الهرولة العربية الى دمشق وعودة سوريا الى “الجامعة العبرية”…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

الهرولة العربية الى دمشق وعودة سوريا الى “الجامعة العبرية”…بقلم  الدكتور بهيج سكاكيني

الدول العربية التي تآمرت على سوريا ودفعت المليارات لإسقاط الدولة السورية وتسليم مقاليد الحكم بها الى حثالة وعملاء وأدوات الولايات المتحدة لتنفيذ المخططات الصهيو-أمريكية في المنطقة وقامت بتجميد عضويتها وكانت على قاب قوسين من تسليم المقعد لحثالة رواد فنادق الخمسة نجوم الخمسة الاذين أبدوا لاستعداد للتنازل عن الجولان للكيان الصهيوني مقابل تدخله المباشر لإسقاط الدولة السورية، نراها الان تتداعى فيما بينها وتنادي بعودة سوريا الى جامعة الدول العربية. ولا بد لنا من التساؤل لماذا هذه التصريحات والدعوات الان ولماذا باتت بعض الدول العربية تطرق باب دمشق لاسترضاء القيادة السورية؟ هل هذا يمثل عودة الوعي وإعلان التوبة عما اقترفته اياديهم من إجرام بحق الشعب السوري والمساهمة بكل ما تملكه من نفوذ سياسي وإمكانيات مادية هائلة لتحقيق مآربها وأهدافها القذرة بما يخص الوطن السوري؟

الإجابة على هذه الأسئلة لكل من تابع الازمة السورية منذ بدايتها ولغاية الان يدرك جيدا ان  هذه الدول وبالرغم من توددها الى الدولة السورية ما زالت تحمل الضغينة للدولة السورية وللشعب السوري وما زالت تتأمل بأن تأتي فرص مستقبلية لتحقيق ذلك وخاصة في ابعاد سوريا عن التحالفات التي رسمتها أثناء الحرب الكونية الإرهابية عليها على مدى العشرة سنوات الماضية والتي أحدثت بالضرورة تغييرات في الواقع الإقليمي والى حد كبير الدولي أيضا ليس لصالح هذه الأدوات ومشغليها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني على وجه التحديد.

هذه الدول وصلت الى قناعة تامة بأربعة قضايا أساسية وهي التي دفعتها للتحرك نحو دمشق.

 اول هذه القضايا وهذا ليس بالأمر الجديد انها وصلت الى قناعة تامة انه وضمن المناخ الإقليمي والدولي وصمود الدولة السوري بكل مكوناتها ان القيادة السورية والجيش السوري على وجه التحديد باقية وأنه لا يمكنها ان تغير هذا الواقع.

وثانيا ان الولايات المتحدة وبالرغم من كل تصريحاتها ضد الدولة السورية وما فعلته طيلة العشرة سنوات الماضية لإسقاط الدولة السورية ليست بوارد ان ترسل البساطير الامريكية على الأرض لصالح هذه الدولة او تلك ولأن أولوياتها فيما يخص سياساتها الخارجية قد تغيرت. هذا لا يعني على الاطلاق باي حال من الأحوال ان المنطقة لم يعد لها أهمية استراتيجية في السياسة الخارجية الامريكية او المصالح الأمريكي. ما تغير ربما هو ان الولايات المتحدة تريد من هذه الأدوات ان تعتمد على نفسها “للدفاع” عن مصالحها وهي على استعداد لتزويدها بالأسلحة والمعدات العسكرية بما فيها التدريب وغيره كما هو الحال في العدوان الهمجي السعودي على اليمن.

وثالثا: ان الهرولة نحو التطبيع وإقامة العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية وحتى العسكرية كما تبين أخيرا في إجراء المناورات العسكرية البحرية لدولة الامارات والبحرين (المستعمرة السعودية) في البحر الأحمر ان كل هذا لن يحمي عروش وممالك الدول الخليجية التي رفضت كل الدعوات الإيرانية لحل المشاكل وقضايا امن الخليج بالحوار والتفاهمات وليس بالاستقواء بالأجنبي والصهيوني. فمن جانب الأمريكي يسعى الى سحب أكبر عدد ممكن من قواته من المنطقة ولم يعد له النية في مواجهة غيران عسكريا في الخليج ولم ولن يستجيب لدعوات الكيان الصهيوني بتوجيه ضربة الى المنشآت النووية الإيرانية ومن الجانب الاخر الكيان الصهيوني عاجز على مجابهة إيران لوحده والعديد من المحللين الإسرائيليين يعترفون بهذا ولديهم القناعة التامة ان بدء الحرب مع إيران أو توجيه ضربة الم منشآتها النووية سيشكل كارثة غير مسبوقة على الكيان الصهيوني.

رابعا: بعض الدول العربية تريد ان تستبق الأمور بتقربها الى دمشق لأنها تدرك ان الوضع الإقليمي بعد تعافي الدولة السورية كاملة وكذلك التحولات على الساحة اليمنية التي أصبحت تبشر بالهزيمة المحققة للتحالف السعودي-الاماراتي وخاصة اذا ما تم سقوط مأرب كما هو متوقع, هذه التغيرات لا تصب في مصلحتها ونرى بعض هذه الدول تأخذ منحى مغايرا للإملاءات الامريكية حفاظا على مصالحها.

لكل هذه الأسباب مجتمعة نرى الهرولة الى دمشق والتي بحد ذاتها تعتبر تسليما واعترافا بهزيمة المشروع الذي كان مخططا للوطن السوري.

اما فيما يخص الدعوات “العربية” لعودة سوريا الى ما تسمى “الجامعة العربية” لا بد لنا من التساؤل عن اية جامعة عربية يتم الحديث عنها؟ هل هي الجامعة التي ساهمت في تدمير ليبيا مع حلف الناتو وإعطاء الغطاء “العربي” والدولي لهذا الدمار وإسقاط نظام العقيد معمر القذافي. نحن لا ندافع عن شخص ولنا مآخذ على هذا النظام وغيره، ولكننا لن نصطف ولا باي حال من الأحوال مع الامبريالية العالمية عدوة الشعوب كما فعل وما زال يفعل البعض تحت مبررات واهية ويدافع لاصطفافه مع الناتو والولايات المتحدة في مراحل وفترات زمنية ليست بالبعيدة سواء في الغزو الامريكي للعراق عام 2003 او تدمير ليبيا او بالهجمة الكونية الإرهابية على سوريا.

الجامعة التي يتحدث البعض عنها وينادي بعودة سوريا اليها هي الجامعة التي شرعت تدمير ليبيا وشرعت تدمير الوطن السوري. لم ننسى ولن ننسى ذهاب الأمين العام لجامعة الدول العربية ووزير خارجية قطر آنذاك حمد بن جاسم لاستجداء مجلس الامن للتدخل في سوريا تحت البند السابع وكذلك الزيارات التي قام بها بندر بن سلطان السعودي المكوكية الى روسيا في محاولة اقناع الرئيس بوتين بالتخلي عن دعم سوريا والعروض التي قدمها لروسيا مقابل تحقيق ذلك وذلك بعد تسلمه الملف السوري بعد الفشل القطري والتركي في اسقاط الدولة السورية. الجامعة التي يراد لسوريا العودة اليها هي أيضا من أعطت الغطاء “العربي” للعدوان الهمجي على اليمن التي أحدث دمارا تقشعر له الابدان على المدى البشري والإنساني والمادي وارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية الى جانب تمزيق وحدة الأراضي اليمنية من قبل السعودية والامارات. والحديث عن هذه الجامعة يطول، ولكننا لا نريد الاطالة على القراء هنا.

كاتب وباحث اكاديمي فلسطيني

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023