“المجمع الصناعي العسكري الامريكي سينقذ الشرق الاوسط” هكذا يصرح بومبيو!!!!!

“المجمع الصناعي العسكري الامريكي سينقذ الشرق الاوسط” هكذا يصرح بومبيو!!!!!

الدكتور بهيج سكاكيني-كاتب وباحث أكاديمي فلسطيني |

خلال ما سمي “بالحوار الاستراتيجي” الاخير مع وزير الخارجية السعودي الامير فيصل بن فرحان آال سعود قال وزير الخارجية الامريكي إن “المجمع الصناعي العسكري الامريكي سينقذ الشرق الاوسط”. وما الصفقة التي عقدت مؤخرا مع دولة الإمارات والتي أقرها البنتاغون بشراء 50 طائرة ف-35 من الولايات المتحدة الا ترجمة عملية لهذا المفهوم “الاستراتيجي” الامريكي.

وليس خافيا على أحد ان الولايات المتحدة هي أكبر مصدر للاسلحة في العالم الى منطقة الشرق الاوسط حيث بلغت النسبة الى أكثر من 50% من بيع الاسلحة الى دول المنطقة. هذا الى جانب ان الولايات المتحدة تتصدر بيع الاسلحة على المستوى العالمي وبحسب التقرير الصادر عن معهد ستوكهولم الدولي لابحاث السلام بين عامي 2013-2017 فإن الولايات المتحدة لا زالت تحتل الصدارة كأكبر بائع للاسلحة في العالم خلال الفترة محل الدراسة حيث باعت نحو ثلث الاسلحة عالميا. وأشار التقرير انه وفي هذه الفترة الزمنية زادت مبيعات الاسلحة الى دول الشرق الأوسط 103%.

في مايو من عام 2017 عندما قام الرئيس ترامب بزيارة السعودية  قامت السعودية بتوقيع معاهدة مع الولايات المتحدة لشراء أسلحة بقيمة 100 مليار دولار فوريا ووصفت بأنها أكبر صفقة اسلحة  في تاريخ الولايات المتحدة على الاطلاق.  كما وتعهدت بشراء اسلحة بقيمة 350 مليار على مدى 10 سنوات وتم التوقيع على 34 معاهدة بقيمة 380 مليار دولار. هذا بالرغم من الانخفاض الحاد في اسعار البترول العالمية والتي لعبت السعودية دورا في إحداثه. هذه المبالغ الخيالية  بالاضافة الى حربها على اليمن منذ 2015 تحت ذرائع واهية أدت الى عجز كبير في ميزانيتها ممت أضطرها الى استخدام صناديقها السيادية والعمل على التحضير لبيع بعض من حصتها في شركة أرامكو الشيء الذي لم يتم نظرا لتصاعد الاحداث في المنطقة والهبوط الحاد في اسعار البترول والتهديدات للمنشآت النفطية التي تعرضت لها نتيجة حربها على اليمن.

ولا يخفى على أحد من المتابعين للاحداث العالمية وجود رابطة قوية وعضوية بين توريد الاسلحة وحدة النزاعات وكيف يمكن لهذه الرابطة أن تخدم المصالح السياسية والاقتصادية للنخبة الامريكية والمجمع الصناعي العسكري الامريكي. ومن هنا فإن تصريح وزير الخارجية الامريكي بومبيو يدل وبشكل واضح أن خلق النزاعات في العالم وتسخين الجبهات سواء عمليا من خلال الحروب أو إعلاميا عن طريق التهويل من حجم الخلافات والمخاطر إنما هي استراتيجية أمريكية هدفها تحقيق الارباح بالمليارات عن طريق عقد صفقات الاسلحة في المناطق الساخنة. وبالتالي فإن المنطق الذي يريد ان يسوقه لنا بومبيو حول توريد السلاح أو بيعه الى الحلفاء أو الادوات لتحقيق “الاستقرار” لا يصمد أمام المنطق العملي.

وللعودة الى الصفقة التي أبرمت مع دولة الامارات لشراء 50 طائرة ف-35 الامريكية هنالك ملاحظتين. أولهما ان الموافقة على الصفقة جاء مصحوبا بالتاكيد من قبل الولايات المتحدة انها ستضمن التفوق العسكري والتكنولوجي النوعي في المنطقة لصالح الكيان الصهيوني عن طريق إمدادها بأحدث الاسلحة التي يتم إنتاجها من قبل المجمع العسكري الصناعي الامريكي. ومن المؤكد ان الطائرات التي ستستلمها الامارات لن تكون بالقدرات والكفاءات والميزات التكنولوجية لطائرات ف-35 التي قد تم تسليم الجزء الاكبر منها للكيان الصهيوني. هذا الى جانب ان أمريكا تمتلك القدرات التقنية للتحكم عن بعد بهذه الطائرات التي تمكنها من تعطيل عملها إذا ما قامت الامارات ( لا سمح الله) لاغراض تتنافى مع المصالح الامريكية في المنطقة. ومن المعروف ان أمريكا تطل من الدولة المشترية للسلاح الامريكي ان تمضي على تعهد على ان هذا السلاح لن يتم استخدامه ضد اي دولة حليفة او صديقة للولايات المتحدة.

وثاني هذه الملاحظات هو السؤال المشروع لماذا تشتري دولة الإمارات هذا الكم من الطائرات وهي الدولة التي لا يتجاوز عدد سكانها الاماراتيين عن مليون نسمة؟ هل تسعى الامارات الى ان تكون دولة مؤثرة في الاقليم او على النطاق العالمي مجرد لان مداخيلها من بيع النفط والغاز عالية بالنسبة لتعداد سكانها ولديها فائض كبير جدا في خزائنها؟ وهل تسعى الإمارات الى شن حربا ضد إيران مثلا التي تمتلك من الاسلحة النوعية والصواريخ التي بإمكان القليل منها ان يقوم بمحي الامارات عن وجه الارض حتى لو تدخلت امريكا لحمايتها؟ أم هل هذه هي مقدمة الى وجود نية امريكية بضم الامارات الى حلف الناتو كحليف استراتيجي من خارج الحلف كما هو الحال مع البحرين والكيان الصهيوني على سبيل المثال وخاصة بعد فشل مشروع إقامة حلف الناتو العربي الخليجي وخاصة بعد تمرد قطر على البيت السعودي وتقربها من تركيا هذا الى جانب الاعتراض من قبل سلطنة عمان على المشروع؟

ما نعلمه أن الإمارات شاركت بسلاحها الجوي على الاقل في كل من كوسفو في تسعينات القرن الماضي كما قاتلت الى جانب القوات الامريكية في افغانستان والصومال وشاركت طائرات الناتو في القصف على ليبيا عام 2011 وشاركت طائراتها التي يعتقد انها أقلعت من المطارات المصرية لضرب قوات حكومة الوفاق التي تقدمت في إتجاه سرت ومنطقة المثلث النفطي. وربما من المفيد الاشارة هنا الى أن دولة الإمارات قد دفعت وما زالت تدفع المليارات للاسلحة التي تتزود بها مصر من الولايات المتحدة وفرنسا. كما وشاركت السعودية في حربها المجرمة على اليمن بسلاح الجو وقواتها البرية المجهزة بأحدث الاسلحة والقدرات القتالية. كما وشاركت في ضرب المرابض المضادة للطائرات التي اعطتها تركيا الى قوات حكومة الوفاق والتي ربما كانت تدار من قبل قوات تركية. وقد تم التوقيع على بعض الاتفاقيات مع الناتو في السنوات الاخيرة ولكنها لم ترقى الى اعتبار الإمارات حليفا استراتيجيا من خارج الناتو الذي يعطيها تفضيلية للحصول على المعدات والتكنولوجيا العسكرية الامريكية مع الإبقاء على التفوق العسكري النوعي للكيان الصهيوني بالطبع في المنطقة.

البعض يعتقد بأن كل ما تفعله الإمارات داخليا أو خارجيا مرتبط بشكل وثيق وعضوي في محاربتها لحركة الاخوان المسلمين وكراهية محمد بن زايد لهم.  ولكن السؤال الذي من الضروري الاجابة عليه لماذا يذهب محمد بن سلمان الى محاربتهم خارج حدود بلاده ويبدى استعداده لدفع عشرات المليارات لهذا السبب؟ لا يستطيع الانسان العاقل أن يرى أن هذا هو السبب وخاصة وان الإمارات لا تقع تحت اي تهديد داخلي من قبل تنظيم الاخوان المسلمين والمعروف بان محمد بن زايد يستخدم نظاما أمنيا متطورا قد لا تمتلكه الدول الكبرى للتجسس على كل مواطن إماراتي او مقيم في دولة الامارات ويحكم بالنار والحديد كما تصفه وسائل الاعلام الغربية ولا يتقبل اي نوع من المعارضة لسياساته وهو الحاكم الفعلي لدولة الامارات.

قضية التسلح الإماراتي وبهذه الكميات الغير مسبوقة لا يمكن فهمه من زاوية محاربة الاخوان المسلمين ومما لا شك فيه ان القضية أكبر من ذلك بكثير. ولا يمكننا فهمه الا ضمن مظلة الاستراتيجية الامريكية في المنطقة وربما خارجها.

الولايات المتحدة ليست معنية بإنقاذ الشرق الاوسط ولكنها بالتأكيد معنية بإنقاذ المجمع الصناعي العسكري الامريكي بخلق مزيد من بؤر التوتر وخاصة في منطقتنا نظرا لما تشكله الدول الخليجية من مخزون من مئات المليارت من  البترودولارات والإستعداد المنقطع النظير لحكامها من فتح خزائنهم للحلب الامريكي المستمر لحمايتهم وضمان عروشهم وإماراتهم.

 

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023