النجاح الطِّبي والصحّي في كوبا: المظاهر والعوامل

النجاح الطِّبي والصحّي في كوبا: المظاهر والعوامل

بقلم: د.عادل بن خليفة بالْكَحلة (باحث أنثروبولوجي)|

نِسْبة الأطباء في كُوبا: طبيبٌ 1/150 مواطنًا من جملة السكان، والنسبة التي تطلبها منظمة الصحة العالمية: طبيب 1/800 مواطنٍ، وهي أعلى نسبةً في العالم. وهذا ممّا يؤكد أساسية الصحة والطّبابة في المشروع العَدالي الكوبي منذ بدايته. وتضم كوبا 25 كلية طبّ، ومنه معهد أسسّه كاسْترو عام 1999 لتكوين الأطبّاء القادمين من العالم الثالث.
إثر انتصار الثورة الكوبية، جَعل فيدال كاسترو (وكذلك الطبيب تْشي غيفارا) من الطبابة والصحة أحد دعامات الاقتصاد الكوبي، ومنذ البداية كانت هذه الدِّعامَة قائمة على مبدإ العالمية، مِنْ مُنتجات «تصدير الثورة الكوبية».
عام 1960، أرسلت كوبا بِعثتها الطِّبِيّة إلى الشيلي إثْر زلزال ضخم. كانت العلاقات بحكومة أَلِسَّنْدْري حادة، ولذلك كانت البعثة تعني الطّابع الإنساني لأطروحة «تصدير الثورة»، ومِنه تصدير الثورة الطِّبابية.وفي عام 1966، كان 58 طبيبا كوبيًّا في بعثة إلى الجزائر إثر الاستقلال الوليد لمساعدة الحكومة الثورية هناك على إرساء النظام الصحي الجديد.
وبفضل تمويل روسيا والكوميكون، استطاعت كوبا الثورية الانطلاق في بناء البحث الطبي. ورغم سقوط المعسكر السوفياتي، أثْبت الهيكل الطِّبابي الكوبي (بحثا واستشفاءًً وصناعةً دوائية وصحةً عامة) أنه أصبح منذ ما قبل لحظة ذلك السقوط ذا رِبْعةٍونضجٍ واعتماد على الذات، إذ استمر إرسال الفرق الطبيّة إلى آسيا وإفريقيا. ولمَّا عجزت الطِّبابة الفرنسية والأمريكية على معالجة الإيبولا في إفريقيا الغربية عام 2000، كانت الطِّبابة الكوبية منتصرة. واستمرَّ تدفق الطلبة من العالم الثالث، بل من الغرب نفسه، إلى كليات الطبّ الكوبية (24 ألفَ طالبٍ من 116 دولة).
أصبح المُنتَجُ الطِّبابي والدَّوائي الكوبي سلعةً ذهبية تقايض بها الدولة المحاصَرة بسِلَعٍ ضروريةٍ وحاجية، وهو المُنْتَجُ الثاني تصديرًا. فوفرت فينزويٍلاَّ النفطَ للجزيرة، وموَّلت تجديد مصفاة سِيَانْفُوغُوس، التي أنْشئت بأجهزة سوفياتية وهُجِرتْ بسقوط الاتحاد السوفياتي. وكُوبَا تابعة لفينزوِيلاَّ بقرابة 60% من احتياجاتها النفطية. وقد أُرْسِل حوالي 20 ألف طبيب كوبي بموجب اتفاقية تعاون بين دولتي كوبا وفينزويلاّ؛ بينما استقبلت البرازيل عام 2013 حوالي 6000 طبيب مقابلَ تجديدٍ برازيلي لـ5 مطارات بالجزيرة وأكبر ميناء تجاري بها (صَنْ مُورْيَال). ولإفريقيا الجنوبية أيضا شراكة هامة في هذا السياق وبسبب الهجرة الكبيرة للأطباء مِن تلك البلدان، كان الحضور الأطِبَّائي الكوبي هُناك محلَّ استقبال جيّد، والنجاح الأطبّائي الكوبي يحفّز ذلك.
وبفضل التعاون الطّبابي الكوبي، في العالم (40.000 طبيب كوبي في العالم حسب كْلِيمون جَرّي و75.000 حسب جون كيرك، أي 20% من إجماليّ الأطباء الكوبيين)، كان الأمن النفطي النسبي، بالأقل قبل تراجع الاقتصاد الفينزويلّي نِسبيًّا، وكان تطوّر النشاط السياحي. وقد ازداد التصدير الدوائي الكوبي لنجاعة المُنتج الدوائي الكوبي. ولقد أثبت الطبيب الكوبي وَطَنِيته، فلم تؤثر فيه الدعاية الأمريكية ولا الإغراء المالي، فلم يقْطع ولاَءَهُ لدولته ولم يغيّر جنسيته.
ولقد كان لكُوبا انتصارات طِبابيّة هامة في الأمراض السرطانية. عام 2013، حوّلت الدولة الفرنسية جزءًا من الدَّيْن الكوبي إلى صندوقٍ استثماريّ في القطاع الطبيّ، وهُناك تعاون بين المقاولة الدوائية الفرنسية ومختلف معاهد الجزيرة للصناعة الدوائيّة لتطوير لِقاح ضدّ كُبَاد «ب» الحادّ، وضد فيروس حُمَّى الضّنك، وبعض الأدوية لسرطان الرئة. وبعد 4 أشهر فقط من عودة العلاقات الأمريكية- الكوبية، تحوّل حاكم نيويورك إلى معهد رُوزْوَال پارك ضدّ السرطان، مِن أجل تحديد الأهداف من اتفاقية أمريكية طويلة المدى مع مركز علم المناعة الخَلَوي بكوبا.
إن القطاع الطبّي رافعةُ نمّو هام لكُوبا، وهي تستثمره امتيازًا مُقَارَنيًّا إذ توظف رَيْعَهُ حتى في قطاعات أخرى، ومنها السياحة، وخاصة السياحة الاستشفائية، خاصة أن أسعار العلاج أرخص بكثير من أسعار القارتيْن الأمريكيّتين جميعا. والسياحة الطّبابية، هي خير تعويض عن السياحة الترفيهية التي تتطلب رؤوس أموال ضخمة.
يفسّر فيدال كاسترو الانتصار الطِّبابي الكُوبي بقوله: «أين السرّ؟ في الحقيقة إن رأس المال الإنساني يستطيع أكثر من رأس المال النقدي. لا يَسْتَتْبِعُ رأسُ المال الإنساني مَعارِفَ فحسب، ولكنْ أيضا، بل أساسًا، الضميرَ والأخلاقيةَ والتضامنَ، والمشاعرَ الإنسانية فعلا، وروحَ التضحية، والقدرةَ على الفِعل كثيرا بالقليل جدًّا».

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023