النظام المصري يقف وحيدا في قضية سد النهضة الأثيوبي لماذا؟

النظام المصري يقف وحيدا في قضية سد النهضة الأثيوبي لماذا؟

الدعم لأثيوبيا في قضية السد ليس محصورا في الكيان الصهيوني  الذي أمد اثيوبيا بمنظومة صورايخ دفاعية لحماية السد الى جانب توقيع العديد من الاتفاقيات والمعاهدات فيما يخص القطاع الزراعي وأنظمة الري المتطورة وشكلت إختراقا أفريقيا في منطقة ذات أهمية استراتيجية للغاية. يجب ان لا ننسى الدور السعودي والاماراتي أيضا الذي يتضح من خلال حجم الاستثمارات سواء في السد وغيرها من المشاريع الاستثمارية. ولقد قدمت الامارات ثلاثة مليار ات من الدولارات لأثيوبيا في الوقت الذي رفض فيه الاتحاد الاوروبي تقديم اي دعم لاثيوبيا في هذا المجال وذلك لاسباب قانونية دولية تتعلق بالسد وتوزيع الحصص المائية بين أثيوبيا ومصر والسودان . إن بناء السد وعدم الوصول الى اتفاقية ملزمة مع اثيوبيا التي بدأت فعلا بملء السد والذي يتسع الى 74 مليار متر مكعب من الماء سيكون كارثيا على مصر ويشكل خطرا وجوديا لها ويكفي ان نشير هنا الى ان 85% من إمدادات المياه لمصر تأتي عبر أثيوبيا.

 وإحدى الدروس  التي يجب استخلاصها من التعنت الاثيوبي في قضية السد هي ان من يرضى لنفسه ان يكون عميلا وأداة ومطية للولايات المتحدة وزبانيتها في المنطقة لن يجد أي إحترام له أو الوقوف الى جانبه للدفاع عنه عند وقوعه في الازمات التي تهدد بلده وجوديا هذا على إفتراض ان الازمة لم تكن كما قد أشار البعض سابقا أنه مخطط لها وتهدف الى تدمير مصر نهائيا بحيث لا تقوم لها قائمة وعلى أن الكيان الصهيوني قد لعب دورا كبيرا في ضرب الامن المائي المصري بالرغم من أن مصر وقعت إتفاقية السلام مع إسرائيل والدور الذي تلعبه مصر خدمة للكيان الصهيوني في كبح جماح المقاومة في غزة وتضييق الخناق الاقتصادي على القطاع وحركة أهل القطاع حتى المتوجهين الى مصر لتلقي العلاج  تحت حجج واهية.

 ومخطط تدمير مصر ودورها الاقليمي والدولي بدأ من إتفاقية كامب ديفيد الخيانية على أيدي السادات والتي أخرجت مصر كلية من الصراع العربي-الاسرائيلي هذا الى جانب سياسة الانفتاح الاقتصادي التي إتبعها السادات مما أدى الى تدمير الصناعات الثقيلة والاستراتيجية المصرية وفتح مصر الى النهب والسلب بإستثمارات وشركات أجنبية بالشراكة مع الحيتان والطاغوت المالي للبرجوازية المحلية ونشر الفساد بجميع أشكاله في أجهزة الدولة وخارجها. وتم  تحويل المؤسسة العسكرية والجيش المصري الى مؤسسة إقتصادية ربحية بالدرجة الاولى. 

 هذا مع عدم ذكر الدور التخريبي للنظام المصري الحالي والسابق في المنطقة والمشاركة بشكل مباشر او غير مباشر في محاولة تدمير الانظمة الوطنية في المنطقة. كل ما فعلته مصر من خدمات للاستراتيجية الامريكية في المنطقة لن يؤهلها لوقوف الادارة الامريكية معها في قضية السد وحرمان مصر من المياه الضرورية لحياة شعبها.

 ولن تقف لا الامارات ولا السعودية أيضا مع مصر وذلك لما لهم من مصالح إقتصادية واستثمارات جمة في السد والقطاع الزراعي على وجه التحديد في أثيوبيا. ولعل الكثيريين لا يدركون ان الامارات لها قاعدة عسكرية في ميناء عصب في أثيوبيا وقد استخدمت هذه القاعدة في الحرب على اليمن. هذا بالاضافة الى ان الامارات والسعودية تريدان ان تبقى مصر غارقة في مشاكلها الداخلية والخارجية وأن لا تعود الى مكانتها ودورها الاقليمي والدولي لان هذا يعني ببساطة آفول دور هذا الدول الكرتونية الوظيفية. أي نهوض لمصر ودورها ومكانتها التي كانت تتمتع به سابقا أيام جمال عبد الناصر رحمه الله يعني ببساطة تراجع هذه المستعمرات الغربية الى جحورها كما كانت في السابق وهذا ما لن تسمح به السعودية أو الامارات. ليس هذا وحسب بل هي تريد ان تستغل ما تبقى من قدرات مصرية وخاصة الجانب العسكري لخدمة مصالحها في المنطقة وهذا ما تبين في الحرب على اليمن والحرب على ليبيا حاليا فكلاهما يدفع مصر للتدخل عسكريا لصالح حفتر بدلا من ان تكون مصر الحاضنة الفعلية العربية لايجاد حلا سلميا بين الفرقاء في ليبيا يضمن مصالح الشعب الليبي بالدرجة الاولى.

وحتى السودان التي وقفت منذ بداية الازمة مع مصر وأصرت على عدم المضي في ملء السد من قبل أثيوبيا نراها قد تراجعت عن هذه المواقف أو على الاقل خفضت حدة نبرة الاحتجاج بعد ان تبين لها أنها ستحصل على كمية مياه كافية ضمن المخطط الذي سيؤهلها لزراعة مساحة كبيرة من الاراضي خاصة تلك المحاذية للسد الذي قد بني على بعد 20 كم فقط من الحدود مع السودان. 

أما “الجامعة العربية” التي ذهبت الى مجلس الامن للمطالبة بالتدخل العسكري في سوريا تحت البند السابع بقيادة قطر ووزير خارجيتها محمد بن جاسم بعدما دفعت خمسة ملايين دولار لشراء رئاسة الجامعة من المندوب الفلسطيني آنذاك فهي لم تحرك ساكنا لما تتعرض له مصر من خطر وجودي لانتهاك أمنها المائي من قبل أثيوبيا التي بدأت فعلا بملء السد.

أما امريكا وبالرغم من ان نظام السيسي يعتبر من الانظمة التي تدور في الفلك الامريكي من حيث تنفيذ الاستراتيجية الامريكية في المنطقة فلن تقوم بدعم مصر في قضية تدويل المشكلة مع أثيوبيا وأكثر ما يمكن ان تقدمه هو احتضان إجتماعات بين الاطراف المتنازعة كما فعلت سابقا  بعد فترة طويلة من الازمة التي أتاحت لاثيوبيا الفرصة لانهاء بناء السد ووضع الاليات اللازمة لملئه. وهذه الاجتماعات قد فشلت ولم تؤتي بأية نتائج على الارض ومن المؤكد ان امريكا ستترك الامر وتقول ان على الطرفين أن يحلا مشاكلهم بالمفاوضات ونقطة على السطر.

 ذهب الزمن الذي إذا ما أطلقت صيحة أو موقف من مصر إهتزت المنطقة بأكملها متجاوبة ومؤيدة لمصر من المحيط الى الخليج…ذهبت مصر التي كان يحسب حسابها سواء في منطقتنا والقارة الافريقية والدول الاسيوية الفاعلة والعالم بأسره ولا نرى بارقة أمل في المدى المنظور عن اي تغيير إيجابي ضمن مؤسسة السيسي الذي يتحضر للتدخل العسكري في ليبيا بينما يترك أرض مصر وشعبها وأمنهم المائي مرهونا بإستجداء أثيوبيا أو مجلس الامن الدولي.   

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023