العصر قد بدأ للتو وأصبحت صواريخه الدقيقة في إصابة الأهداف تحت تصرف إيران وسورية وحزب الله، وقد تطورت تقنياته في السنوات العشر الأخيرة وبلغت الآن درجة تهدد الجبهة الداخلية الإسرائيلية بمختلف مساحاتها وأبنيتها وقواعد الجيش فيها. ويضيف أن «عشرات أو مئات آلاف الصواريخ ذات الدقة في إصابة الأهداف لن يكون بمقدور بطاريات القبة الحديدية المضادة للصواريخ إسقاطها».
وفي واقع الأمر لا يخفي بعض القادة العسكريين في الكيان الصهيوني أن هذا الكيان هو الوحيد في العالم الذي لا يتوقف عن إعداد خطط الحروب وأشكال المجابهة منذ الإعلان عن إنشائه عام 1948 وهو في النهاية لا يمكنه الاستمرار على هذا النحو فحتى الولايات المتحدة التي تتبناه منذ الستينيات أصبحت أقل قدرة على تحمل حروب مستمرة من دون توقف وهي تحاول بعد هذا التطور في استخدام أنواع جديدة من الأسلحة – وخاصة ذات الدقة في إصابة الهدف – اختيار طرق أخرى في فرض السيطرة من دون تدخل عسكري مباشر بقواتها وتعريض هذه القوات للخطر.
لكن الكيان الصهيوني لا يستطيع السيطرة على الأراضي المحتلة إلا بقوات الاحتلال، لأن وجوده كجيش ومستوطنين يحيط به من كل جانب الفلسطينيون أصحاب الأرض ويتطلعون إلى استعادة أراضيهم وحقوقهم بكل الوسائل التي يمكنهم استخدامها، وحين يجد المستوطن وجندي الجيش أن هؤلاء أصبحوا يزيدون بعددهم عن مجموع المستوطنين وقوات الاحتلال، سيظل يعيش في خوف دائم منهم مهما حاول محاصرتهم وفرض الممارسات الجائرة عليهم، كما لا ينسى المستوطنون أن عرباً آخرون يحيطون بهذا الكيان، ولن ينزعوا من ذاكرتهم القومية والدينية أن هذا الوطن المحتل بأرضه ومقدساته يجب أن يعود لأصحابه التاريخيين أشقائهم الفلسطينيين.
ولذلك، يطرح معظم قادة جيش الاحتلال الإسرائيلي سؤالاً لا يستطيعون الإجابة عنه وهو: كيف ستتخلص «إسرائيل» من كل هذه الصواريخ التي أصبح السوريون والإيرانيون واليمنيون ورجال المقاومة اللبنانية والفلسطينيون يصنعونها بأيديهم؟.. فمهما حاول الكيان الصهيوني منع دول العالم من تصدير الأسلحة لكل هذه الأطراف فهذا لن ينفع، لأن هذه الأطراف أصبحت قادرة على الإمساك بزمام التكنولوجيا الخاصة بالطائرات المسيرة والصواريخ ذات الدقة في إصابة الأهداف، والمحافظة عليها من أي قصف مُعادٍ، وهذا ما حدث في لبنان وفي قطاع غزة فما بالك بما يمكن أن تصنعه إيران وسورية؟
ويبدو أن أصحاب المشروع الصهيوني لم يأخذوا في حساباتهم هذا التطور الذي تحدث عنه إيلي بار أون وهو التطور الذي جعل هذه الأطراف تحول الكيان الصهيوني إلى سفينة «تيتانيك قابلة للغرق».. والكيان الصهيوني مازال يدفع ثمن هزيمته منذ عام 2000 في لبنان قبل عشرين سنة من دون أن يتمكن من إيقاف ازدياد قدرة المقاومة اللبنانية أو القدرة الإجمالية لمحور المقاومة، ومازال طريق تخلصه من كل هذه القدرات الصاروخية وغير الصاروخية مسدوداً على المستوى الإقليمي وكذلك على مستوى المراهنة على القوة الأميركية في حمايته بعد نتائج المجابهة التي وقعت بين قوة أميركا العسكرية والرد الإيراني عليها.
وهكذا أصبح الكيان يجد نفسه عاجزاً عن تحقيق الأمن للمستوطنين وعاجزاً عن تحقيق قوة ردع تمنع الهجوم عليه برغم الحروب التي شنها عام 1967 وعام 1982 وعام 2006 وغير ذلك من اعتداءات هنا وهناك.

 

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023