الهرولة نحو التطبيع…كيف ارتمت دول عربية في “الأحضان الإسرائيلية”

الهرولة نحو التطبيع…كيف ارتمت دول عربية في “الأحضان الإسرائيلية”

تتسارع الخطوات العربية الرسمية للتطبيع مع “إسرائيل”، واقتربت دولة الاحتلال من الحصول على ضمانة من كثير من العرب بتخليهم عن منطق المواجهة العسكرية واستعداد جلّهم للتعايش معها، خصوصاً تأييد البعض لـ”صفقة القرن” التي أعلنتها واشنطن مؤخراً.

وتعكس اللقاءات بين مسؤولين إسرائيليين وآخرين عرب، رغبة من الطرفين برؤية علاقات تُنهي حالة “العداء” بينهما، دون أن يكون الفلسطينيون جزءاً منها، بعد ترسيخ واقع عزل المسار الفلسطيني عن المسار العربي، والقبول بدمج “إسرائيل” في منطقة الشرق الأوسط كقوة فاعلة.

ويتخذ العرب، وزعماء خليجيون بشكل خاص، العداوة مع إيران ذريعة لتلك العلاقات والتعاون مع “إسرائيل” في مجالات التقنيات والمسائل الأمنية وغيرها، وهو ما يطرح السؤال الآتي: إلى أين ستصل هذه العلاقات التي تتزايد أمام فرضية السلام مع دولة الاحتلال والقبول التام بها كدولة في الشرق الأوسط؟.

اتفاقية جديدة!

في 9 فيفري 2020، كشف رئيس الوزراء القطري الأسبق، الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، عن اتفاقية مرتقبة سيتم توقيعها بين دول عربية و”إسرائيل”، عقب طرح الإدارة الأمريكية خطتها للسلام في الشرق الأوسط، المعروفة إعلامياً بـ”صفقة القرن”.

وأوضح “بن جاسم”، في سلسلة تغريدات له بحسابه على موقع “تويتر”،  أن الخطوة التالية بعد الإعلان عن “صفقة القرن” ستكون “اتفاقية عدم اعتداء بين (إسرائيل) ودول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى مصر والأردن وربما المغرب”.

من جانبها نقلت صحيفة “العربي الجديد”، عن مصدر مصري قوله، إن تحركات عربية وخليجية تجري لعقد لقاء إسرائيلي عربي معلن، على درجة عالية من التمثيل قبل الانتخابات الإسرائيلية العامة، المقررة في 2 مارس المقبل، مشيراً إلى أن القاهرة وأبوظبي تؤديان دوراً كبيراً في تنسيقه.

وكانت صحيفة “يسرائيل هيوم” كشفت، في 6 فيفري الجاري، عن وجود اتصالات مكثفة تجري بين واشنطن وتل أبيب والقاهرة والرياض من أجل تنظيم قمة في القاهرة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته، بنيامين نتنياهو، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

وأضافت الصحيفة أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو وفريقه يجرون اتصالات بهذا الخصوص منذ عدة أشهر، مشيرة إلى أن الاتصالات تكثفت أخيراً لمحاولة عقد القمة في الأسابيع المقبلة قبل الانتخابات الإسرائيلية، على أن يشارك فيها أيضاً، إلى جانب المصريين والأمريكيين، كل من بن سلمان وحكام الإمارات والسودان والبحرين.

وتزامناً مع ذلك، كشف نتنياهو عن وجود سعي من قبل دول عربية وإسلامية للتقرب من “إسرائيل”، وقال في تغريدة على حسابه بـ”تويتر”، الأحد (9 فيفري 2020)، إن العالم يشهد تغييراً هائلاً تقوده “إسرائيل” من أجل تغيير علاقاتها مع جميع الدول العربية والإسلامية.

وتأتي موجة التطبيع غير المسبوق، بعد إعلان الرئيس الأمريكي، في 28 جانفي الماضي، الخطوط العريضة لخطة السلام المزعومة، التي تُعرف إعلامياً بـ”صفقة القرن”، والتي لم تعارضها دول عربية كان لها خطوات تطبيعية، مثل السعودية والإمارات والبحرين، قبل أن تأخذ السودان أيضاً منحى جديداً في التطبيع من خلال لقاء رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان مع نتنياهو.

مبادرة عدم اعتداء

بعد سلسلة لقاءات سرية وأخرى علنية دون تطبيع كامل، تحاول “إسرائيل”، بدعم أمريكي، الحصول على ضمانة بعدم تعرض دول الخليج لها، رغم غياب احتمالية ذلك بالأساس.

حيث تحاول دولة الاحتلال، بدعم من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، توقيع مبادرة مع دول خليجية تقضي بـ”عدم اعتداء” بينهما، وقد أخذ الحديث عنها يأخذ منحى جدياً دون نفي من الخليج أو أمريكا.

يوم الاثنين (2 ديسمبر 2019)، قال وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إن وفداً من بلاده وصل إلى واشنطن لبحث إمكانية التوصل إلى اتفاق عدم اعتداء مع دول الخليج.

وأضاف كاتس، في مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي: إن “واشنطن تعمل مع دول الخليج لتحقيق ذلك”، مشيراً إلى أنّ الوفد يضم ممثلين عن وزارتي الخارجية والعدل ومجلس الأمن القومي والجيش.

ولم يتحدث الوزير الإسرائيلي عما إذا كانت المحادثات ستقتصر على الجانب الأمريكي أم ستشهد مشاركة مسؤولين بدول الخليج، لكنه قال في أكتوبر الماضي، إنه قدّم مبادرة لعدد من وزراء خارجية دول الخليج والمبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، على هامش أعمال الدورة الـ74 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أواخر سبتمبر الماضي.

وأوضحت “القناة 12” العبرية أن “هذه المبادرة التاريخية تهدف إلى إنهاء النزاع مع دول الخليج”، مشيرة إلى أن “الفكرة التي تتمحور حولها هذه الجهود تتمثل باستغلال المصلحة المشتركة ضد إيران من أجل تطبيع العلاقات في مجالي الاقتصاد ومحاربة الإرهاب”.

ومع ذلك شدد تقرير القناة العبرية على أن المبادرة “لا تنص في هذه المرحلة على إمكانية توقيع اتفاقيات سلام كاملة؛ بسبب بقاء الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني”.

وتشمل المبادرة “تطوير علاقات الصداقة والتعاون بين الطرفين وتعزيزها وفقاً لأحكام ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي”، و”اتخاذ التدابير اللازمة والفعالة” لضمان منع اتخاذ أي خطوات خاصة بالتهديد بالحرب والعداء والأعمال التخريبية والعنف والتحريض بين الطرفين.

كما تنص المبادرة على عدم انضمام أي من طرفي الاتفاق (إسرائيل أو دول خليجية) إلى ائتلاف أو منظمة أو تحالف مع أي طرف ثالث ذي طابع عسكري أو أمني، أو الترويج له أو مساعدته.

مشاركات رسمية

ولم تعد تل أبيب تتحدث عن علاقاتها بدول الخليج بنوع من السرية، بل باتت تستغل أي خطوة معها لإعلانها عبر وسائل الإعلام، وسط غياب النفي العربي لذلك.

كان آخر تلك الخطوات ما أعلنته وزارة الخارجية الإسرائيلية، الأحد (1 ديسمبر 2019)، عن أن وفداً رسمياً إسرائيلياً يزور دبي لحضور اجتماع تحضيري للمشاركين الدوليين في معرض “إكسبو 2020″، المقررة إقامته بين 20 أكتوبر 2020 و10 أفريل 2021.

وأعلن حساب “إسرائيل تتكلم بالعربية”، التابع للخارجية الإسرائيلية، عبر “فيسبوك”، أن وفداً رسمياً إسرائيلياً زار دبي لحضور اجتماع المشاركين الدوليين في “إكسبو 2020”.

ولفت إلى أن الاجتماع “يهدف إلى الاطلاع على الاستعدادات الجارية تمهيداً لانطلاق المعرض في دبي، الذي ستشارك فيه إسرائيل”، مشيراً إلى أن “إسرائيل تتطلع إلى عرض آخر ابتكاراتها في جناحها الخاص في إكسبو 2020”.

وحول تطور العلاقات الإسرائيلية الإماراتية قال نتنياهو، الأحد (10 نوفمبر 2019)، حول إقامة بلاده علاقات مع ست دول عربية على الأقل، مؤكداً أن وتيرة التطبيع مع الدولة العبرية تتقدم وتأخذ منحى تصاعدياً، وذلك على هامش تأكيد مشاركة بلاده في معرض “إكسبو دبي”.

وكتب نتنياهو على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي “تويتر” باللغة العربية: إن “إسرائيل ستشارك، العام القادم، في معرض إكسبو في دبي 2020″، المقررة إقامته بين 20 أكتوبر 2020 و10 أفريل 2021.

واستطرد موضحاً أن بلاده “تقيم علاقات مع ست دول عربية على الأقل”، لافتاً إلى أن “التطبيع يتقدم خطوة بعد خطوة، وهذا سيؤدي في نهاية المطاف إلى علاقات سلمية”، على حد قوله.

وأشار إلى أن ذلك يحدث بفضل “سياستنا التي تدمج بين القوة والمصالح المشتركة ورؤية واعية جداً”.

وصرح زير خارجية الاحتلال الإسرائيلي، في 6 أوت 2019، بأن زيارة علنية أجراها إلى الإمارات، مطلع يوليو الماضي، كانت بهدف التطبيع علناً مع دول خليجية والمشاركة في حماية الملاحة بالخليج، وذلك بدعم كامل من نتنياهو.

تطبيع من بوابة أمن الخليج

وبات أمن الخليج وحمايته من “المخاطر الإيرانية” نقطة جديدة في التطبيع، وتتصدر المنامة هذه المحاولات، فيما تبدو محاولة من الإمارات والسعودية في جعلها الواجهة لتخفيف حدة الغضب العربي.

حيث استضافت البحرين، خلال يومي 21- 22 أكتوبر 2019، “مؤتمراً بشأن الدفاع عن حرية الملاحة في الخليج”.

هذا المؤتمر يأتي متابعة لمؤتمر وارسو الذي بادرت إليه الإدارة الأمريكية قبل أشهر، وتشارك فيه -بالإضافة إلى الولايات المتحدة والبحرين- 60 دولة، أبرزها السعودية والإمارات وأستراليا وبريطانيا.

وفي أوت الماضي، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي، أن بلاده ستشارك في المهمة الأمنية والاستخبارية البحرية في الخليج العربي.

الخليج اون لاين

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023