النخبة السياسية بتونس ضاعت بين الرَّجُلين…بقلم مروى الباشا

 النخبة السياسية بتونس ضاعت بين الرَّجُلين…بقلم مروى الباشا

سبق وكتبت في سنة 2014 مقالا بعنوان” بين أن تديّن السياسة وتسيّس الدين” وكنا قد قسمنا المجتمع إلى أربعة طبقات، طبقة ترميم وهي موالية للحكم القديم حيث أنها تبحث عن إمكانية الرجوع إلى الساحة السياسية تحت تسميات جديدة والغريب أن هذه التسميات فيها تلميح للحرية التي سلبوها من الشعب في وقت سابق،  والطبقة الثانية فتعتبر طبقة موازنة تنادي بالوسطية في القرار وفي المبادئ ومكونة من أحزاب قومية ويسارية وديمقراطية، أما الطبقة الثالثة التي عرفت بالتوجه الديني والتي تتحدث عن ارساء “مبادئ وقيم الدين الإسلامي”  في ظل مجتمع همش ديانته لسنوات، أما الطبقة الرابعة والأخيرة إخترنا تسميتها بالطبقة الفقيرة في تكوينها السياسي والإجتماعي وهي طبقة لا تطالب بالحريات ولا بالتعديلات همها الوحيد من الدولة توفير الحاجيات الأساسية لها.

والآن وبعد مرور أربع سنوات تغير هذا التقسيم لينحصر في طبقتين، وهي الطبقة البورجوازية والطبقة الفقيرة، حيث أن الأزمة الإقتصادية بالبلاد التونسية وفي ظل غلاء المعيشة أقصيت الطبقة الوسطى لتلتحق بالطبقة الفقيرة، وقد كانت لهذه التقسيمات تأثيرات جذرية على نتائج الانتخابات الرئاسية  2019.

حيث أن المرشح الأول والذي تصدر قائمة السباق نحو كرسي قرطاج أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد حظي بنسبة 18,40% في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية الثانية بعد الثورة التونسية،لا ينتمي  إلى حزب سياسي معين لكنه ينتمي إلى تيارات موجودة داخل المجتمع التونسي.

والثاني هو نبيل القروى الذي تحصل على نسبة 15,58% وهو رجل أعمال، رئيس حزب قلب تونس ومالك لقناة نسمة  شديدة العداء للإسلاميين وهي دائمة التطاول على الإسلام.

أما عبد الفتاح مورو مرشح حركة النهضة والذي يقدم نفسه على أنه إسلامي، فقد احتل المرتبة الثالثة بنسبة  12,88% نأتي بعد ذلك للمترشح عبد الكريم الزبيدي وهو وزير الدفاع السابق وهو شخص مدني وحصل على نسبة 10,74% يليه يوسف الشاهد بنسبة 7,38% وهو علماني وكان ينتمي إلى حزب نداء تونس التابع للرئيس الراحل الباجي قائد السبسي قبل أن ينشق بعد ذلك ويكون حزبه تحيا تونس الذي ضم العديد من العلمانيين ولكن بالرغم من الحملة الانتخابية الأكثر تكلفة مقارنة بغيره من المرشحين، إلا أنه لم يتحصل على نسبة مشرفة وهذا دليل على فشل حكومته وسحب الشعب الثقة منه. أما الدكتور المنصف المرزوقي والذي سبق وأن أعطي الشعب ثقته به ليجلس على كرسي قرطاج هذه المرة فشل في موسم العودة   لقصر قرطاج حيث تحصل على نسبة  غير  مشرفة 2,97% .

نلاحظ من خلال هذه النتائج، أن كل الموجودين في هذا المسرح السياسي رسبوا بامتياز. يعني حزب النهضة بكل ثقله والذي تحصل فى الانتخابات السابقة على 40% من الأصوات يعني خسر ثلثي الأصوات فقد ثقة شعبه نتيجة عدة أسباب من بينها عدم إختياره المحكم لمرشحه الذي أصبح في الفترة الأخيرة يلعب دور “المهرج” في البلاتوات السياسية، سبب آخر كان عاملا لتغيير صورة ذلك الحزب الإسلامي وهو تصويته في البرلمان على تخفيض أسعار الخمور.

كل هذا نتيجة من ترأسوا سلم السياسة، حيث أننا لم نعد نعرف هوية هذا الحزب هل هو علماني أم إسلامي ! يعني أن يبقى حزب بين “البينين” فلن ينتخبه لا هذا ولا ذاك. فالناس تحب الوضوح وبالتالي فإن حزب النهضة كرهه العلمانيون والإسلاميون فانفض الجميع من حوله، أما الجزء الأكبر من تدميره هو محاضرة المفكر السياسي عزمي بشارة بتونس بحضور مُلفت للانتباه لأعضاء حركة النهضة، على رأسها راشد الغنوشي رئيس الحركة وبعض القادة الآخرين نذكر منهم علي العريض، نور الدين البحيرى فى الصف الأول وقمة تركيزهم دليل قاطع على أن هذا المفكر له مكانة خاصة وتأثير  كبير في المسائل السياسية في حزب النهضة وهو ما أدى لدمار هذا الحزب وسحب الثقة منه.

نأتي الآن إلى المرشح صاحب الحظ الأوفر فى التصويت، وهو أستاذ القانون، اعتبره الشعب شخصية نظيفة غير ملوثة بالأحزاب حتى أنه ليس لديه حساب على مواقع التواصل الإجتماعي (الفيسبوك، تويتر…). والميزة الأخرى في هذا المرشح تحدثه باللغة العربية بكل سلاسة وتحدثه عن المسائل القانونية في البلاتوات السياسية . رأى المواطن فيه أنه سوف يقيم دولة القانون وهذا ما يُبين أن الشعب اذا رأى نموذجا صحيحا أو ظاهره نظيفا إنتخبوه عكس عبد الفتاح مورو الذي مزج شخصيته   بين الإسلامية والعلمانية، متوهما أنه سوف يتقرب من الشعب. وهذا دليل على أن النخبة السياسية كلها ضاعت بين الرجلين وهو ما كشفته لنا نتائج الانتخابات. والمشكلة في انتخاب قيس سعيد يتمثل فى تدمير العقل التونسي لأنه مستقل وابن خلون يقول “الدولة تقوم على العصبة ” يجب أن يكون له حزب ليس هنالك من يقول أنا لوحدى لابد أن يكون وراءه تنظيم قوي ! لذا فإن ابا بكر الصديق في سقيفة بني ساعدة وهو بصدد اختيار من سوف يتولي خلافة الرسول صلى الله عليه وسلم، قال للأنصار أن هذا الأمر ” لا يستقيم أمر العرب إلا بقريش ” لأن قريشا تنظيم قوي وكبير كل العرب يخضع له بالطاعة والسمع ، فكونه مستقل يشكل عائقا، ففي جل أنحاء العالم هنالك تنظيمات تسير بالنقابات، الجيوش، أحزاب …والمشكل هنا أنه عندما يفوز مستقل في الإنتخابات هنالك خلل في التنظيم السياسي لهذا البلد، بمعني أدق أن كل الأحزاب فشلت في التعبير عن إرادة الشعب .

أما بالنسبة للمرشح الثاني، الذي كان مواليا للرئيس السابق الباجي قائد السبسي، والقابع في السجن في قضايا غسيل الأموال والتهرب الضريبي، هذا الى جانب أن له تمويلات  كبيرة من الخارج وقد قام بتأسيس جمعية خيرية، لإبراز صورة الرجل الطيب وهو ما جعله يمثل خطرا على كتلتي حركة النهضة من جهة وحزب تحيا تونس بإعتبار أن هاتين الكتلتين لهما الكتلة الأكبر في البرلمان حيث قاموا بمراجعة القانون الإنتخابي وسن قانون جديد يمنع أصحاب المؤسسات الإعلامية ورؤساء الجمعيات الخيرية من المشاركة في الانتخابات، لكن وفاة الرئيس الراحل قبل إمضاء هذه الوثيقة أعطي لنبيل القروي الحظ لخوض حلمه الذي بدأه منذ الانتخابات الأولى بعد الثورة التونسية .

يبقى السؤال المطروح من سوف يفوز بكرسي قرطاج ؟ أي من المترشحين سوف يحظي باكبر نسبة دعم من الأحزاب التي تحصلت على نسب جيدة في الانتخابات. بمعني أصح هل أن الشعب سيبني دولة القانون أو أنه سوف يبني دولة الفقير ؟

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023