النظام السياسي..مشهد سياسي مشوّه..جثّة في حالة تعفّن..!!

النظام السياسي..مشهد سياسي مشوّه..جثّة في حالة تعفّن..!!

بقلم #الناشط السياسي محمد البراهمي |

إنّ النظام السياسي الذي تمّ اعتماده، والذي على قاعدته تشكّلت الخارطة السياسية، و قد أنتج مشهد شديد التعقيد والتنازع على مستوى الصلاحيات والأدوار وأدّى إلى شلل أجهزة الدّولة وخلق جوّا من الاحتقان والتوتّر العالي في مختلف مؤسّسات الدولة وانعكس سلبا على مختلف المستويات ، إذْ أنّ النظام السياسي بِرُمّته أنتج مشهد سياسي مشوّه ، و أصبح جثّة في حالة تعفّن لم يعد يخدم الدولة.. فضلا عن تأثيره الكارثي المباشر على الوضع الاقتصادي الهشّ أصلا بخلقه مناخات غير ملائمة للاستثمار والنمو و الإستقرار ،وهو ما يجعل الدعوة ملحّة وأكيدة إلى حوار وطني وتكون أولوياته المضامين الإجتماعية لإنقاذ الإقتصاد والبلاد والعباد او لابد من تغيير المنظومة السياسية برُمّتها..

المنظومة السياسية :

بات واضحاً لدى غالبية الشعب أنّ منظومة الحكم المتواصلة من 2011 إلى اليوم، نخرها السوس وأصبحت غير قادرة على معالجة الأزمة الشاملة والعميقة التي تهز البلاد، وهناك قناعة راسخة بأنّ هذه المنظومة هي السبب الرئيسي في هذه الأزمة بالنظر إلى خياراتها اللاّشعبية واللاّوطنية التي جاءت عكس ما انتظره الشعب التونسي و سياسة الهروب إلى الأمام والإنكار لم تعد تجدي نفعاً و الأفضل الإعتراف بوجود أزمة ثقة، وتغيير السياسات والخيارات.. و تتوقف الأطراف المتصارعة عن الصراعات النرجسية المدمرة و عن ترديد التفاهات التضليلية و الخطابات الشعبوية و الوعود الواهية التي لا تستطيع الصمود أمام قوة الشارع ، وقد فقدت قدرتها على إقناع الناس، ويتحملوا مسؤولياتهم بشجاعة، بدلاً من الاستمرار في هذه المتاهة المفتوحة، و بقائهم صامتين أمام كل ما يحدث في البلاد من عبث متواصل وتجريف لكل مكتسبات هذا الشعب المسكين و ضياع كامل لمصير الدولة.. دون ذلك ، لا يبقى خيار إلاّ أن يحترموا أنفسهم ، و يقدموا إستقالتهم أمام الشعب بشرف، وكفانا تبريراً للفشل وخداعاً لأنفسنا فلسنا أقل من الشعوب التي تحررت ونهضت، و لايمكن توصيف المسلسل الدرامي الحاصل في تونس بأقل من سياسة “التكمبين ” و الهروب إلى الأمام، وهي سياسة تدخل في صميم تعميق الأزمة وتوتير الأوضاع، بدل العمل على حل الصراع ومعالجته بالحوار والحكمة والمنطق، والنظر إلى الأمور من زوايا الواقع، لا بآليات القفز في المجهول .. نحن اليوم أمام امتحان حقيقي إما أن نجتازه حتى ولو بصعوبة وإما أن نرسب فيه فتتراكم المشاكل السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة بشكل مرعب وعندئذ تعصف بالجميع وتحصد الاخضر واليابس..

ترسيخ هيبة الدولة أم ترذيل الدولة..!! :

عندما تتحول الصراحة إلى وقاحة و الحرية إلى فوضى و همجية و النقد إلى تطاول و تجريح عندها تضرب هيبة الدولة و رموزها.. بما ان رئيس الجمهورية هو رئيس البلاد والمؤتمن على أمنه وسيادته، فالقانون لا يسمح بإنتقاده لا سياسياً ولا شخصياً.. اليوم نجد أنفسنا أمام بعض الأطراف تضرب عرض الحائط، بهيبة الدولة و رموزها .. يتجاهلون معاني وقيم الجمهورية والدولة ومؤسساتها وقوانينها وهيبتها، و عمدت إلى توجيه إتهامات لرئيس الجمهورية والى حد تجاوز كل الحدود، ويهدّدون السلم الإجتماعي ويتصرفون كصعاليك صغار لا غاية لهم سوى انتهاك القوانين لخدمة مصالح لوبياتهم..، التهجم على رئيس الدولة غير مقبول و يُعتبر مسًّا من قيمته الاعتبارية كرمز لوحدة الدولة والضامن للدستور..حقا لا يمكن القول في هذا السلوك إلاّ انه فعل أرعن ووقاحة و تهوّر لا يجب أن يمر مرور الكرام ،و في النهاية أنا لا أتكلم أو أدافع عن رئاسة الجمهورية لأنّه قيس سعيد ، بل أدافع عن رمزية رئاسة الجمهورية في دولة القانون و المؤسسات .. ألهاذا الحدّ عجزت مؤسسات الدولة على القيام بدورها و فقدت هيبتها و فعاليتها.. ؟ أم أن هذا مخطط له من أجل تدمير الخصوم السياسيين، و لكنّه في الحقيقة مدمّر للدولة و الوطن..والتطاول على الدولة واجهزتها ومؤسساتها ليس من حرية الرأي والتعبير ولا تمت للديمقراطية وقيمها بصلة مطلقا..

“موضة” التسريبات :

حرب التسريبات ليست جديدة على المشهد السياسي وهو ما يدل على درجة الإنحطاط الأخلاقي والقيمي و السياسي ويبدو أن التسريبات أو “موضة التسريبات” لن تتوقف عند هذا الحدّ، فمثل هذه المنظومات المأزومة قيميًا وأخلاقيًا لا يمكن أن تنتج شيئًا آخر بخلاف الرداءة السياسية المفرغة من أي معنى مضموني مفيد للبلاد والعباد.. و لا شكّ في أنّ مثل هذه الممارسات ستزيد في ترذيل قيمة السياسة وصورة السياسيين لدى الرأي العام بإستباحة أجهزة الدولة لضرب خصوم سياسيين و هو معطى خطير يكشف بشكل واضح حجم التلاعب بمؤسسات الدولة التي باتت مستباحة في معارك سياسوية قذرة..، و التي شوّهت الحياة السياسية وعمّقت أزمة ثقة المواطن في الطبقة السياسية وجعلت أجهزة الدولة مستباحة لتصفية الحسابات وتحقيق مآرب لا موضوعية بأساليب غير أخلاقية، و أصبح من الضروري التثبت من الهدف من هذه التسريبات وما ان كانت في خدمة المصلحة العامة أو لخدمة أجندات ومصالح خاصة وضيقة..ألهاذا الحدّ عجزت مؤسسات الدولة عن القيام بدورها و فقدت هيبتها و فعاليتها.. ؟ أم أن هذا مخطط له من أجل تدمير الخصوم السياسيين، و لكنّه في الحقيقة مدمّر للدولة و الوطن..فلا خلاص لتونس إلاّ بوضع حدّ للمسار المتعثّر و المعارك الجانبية والتي من بين أسبابها تفكيك الدولة بشكل جعل منها كياناً متشظّيا لا حول له ولا قوّة..

الحوار ثم الحوار قبل الإنهيار :

 يبدو أنّ الأطراف المتصارعة قد أحرقت جميع مراكب العودة للحوار وقررت الإشتباك حتى آخر نفس سياسي، و دخلنا في مرحلة الجميع ضد الجميع..معركة استقالة هشام المشيشي ليست معركة حياة أو موت، كما تراها بعض الأطراف المتصارعة، و بقائه واستمراره على رأس الحكومة لن يصنع المعجزات ، كذلك رحيله سواء استقال عن طيب خاطر أو تمّت إزاحته، لن يُنهي الأزمة السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية بصورة نهائية ، و إنّما للتخفيف من حدتها على الأقل..ماالذي يُمكن لرئيس الحكومة أن يُغيّره بحكومة ثلثها معطل ونصفها يعمل بالنيابة وأي وزن سياسي لهذا الفريق الحكومي المنقوص الذي يقود البلاد في أزمة صحية عالمية وأزمة اقتصادية محليّة.. و أرى أنه من الضروري أن تتم الإستقالة في أقرب وقت ممكن لأن حالة التأزم آلت إلى تأزم الأوضاع على كل الأصعدة الإجتماعية والإقتصادية وبالتالي على المشيشي أن يستقيل و الدخول في حوار وطني وتكون أولوياته المضامين الإجتماعية لإنقاذ الإقتصاد و البلاد و العباد من المجهول.. لا بد من حوار وطني شامل يتفق فيه الجميع على تغليب لغة العقل والمنطق ، إذ لابد من الحوار ثم الحوار قبل الإنهيار..!!

لا تزال الرؤية غير واضحة إلى اليوم نحو بوادر إنفراج الأزمة السياسية التي بتواصلها من الممكن أن تكون العواقب وخيمة أكثر في ظلّ وضع اقتصادي ووبائي أصعب ..وبذلك تمّ تجميد مؤسسات الدولة، وفتح المجال لمزيد من أسباب إضعافها وإرباكها من الداخل والخارج.. وإلى أن يأتي ما يخالف ذلك، تونس في حالة انتظار..!!

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023