اليوم العالمي للتضامن مع الشعب اليمني وصمت الحزب “الشيوعي” العراقي!؟…بقلم عزام محمد مكي

اليوم العالمي للتضامن مع الشعب اليمني وصمت الحزب “الشيوعي” العراقي!؟…بقلم عزام محمد مكي

في هذا اليوم، وردت لذهني حادثة تذكرتها من قراءة سابقة لإحدى الوثائق. هذه الحادثة تتعلق بإحدى الحملات التضامنية الأممية التي كان الحزب الشيوعي العراقي يقودها-منذ اربعينيات القرن الماضي.

وحسب ما اتذكر فان المظاهرة التي نظمها وقادها الحزب، كانت تضامنية مع احدى الدول الغير معروفة لمعظم الجمهور الحاضر في المظاهرة. وكانت زمن المظاهرة اواسط الخمسينات.

وكالعادة تعرضت المظاهرة لقمع قوى الامن، فتم اعتقال عدد من المتظاهرين وجلبهم امام معاون مدير الامن العام (نائل عيسى). بعد ان القى نظرة فاحصة بالمعتقلين، اراد ضابط الامن احباط نفسية المعتقلين، سأل احد المعتقلين بطريقة استعلائية عن سبب خروجه في هذه المظاهرة، فكان جوابه للتضامن مع شعب هذه الدولة. فبادره بسؤال ثاني وبإستهزاء اذا كان يعرف هذه الدولة واين تقع. فكان جواب المتظاهر وبثقة بانه لايعرف هذه الدولة وأين تقع، ولكن هذا لايعني ان لا اشارك في المساهمة لرفع الصوت للتضامن مع شعبها الذي يعاني الاضطهاد.
ان تاريخ الحزب الشيوعي العراقي ملئ بالنضال التضامني ليس فقط مع الاحزاب الشيوعية، انما تبلورت اممية الحزب في الكثير من الحملات التضامنية مع الشعوب في مختلف القارات ضد الاستعمار والظلم والاضطهاد. يقوم الشيوعيون العراقيون بهذا الواجب الانساني رغم ثقل ارهاب السلطة معرضين انفسهم للأعتقال والتعذيب وتبعاتها. وكان الحزب في طليعة الاحزاب الوطنية والعربية في التضامن مع القضايا العربية ضد الاستعمار والصهيونية.


لقد طغت على جميع التظاهرات الوطنية في الاربعينيات على سبيل المثال، تلك الشعارات المناصرة للشعب الفلسطيني والمناهضة للمؤامرة الانكلو-امريكية لإنتزاع فلسطين لصالح انشاء الكيان الصهيوني. ففي مقال للرفيق فهد في جريدة “العصبة”، وهي الناطقة باسم “عصبة مكافحة الصهيونية” التي تأسست بمبادرة من الحزب الشيوعي العراقي، وصف الصهيونية” بأنها والفاشية توأمين لبغي واحدة هي العنصرية محظية الاستعمار”. وهنا لاننسى التظاهرة-انتفاضة 1956 للتضامن مع الشعب المصري ضد العدوان الثلاثي. وكان للحزب دوره المشهود في التضامن مع شعوب الجزيرة العربية ضد الانتهاكات المنهجية لحقوق الانسان التي مارستها، ولازالت، انظمة الحكم الرجعية ضد الشعوب التي كُلفت بالتحكم بها.
لقد دفع الشيوعيون العراقيون ثمنا باهضا في نضالاتهم الوطنية والطبقية، مع ذلك لم يتهاونوا في تضامنهم مع نضالات الشعوب العربية والعالمية. فرغم قسوة الاضطهاد، لم ينسى الشيوعيون العراقيون اخوتهم في الانسانية القريبين منهم والبعيدين. فماذا حدا مما بدا…. ونحن نرى صحيفة “طريق الشعب “، وفي يوم التضامن العالمي مع الشعب اليمني، وقد خلت من اي ذكر لمحنة هذا الشعب الذي يتعرض وبشكل يومي للقصف بكل انواع الاسلحة عدا الحصار الذي يمنع كل مستلزمات الحياة عن الشعب اليمني. دعك من المرتجى ان تقرأ في صحيفة يفترض انها تنطق بأسم حزب شيوعي ليس اقل من تغطية سياسية تُرجع اسباب هذا الصراع العسكري الى اسبابه المادية الحقيقية وعلاقته بطبيعة الصراع الرئيسي بالمنطقة. الا يحق لقراء الصحيفة معرفة موقف (اذا كان هناك موقف) هيئة التحرير من الروايات المختلفة التي تعكس دوافع و منطلقات الاطراف الداخلة في الصراع، وهذا اضعف الايمان. هل سبب الحرب هو سعي النظام السعودي تنفيذ قرارات الامم المتحدة لارجاع (الشرعية)؟ ام هي حرب بالوكالة تسعى ايران من خلالها محاصرة السعودية؟ ام هي حرب يخوضها الشعب اليمني الذي يحاول الدفاع عن سيادته؟ وتتعدد الاسباب او الذرائع، ولكن الا يثير الاهتمام فعلا الدعم الغير محدود من قبل امريكا وتوابعها من الدول الغربية للسعودية في هذه الحرب، ولاننسى مساهمة الكيان اصهيوني في هذا الدعم. الا تجعل كل هذه المؤشرات، حتى الاعمى وله بصيرة ان يرى الظلم الكبير الواقع على الشعب اليمني، وان يرى الحرب العادلة التي يخوضها هذا الشعب ضد الاحتلال والهيمنة عليه. ولو فرضنا تحييد جميع الافتراضات السابقة، وان الصحيفة او الحزب الناطقة باسمه لايريدون ان يحسبوا على طرف او لأي سبب في (نفس يعقوب)، ولكن الا يكفي ما وصله عدد الضحايا من اطفال اليمن نتيجة الحرب، للمناشدة لايقاف الحرب؟ الا يكفي ما وصلته حالة المجاعة في اليمن ( تقول منظمة الاغذية التابعة للامم المتحدة ان نصف سكان اليمن يتعرضون لمجاعة لم يسبق لها مثيل في التاريخ)، وانتشار الامراض المعدية وامراض سوء التغذية، للمناشدة لرفع الحصار؟ هل نسيتم الحصار الظالم الذي فرضته نفس القوى الغربية على الشعب العراقي وما نتج عنه من ضحايا وخراب اجتماعي (وقد اعترفت الادارة الامريكية بوفاة 600 الف طفل عراقي كنتيجة مباشرة لهذا الحصار).


اليس من المخجل ان يجد المرء وبمحض ارادته ومعرفته، نفسه ضمن الاقلية الواقفة على تلة المتفرج على مأساة انسانية واضحة المعالم، في الوقت الذي تنادت فيه حركات وقوى عالمية من مختلف المشارب والاتجهات والخلفيات السياسية من جميع القارات رافعين الصوت، صوت التضامن مع الشعب اليمني في محنته. ان التضامن الانساني هذا ليس منة على الشعب اليمني انما هو تضامن مع انسانية الانسان نفسه.
قد نفهم ان مواقف الحكومات العربية نابع من تبعيتها للأرادة الامريكية، وكذلك اصبح من الواضح خضوع النظام السعودي بالكامل للمخطط الانكلو-امريكي للمنطقة ولكن، ولكن كيف يمكننا فهم موقف قيادة الحزب الشيوعي تجاه معاناة الشعب اليمني؟
ان نظرة فاحصة لسلسلة المواقف التي اتخذتها قيادة الحزب وممارساتها خلال الفترة من ماقبل الغزو الامريكي للعراق وما بعده، تبين بان هذا الصمت تجاه معاناة الشعب اليمني ليست الممارسة الوحيدة التي تتنافى مع المبادئ التي يُفترض ان يحملها ويدافع عنها ليس حزب الشيوعيين العراقيين فقط وانما اي حزب شيوعي او جهة تحمل مبادئ انسانية عامة.
فبالإضافة الى الموقف الملتبس لقيادة الحزب في المؤتمر الوطني العراقي اتجاه تأييد الحرب التي كانت تتم التهيأة لها، مرورا بالمشاركة بمجلس الحكم الذي نصبه الاحتلال كجزء من التمثيل الشيعي، والتحالفات السياسية المشبوهة مع اياد علاوي وبعده مع الصهيوني مثال الالوسي للتختتم بالتحالف مع اتباع مقتدى الصدر (بعد ان غير الاخير بوصلته). وفوق كل ذلك يأتي الموقف السلبي اوالمترقب تجاه الاحتلال الامريكي، الذي وصل حد التغاضي او حتى تبرير امكانية اقامة قواعد عسكرية للأحتلال (كما جاء بشكل صريح في الحوار الذي اجراه ابراهيم الحريري مع سكرتير الحزب على صفحات طريق الشعب ). وتبلور هذا من خلال الموقف السلبي او المناوئ لفصائل المقاومة الاسلامية في عملياتها ضد قوات الاحتلال والتي استطاعت من خلال عملياتها المسلحة من اجبار هذه القوات على سحب قواتها من العراق في 2011. واستمر هذا الموقف المناوئ حتى عندما حملت هذه الفصائل السلاح لمحاربة داعش. رغم افتضاح العلاقة بين داعش والادارات الامريكية، باعتراف مسؤولين على اعلى المستويات، ورغم عمليات القصف الامريكية التي طالت الحشد الشعبي وفصائل المقاومة وسقوط الضحايا، ورغم اعتراف الرئيس الامريكي باغتيال الشهيدين ابو مهدي المهندس وقاسم سليماني، لم يبدر من الحزب اي موقف ضد الاحتلال او على الاقل يدين هذه العمليات الاجرامية. ومع افتضاح دور انظمة الخليج وعلى رأسها النظام السعودي، في تمويل وتنظيم العمليات الارهابية في العراق وسوريا (جزء منه جاء على لسان وزير الخارجية القطري السابق)، حيث حصدت العمليات الانتحارية الممولة سعوديا ارواح عشرات الآلاف من ابناء الشعب العراقي وما خلفه ذلك من ارامل وايتام، لم نقرأ او نسمع اي ادانة، نقد، تلميح لهذه الانظمة المجرمة ودورها بقدر ما نقرأ التأليب ضد الفصائل المقاومة التي بتضحياتها افشلت مخططات الاجرام.


ومن المُستغرب والمُحير التبرير الذي يلجأ اليه المدافعون عن سياسة قيادة الحزب، اذ هم يتعكزون على فكرة ان المواقف والاساليب النضالية يجب ان تتناسب مع الظروف الموضوعية التي نمر بها.
ان انفصال منطلقات القيادة الحالية للحزب عن المبادئ التي ولد على اساسها الحزب وناضل من اجل تحقيقها الشيوعيون العراقيون، هي التفسير الوحيد لسياستهم الحالية. هذه السياسة التي تهيأ الاجواء للعبور النهائي نحو مجارات بعض الانظمة العربية والخليجية خاصة في عملية التطبيع(التتبيع) مع العدو الصهيوني.
مع بوادر الهزيمة الساحقة للتحالف السعودي ومن ورائه امريكا وتوابعها، كيف سيكون موقف المتواطئين اعلاميا، في حال رضوخ النظام السعودي للجلوس على طاولة المفاوضات؟

تتحرك دكة غسل الموتى ،
أمَّا أنتم
لا تهتز لكم قصبه !(مظفر النواب)

 

URUK1934@GMAIL.COM

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023